رئيس التحرير
عصام كامل

الأزهر والدولة


الدولة هي مؤسسات الشعب ونظامها الأساسي (الدستور). وقد حدد النظام الأساسي من يمثل الدولة في كل نواحى الحياة وعلاقة تلك المؤسسات بعضها ببعض واختصاصاتها في مواده بوضوح. فممثل الدولة في الفصل بين المواطنين في نزاعاتهم أو بينهم وبين مؤسسات الدولة أو بين مؤسسات الدولة نفسها هو القضاء. وممثل الدولة في حماية الحدود والوجود والحفاظ على النظام الجمهوري هو الجيش. وممثل الدولة في الحفاظ على الأمن وتنظيم مظاهر الحياة والعمل على منع الخروج على القانون هي الشرطة. وممثل الدولة في نشر العلم وإمداد المجتمع بالمتعلمين المؤهلين، وحل مشكلات المجتمع عن طريق البحث العلمي هي الجامعات.


وقد جعل الدستور ممثل الدولة في كافة شئون الشريعة الإسلامية هو الأزهر حينما نص في مادته السابعة "الأزهر الشريف هيئة إسلامية علمية مستقلة، يختص دون غيره بالقيام على كافة شئونه، وهو المرجع الأساسي في العلوم الدينية والشئون الإسلامية، ويتولى مسئولية الدعوة ونشر علوم الدين واللغة العربية في مصر والعالم. وتلتزم الدولة بتوفير الاعتمادات المالية الكافية لتحقيق أغراضه. وشيخ الأزهر مستقل غير قابل للعزل، وينظم القانون طريقة اختياره من بين أعضاء هيئة كبار العلماء".

في الأيام الماضية ثار لغط كبير حول فتوى هيئة كبار العلماء بشأن وقوع الطلاق الشفوى وحتى نكون موضوعيين ومنصفين فإن الجدل قد بدأ قبل ذلك قبلها بعدة أسابيع عندما صرح السيد رئيس الجمهورية في أحد لقاءاته برأيه ورغبته بعدم الاعتداد بوقوع الطلاق شفويا إلا في حالة توثيقه وحينها بدأ لغط كبير حول ما قاله الرئيس وهل من المقبول أن تتدخل السلطة التنفيذية في الشئون الدينية سواء الإسلامية أو المسيحية رغم أن الدستور قد حدد نصا المرجعيات الدينية في الشئون الاجتماعية خاصة.

ومن الناس من بدأ حملة يطالب فيها بعدم وقوع الطلاق الشفوى بعضهم عن رغبة وقناعة شخصية وأغلبهم عن تعود لمساندة السلطة في كل ما يصدر عنها وإن كان خاطئا. وظهر فريق ثالث أكثر شراسة هاجم بشدة الأزهر في صورة إمامه الأكبر الذي كان حاضرا ولم يرد في حينه على كلام الرئيس الذي يراه بعضهم تسورا على أحكام ثابتة ومعظمهم رآه وسيلة للمعارضة ورفض ما يقوله الرئيس والهجوم عليه..

وحسنا فعل شيخ الأزهر في عدم الرد على الملأ على أفكار الرئيس والتي تعتبر حقا شخصيا.. واجتمعت هيئة كبار العلماء وهي المرجعية الدستورية في شئون الفقه الإسلامى وبعد البحث قررت أن الطلاق الشفهي يقع بإجماع جمهور العلماء وأن مشكلة عدم قيام بعض الأزواج بتوثيق الطلاق هي مشكلة هامة يجب العمل على حلها ولو بتطبيق عقوبات على من يفعل ذلك.

وهنا قامت العاصفة وبدلا من أن تشهد صفحات الصحف نقاشا علميا وفقهيا حول الطلاق وما حدث في المجتمع المصرى في السنوات الأخيرة من ارتفاع شديد في نسبة الطلاق وانخفاض في نسبة الزواج وهذه الإحصاءات تضم الزيجات والطلاقات الموثقة فقط وأن يبدأ نقاش فقهي بين متخصصين في الفقه.. تحول الموضوع والنقاش حول الطريقة التي أثير بها الموضوع وصحة قيام رئيس الجمهورية بهذا التوجيه.. وتحول الموضوع بعدها إلى هجوم شديد على الأزهر واتهام لعلمائه بالكهانة والرجعية وسيطرة الإخوان عليه وغير ذلك من الاتهامات الكاذبة والتي تصل لحد البهتان في معظمها..

وكأن الأزهر قد ارتكب كبيرة عندما اجتمعت أعلى هيئة فقهية فيه لحسم جدل أثاره رأس السلطة التنفيذية في موضوع فقهى بحت.

ومن يقول إن الأزهر في هذا الموضوع ضد الدولة لأنه أصدر فتوى ليست على هوى السلطة أراه من وجهة نظرى يهدم الدولة ويطالب بل يمهد لهيمنة السلطة التنفيذية على كل مؤسسات الدولة وتدخلها في عمل كل المؤسسات وهذا ما يسمى بالشمولية.

ورغم أن وضع الأزهر في الدستور فيه كلام كثير إلا أننا علينا أن نعترف أن ذلك كان نتاج المرحلة التي كتب فيها الدستور والتي استطاعت بعض المؤسسات أن تحصل فيها على أكبر مكاسب وحصانة ممكنة استغلالا للوضع السياسي الهش حينها.

أدعم مناقشة أي عمل إنساني حتى لو كان فتوى أو حكما قضائيا دون المساس بالمؤسسة التي حملها الدستور هذه المسئولية وأرجو من كل وطني مخلص أن نكون موضوعيين في مناقشة كل قضايا أمتنا، فمصر أحوج في هذه المرحلة للم الشمل أكثر من نشر المزيد من بذور الخلاف.
الجريدة الرسمية