التطوع سر نجاح معرض الكتاب
لم يكن معرض القاهرة الدولي للكتاب خلال الدورتين السابعة والأربعين والثامنة والأربعين، سوى حالة استثنائية جسدتها القراءة الجديدة والمغايرة، لوزارة الثقافة والهيئة المصرية العامة للكتاب، لواقع ارتباط كثير من المصريين بالكتاب، المطبوع خاصة، والذي تواجهه أزمات يعلمها الجميع.
وفي تصوري ومن خلال متابعتي، اعتمدت اللجنة القائمة بتنظيم المعرض في المرتين، على فكرة "التطوع" بالجهد والأفكار غير التقليدية، لإعادة المصريين إلى "سوق الكتب" مرة أخرى، بعد انشغالهم عنها، ربما لسنوات، لأسباب مختلفة في مناخ متقلب، وكأن ثقافة العمل الأهلي هى التي أثرت رؤية اللجنة وجعلت الملايين تخرج إلى أرض معرض الكتاب خلال الدورتين.
الأولى حققت معدل حضور اقترب من ثلاثة ملايين زائر، والثانية وصلت 4 ملايين، حسب تأكيدات رئيس الهيئة العامة للكتاب، الدكتور هيثم الحاج علي، لكن في تقديري، وهو ما اتفق معي عليه الأستاذ عادل المصري رئيس اتحاد الناشرين، خلال محادثة قبل ساعات، أن المسئولين عن المعرض استطاعوا جذب كل أفراد الأسرة المصرية، بأنشطة متنوعة وراقية، تهتم بكافة الأعمار والهوايات.
هناك كنت ترى الطفل تدعم مواهبه وميوله خمس هيئات وجهات على الأقل، بأنشطة متنوعة ومتعددة، والمسرح المكشوف يتفاعل مع عروضه الكافة، بينما الندوات والنقاشات تثري حالة الحوار المفقود بين أجيال، والتواصل مع أنساب تليق بالباحث فيها لا ينقطع مع نماذج مخيمات بيت العرب، ناهيك عن الحضور القيم لدول عربية وأفريقية وأوروبية تسعى أجنحتها لمد جسور التواصل وربما إصلاح ما أفسدته السياسة.
فلسفة لجنة تنظيم المعرض، تشابهت مع أفكار أرباب مؤسسات المجتمع الأهلي التي تراجع حضور الكثير منها على الأرض، بفعل تأميم العمل المدني بقانون جائر وهجمات إعلامية موجهة ضده، لكن أهل القرار ما لبثوا يعرفون قيمة العمل التطوعي في إثراء الثقافة وإنجاز عمل قومي كمعرض الكتاب، يليق باسم مصر.
ولا شك في أن المعرض لن يكون له وجود دون دعم فعال وحقيقي لصناعة النشر في مصر، هيئة الكتاب جزء من منظومة تضمن الوصول إلى القاريء بالثقافة والمعرفة، لكن الناشرين أنفسهم هم صلب الصناعة، التي تأثرت بقرارات اقتصادية غير حكيمة ومدروسة، أتت على أسباب المعرفة كما جارت على حق البسطاء والطبقة الوسطى في احتياجاتهم العادية.
ولنا أن نعلم ما يمكن أن يعانيه ناشرون من تكاليف مشاركة غير مدعومة، في معرض تصل تكلفة أرضه لبضعة ملايين خلال أسبوعين، بينما هامش الربح، لدى المصريين منهم، أقل بكثير مما يتوقعه البعض، رغم إسهام الجادين منهم في نشر الثقافة والفكر بعناوين تليق بالقارئ، وهى رسالة الوزارة نفسها، التي تحتاج إلى حصة أكبر في موازنة الدولة.
أخيرًا، من غير المعقول اتخاذ قرار، أو الإعلان عنه، بشأن نقل معرض الكتاب إلى مكان جديد بالتجمع الخامس، دون حوار مع اتحاد الناشرين، هؤلاء الذين تأثروا كثيرًا بالأزمة الاقتصادية وانعكست بالضرورة على سوق وحركة النشر، كما أن زوار المعرض الذين لم يسمع بعضهم عن وجود خط لمترو الأنفاق من العتبة إلى مصر الجديدة إلا فترة موسم المعرض، لن يستطيعوا التواصل مع الحدث العظيم مستقبلًا، أو الإقبال عليه بنفس الهمة، إلا بتوفير وسائل مواصلات متعددة، ستزيد الأزمة المرورية بالعاصمة.
ربما الأنسب تطوير هيئة المعارض بمدينة نصر وإنجاز المنشآت اللائقة المطلوبة عليها لاستقبال معرض الكتاب المقبل وغيره من الفعاليات والأحداث، وهذا يعني استثمار أفضل لموقعها ومساحتها التي لا يليق معها إلقاء الكتب وناشريها داخل خيام، واستئجار كبائن دورات مياه لخدمة زوارها.