رئيس التحرير
عصام كامل

فلنفتح الشباك مع الإبقاء عليه مغلقا يا قوم!


مشكلتنا مع برامج التوك شو في بلدنا إنهم لازم يتكلموا يوميًا، لازم يُطرَح ما يسمى "القضية"، وهاتَك يا كلام وتحليل وانتقادات، ولو شتايم لزوم تسخين الحلقة ميضُّرش، المُهم نسبة المُشاهدة، والأهم يلاقوا حاجة مُختلفة يقولوها، يعنى باستخدام القاعدة الإعلامية الشهيرة، المُهم يتم الحديث عن البنى آدم اللى عَض كلب؛ لأنهم لو تحدثوا عن كلب عَض بنى آدم، فمفيش حَد هيهتم، لا البنى آدمين، ولا الكلاب!


قبل يومين شن (وائل الإبراشى) هجمة عنيفة ضد المحليات والمُحافظات والأمن، واصفا حملة إغلاق المقاهى المُخالفة وغير المُرخصة بأنها "حملة مغولية"، يعنى (جنكيز خان) بُعث من قبره ليريح ملايين الأسر التي انقطعت السُبُل بين رجالها ونسائها وبناتها وبين العيش في بيوتهم لأن تحتيهم قهوة عشوائية، تحتل مقاعدها وروادها وعُمالها والشيش فيها سواء معمَّرة بالمعسل لوحده، أو بالحشيش معاه، تحتل الرصيف والأسفلت، ومداخل البيوت، ناهيك عن الصوت اللى ميخليش حَد ينام ليل ولا نهار، ومُمكن تكون قاعد في بيتك تلاقى صاحب القهوة جايب كام كرسى وترابيزتين وطاولة وبيفرشهم عندك في الصالة ومعاهم زباينهم، أو الباب يخبَّط فتلاقى زبون من القهوة بيطلب يدخُل عندَك الحمام يفُك ميَّة بسرعة لأن حمام القهوة مشغول!

نفس (وائل الإبراشى) وزملائه المُنتقدين الحملات ضد المقاهى الآن، هُم مَن طالبوا قبلًا بضرورة القضاء على ذات الظاهرة العشوائية المتغولة في الشوارع، وقتها مكانش في بالهم إن فيه ناس بتسترزق من ورا المشاريع دى، كانوا خايفين على الأهالي، وبيطالبوا بحقوقهم، وبالهدوء والسكينة لهم في بيوتهم، وعلى المارة وحقهم في استخدام الرصيف، وعلى السيارات وحقها في المرور في الشارع المُغلق بالمقاعد والطاولات والشيش، وزعلوا وانقمصوا علشان المسئولين نايمين في العسل، ولما صحى المسئولون وقرروا يطلعوا من برطمان العسل ويشتغلوا، تحوَّل الهجوم لهجوم مُضاد، وتحوَّل المُحافظ إلى (تيمور لنك) الذي يُشرِّد الملايين من عُمال المقاهى اللى اعتمدوا على الشغلانة دى لفتح بيوتهم!

لو تحدثنا في هذه النقطة بصراحة، فتُجار المخدرات وصبيانهم، وسواقينهم، والموزعين الصغار، والبصاصين، والشيالين، وصبيان والمُهربين، كُل دول فاتحين بيوت برضو، وبيعتمدوا في أرزاقهم على ترويج السموم، إذن فالقبض عليهم عيب، ومصادرة البضاعة خراب بيوت، ومحاكمتهم تدمير لعشرات الأسر التي اعتمدت على الدخل من هذا المصدر، سيبوهم بقى حرام عليكم إذن، وأصبحنا في أشد الحاجة لطرح القضية الأهم عبر برامج التوك شو: إزاى تقدر تفتح الشباك وتسيبه مقفول في نفس الوقت؟!

هي نفس الدائرة الجهنمية التي لا تنتهى، ولا تختلف أبدًا إلا في توصيفات بسيطة، يعنى تلاقى اعتصام إجرامى زى بتاع رابعة، لأمم كُل إرهابيى العالم المُجرمين عبر التاريخ، ومعاهم أكبر نسبة مُغفلين على وجه الأرض، اللى افتكروا إن (مرسي) راجع، وإن سيدنا (محمد) عليه الصلاة والسلام بييجى الاعتصام معاهم علشان يصلى الفجر ورا المُرشد، صرخ نفس الإعلاميين مُطالبين بإيقاف المهزلة، والدولة ساكتة ليه؟ ولماذا نترك هذا الجيب الذي أصبح دولة داخل الدولة، يُعذِّب مَن يصطاده من رجال أمن أو مُخالفين، يقتل أمناء شُرطة وضباط، يعتدى على حرمات البيوت ويسجن أهالي المنطقة، ويمنع المرور، ويعمل روايح وحشة معفنة.. يا ترى فاكرين؟!

عندما تُحَل المُشكلة نتحدث عن حُرمة الدماء، والضحايا، ونطنطن بالحديث عن الشهداء، يعنى اعتصام إجرامى المفروض يتم فضه بعصى الأستيك علشان الإعلام يرضى؟ لا طبعًا، لأنهم لو فضوه بعصيان الأستيك لوصفهم (الإبراشى) وزملاؤه بأنهم عاملين حملة أطفال جديدة، وشكله غاوى تاريخ، فمرَّة حملة تتارية أو مغولية، ومرَّة حملة أطفال، ومن الواضح أن المُشاهد المسكين الذي لا يمتلك إلا مرارة واحدة عليه أن يتحمَّل توصيفات وطلبات (وائل) المُعاكسة دائمًا، وانحرافه ـ الذكى ـ بالقضية لمسار يمنحه براحا في التسخين الأبدى!

وأرجوك تراجع فكرة المقاهى والأهالي، المقهى مفتوح، فيزعل علشان الأهالي متبهدلة، المقهى يتقفل، فيغضب علشان العُمال متشردين، المقهى مش بيدفع ضرايب، فياخُد على خاطره علشان خزينة الدولة بقت شبه شوارع التجمُع الخامس الساعة 11 بالليل، المقهى بيدفع ضرايب، فيثور علشان دى فلوس حرام ـ بالأصح حغرام ـ بتدخُل خزينة الدولة وبتلُط الفلوس الحلال التانية، ويستعين بشيوخ يؤكدوا إن أرباح المعسل والشيشة حرام، وبالتالى المفروض الدولة متاخُدش ضرايب منهم!

أمثلة أخيرة بسرعة، الإرهاب، أو العشوائية، أو الباعة الجائلون، حاول تسيبهم، تلاقى الهجوم، وإزاى وليه؟ إحنا مش في غابة، مش عارفين نمشى ولا نتحرك، مفيش أمان على عيالنا، طيب واجههم أو اعمل تشريعات للحَد من وجودهم، واقضى على تغوّلهم ـ كُلٌ في مجاله ـ ميصحش التغوُّل أهو، و(هولاكو) جاى يعمل إيه في مصر؟ وشوية تقارير سُخنة مع ناس بتلطُم، وفى أي وقت لعلمك تقدر تجيب ناس بتلطُم، لما القهاوى تشتغل الأهالي هتلطم، ولما القهاوى تقف العُمال هتلطم، ودُقى يا مزيكا.. حزاينى!
الجريدة الرسمية