رئيس التحرير
عصام كامل

نيران التسريب تهدد الجميع


«من جاور السعيد يسعد.. ومن جاور المسربين سربوا له».. هذا هو لسان حالنا بعد أن أقدمت قنوات الجماعة الإرهابية على تسريب مكالمات لمسئولين مصريين، بدا منها أن لهم رجالا بمكاتب الكبار.. الفارق بين مكالمات السياسيين والنشطاء ومكالمات مسئولينا هو فارق تكنولوجي.. الإخوان لديهم عناصر مندسة داخل مكاتب المسئولين يسجلون من طرف واحد، أي أنهم يضعون أجهزتهم بمكاتب مسئولينا.. بدءوا بتسريبات من داخل القصر الرئاسي، وانتهوا بما أذاعوه يوم الجمعة الماضي من مكتب وزير الخارجية سامح شكري.


لن أتطرق إلى ما أذاعوه ولا إلى ما أذاعه بعض الإعلاميين المصريين، فالقضية قضية مبدأ، فإذا كانت تسريبات الإعلاميين هي من بنات أفكارهم وقدراتهم على التنصت على الآخرين، فتلك مصيبة.. وإذا كانت هناك أجهزة قامت بذلك بوازع من الحماية فإن استخدامها قد ضل الطريق.. أيضا لا نستطيع أن نطالب الإخوان بإعمال المعايير والقيم الإنسانية فيما قاموا به؛ إذ إنهم لا أخلاق لديهم ولا دين ولا ضمير، أما الدولة فإن لها أخلاقا يجب أن تلتزم بها.

جريمة الإخوان في تسريباتهم هي جريمة ترتبط بعدو للوطن يستخدم كافة الأساليب للإيقاع بخصمه، وخصوم الإخوان ليسوا سلطة فقط، وإنما وصل عداؤهم للشعب وللأرض وللوطن، أما المسئولون فإن حماية هذا الوطن أوكلت إليهم بحكم ما حازوه من أجهزة وقدرات فنية قادرة على الإيقاع بخصومه.. الإخوان يسجلون بهدف إسقاط الدولة، والدولة تسجل لا تسرب، وتسجيلها من المفترض أن يكون وفق قواعد أخلاقية تفرض على صاحبها أن يستخدم تلك المعلومات لمحاكمة الخونة والعملاء وفق إجراءات قانونية معروفة للجميع.

ما الذي حدث؟.. عندما يقوم إعلامي بارتكاب جريمة التسجيل والتنصت، فإنه قد خرج على النص في مهنته، وتبقى جريمته جريمة سرية لا تطال نيرانها المجتمع رغم وقوعها، أما عندما يشرع في إذاعة هذه التسجيلات فإنه ينقل جريمته إلى العلانية، وكم من معلومات نعرفها ولا ننشرها حرصا على القيم المجتمعية السائدة والمرتبطة بمنظومة أخلاقية حاكمة لما أقسمنا عليه وتربينا على معاييره.

خروج تسريبات الإعلاميين أوحت لعدو غادر أن يسلك ذات الطريق في مواجهته مع الشعب والدولة.. تسريبات الجماعة الإرهابية توحي بما وصلوا إليه من نفاذ إلى دوائر السلطة، ووصولهم إلى مكاتب كبار المسئولين، وفي هذا خطر كبير على المنظومة الأخلاقية التي اخترقها بعض الإعلاميين، وهلل لها البعض، وتصور آخرون أنها لن تطالهم ثم اكتشفوا فجأة أنهم ليسوا بعيدين عنها.

قلنا ولا نزال نكرر إن نيران الخروج عن القانون والقيم إذا سكتنا عنها فإنها ستحرق الجميع؛ فالقيم لا تتجزأ، وضمير الدولة هو الحارس العام على ضمائر الناس، إن سقط في المستنقع لا تسألني عن ضمير مجتمعي، ولا تطالب عدوك بعدم الخروج على القانون، إذا كنت أنت أول الخارجين.

فكرة التنصت نفسها وبشاعتها ليست مستقاة من قيم غربية تتحدث عن الخصوصية والحقوق الشخصية، إذ إن الإسلام قد سبق الجميع في وقائع كانت ترتبط بحاكم يمضي ليلا من أجل الحماية، وعندما شرع في التنصت كان صاحب الجريمة صاحب حق انتصر فيها على أعدل العادلين على الأرض، وهو سيدنا عمر بن الخطاب..

فكرة الستر إلهية، وفكرة الفضيحة شيطانية.. هذا ما عرفناه قبل أن يصيغه الغرب في قوانين يفرضها على الجميع.

يبقى التساؤل الذي أجاب عليه الرئيس في الندوة التثقيفية الرابعة والعشرين بنادي الجلاء، وهو: كيف تتطهر المؤسسات والوزارات والهيئات من أخطبوط الإخوان؟ الرئيس تحدث عن قواتنا المسلحة ومعايير اختيار أبنائها … منذ أكثر من ثلاثين عاما وهي تنفذ أجندة محكمة وفق إجراءات غاية في الصعوبة لمنع أي منتمٍ لتيار فكري أو سياسي من الوصول إليها..

يبقى أن تتعلم المؤسسات والهيئات والوزارات أن تطهر نفسها بنفسها، خاصة بعد أن ثبت تورطهم في العمل ضد مصلحة الوطن، وآخر جرائمهم تسريب تسجيل صوتي لوزير الخارجية المصري نظن أنه خطير بما يفرض علينا التحرك..

ولكن كيف وصلت عناصر الإخوان إلى عظام الدولة؟ 

الإجابة تكمن في كلمة «الدولة».. نعم فالدولة المصرية في إطار لعبها مع التيارات السياسية غضت الطرف عن تسرب الإخوان إلى مفاصل الدولة المصرية، ومعركة التطهر أكبر من تصورات كتاب السيناريو، ومؤلفي قصص الخيال العلمي، ومن أراد التخلص من الإخوان لا بد وأن يتخلص أولا من قيمهم، وأولى الخطوات ألا ترتكب الدولة حماقات من عينة حماقات الإخوان وأولها التسريبات!!

وجريمة التسريبات طالت الجميع.. ومحاكمة المخترقين للأمن القومي بتسجيل مكالمات المسئولين تبدأ بمحاكمة التسريب كجريمة مرفوضة من الدولة، قبل أن تكون مرفوضة من المجتمع!!
الجريدة الرسمية