رئيس التحرير
عصام كامل

الرقابة الإدارية.. لماذا لا تزور «البنك الزراعي»؟!


بصراحة لا أحبذ الكتابة والإشادة بتوجيهات السيد الرئيس، والتغني بحكمته، "عمال على بطال"؛ لأننا نحن الصحفيين المتخرجين من مدارس "صحافة المعارضة" تعودنا على أننا يجب ألا نشيد بمن يؤدي واجبه؛ لأن هذا هو المفترض، وليس العكس، وأن علينا انتقاد وتقريع وزجر المسئول، أيا كان موقعه، إذا حاد عن جادة الصواب، وخرج عن المسار.. إلا أن الموضوعية تقتضي أن أشيد وأثمن غاليا ما فعلته الرقابة الإدارية أخيرًا، بالحرص على زيارة مواقع تقديم الخدمات، والتعامل مع الجمهور، خاصة عامة الشعب، مثل محطات الوقود، والمستشفيات العامة والجمارك، وغيرها.


نجاح رجال الهيئة في مهامها طوال الفترة الماضية، بناء على توجيهات الرئيس، ولّد لدى جماهير الشعب طموحا في نجاح الرئيس والهيئة، ولا أقول الحكومة، في مواجهة الفساد، ولا أقول القضاء عليه؛ لأن في ذلك إسرافا في الأحلام.. أحلام اليقظة، فالفساد تغلغل وتوطن، وتسلل إلى ثنايا العقول، وشرايين الأجساد، وسطور الثقافة، ومصادر التربية.. وصار القضاء عليه ضربا من الخيال، ومعجزة في غير زمن المعجزات.

ما أنا بصدده، هو أمنية، مجرد أمنية، بأن يزور أبطال هيئة الرقابة الإدارية البنك الزراعي المصري، الذي صار هكذا، بعد أن كان مسماه "بنك التنمية والائتمان الزراعي".. وصار منضويا تحت مظلة البنك المركزي، بعد أن ظل فترة طويلة جدا خارجا عن إشرافه، ومحتميا بالفاسدين في وزارة الزراعة.

أنا لا أتهم أحدا بعينه في "الزراعة" أو في البنك الزراعي، الذي أساء للزراعة في مصر، بدلا من أن يعمل على نهضتها، وتنميتها، بل أتهم العقول الفاسدة بالتدمير والإفساد.. تدمير الاقتصاد الزراعي، وإفساد مسئولي وموظفي البنك، من أكبرهم إلى أدناهم.. ممن تولوا رئاسة البنك في عهود سابقة، مع استثناءات بسيطة جدا، كالرئيس الحالي، السيد القصير، ورئيس أسبق، د. محسن البطران، وأيضا على شاكر، ومَن دون هؤلاء يستحقون التعليق في أعواد المشانق.

كذلك تم إفساد معظم مسئولي وموظفي البنك، من مديري الفروع والقطاعات وحتى معاوني الخدمة.. ولعل لنا في القضايا التي كشفتها الجهات الرقابية، وعلى رأسها الرقابة الإدارية نفسها، دليلا دامغا على صحة هذه الأقوال.. ونحيل الأجهزة الرقابية إلى ما نشره كاتب هذه السطور في هذه البوابة من تقارير وأخبار ومقالات.

أستغيث بالرقابة الإدارية، تنفيذا لتوجيهات السيد الرئيس، لزيارة البنك وفروعه، والاستماع إلى شكاوى العاملين، والمزارعين المتعاملين معه، والألوف المهددين بالحبس؛ بسبب تزوير توقيعاتهم على قروض تفوق أضعاف أضعاف ما حصلوا عليه فعلا.. هناك مزارعون يحصلون، مثلا، على 50 ألف جنيه، فإذا بهم مطالبون بتسديد 500 ألف.. راجعوا حسابات الموظفين، وكيف تتخطى الملايين لمن لا يتجاوز راتبه بضعة آلاف؟! وراجعوا حسابات العملاء وودائعهم، خصوصا من يقيمون خارج مصر، ستكتشفون أن معظم المبالغ استولى عليها بعض الموظفين بالتزوير.. راجعوا إيداعات كبار العملاء، لتكتشفوا أن بعضهم يحصل على فوائد لا يستحقها؛ نتيجة أخطاء "عمدية"، "بحسن نية".

راجعوا الترقيات.. راجعوا التعيينات خلال العشرين عامًا الأخيرة.. سيما الفترة التي تحكم فيها "منتدب" بالبنك، وليس رئيسا.. ستجدون "عزبة"، بلا ضوابط، ترقيات، خاصة للمناصب القيادية، للصوص ومرتشين، وتعيينات بمقابل مادي، باختصار فضائح مدوية، ووقائع يندى لها الجبين. راقبوا سلوكيات، وتصرفات موظفي الأمن بجميع الفروع ومقرات القطاعات!

اطلبوا الرؤساء السابقين، للتحقيق، اسألوهم "من أين لكم هذا؟!" كيف أسستم، وشاركتم، في شركات ومؤسسات بمئات الملايين؟! افحصوا إقرارات الذمم المالية قبل وبعد توليهم المناصب.. افحصوا الملفات جيدا.. راجعوا تصرفات الصندوق التأميني، وأوجه إنفاق أمواله.. وكواليس وتفاصيل الانتخابات الأخيرة لمجلس إدارته.. أعيدوا فحص ملفات المستشارين.

تلك المراجعات والفحوصات سوف تستغرق وقتًا طويلًا للانتهاء منها، وبعدها أتمنى أن يقوم رجال الهيئة الرقابية المحترمون بفحص موقف ممتلكات البنك وأصوله الثابتة في جميع أنحاء الجمهورية، وكيف استولى عليها ذوو النفوذ، ومن يجيدون "تظبيط الأمور"، ومن يعرفون من أين تؤكل الكتف.

غياب العدل أشد وطأة من القتل.. واستشراء الفساد أسوأ من الإرهاب.. والغضب من النقد معناه فقدان الثقة في النفس.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي وللغلابة من موظفي وعملاء البنك الزراعي المصري.
الجريدة الرسمية