رئيس التحرير
عصام كامل

اختبار «الطلاق الشفوى»!


رفض هيئة كبار العلماء الاجتهاد في منع الطلاق الشفهى، أعتبره سقوطا آخر في مسألة تجديد الخطاب الدينى.

أعلى نسبة طلاق في المجتمعات العربية نحن، الطلاق في سنة أولى زوج بين صغار السن، أصبح ظاهرة، خبراء يقولون "الشباب متسرع"، آخرون يقولون: لا يتحمل المسئولية، ولا قدرة لديه على تحمل تبعات الزواج.


مع أقرب مشكلة، وأول أزمة يلجأ الشباب للطلاق شفهيا، بصرف النظر عن الأسباب، طالب الرئيس الفقهاء بمحاولة إيجاد حل، رأى الرئيس أن الإفتاء بعدم وقوع الطلاق إلا بتوثيقه كفيل بإنقاذ كثير من الأسر من التفكك.

إذا كانت المشكلة دينية، فالحل في يد المشايخ، إذا كانت جذور الأزمة شرعية، فقد رأى الرئيس أن حلولها يجب أن تكون شرعية أيضا. لجأ للمشايخ، لكن المشايخ خذلوه.

الذين تصدوا لتجديد الخطاب الدينى، هم أنفسهم الذين رفضوا الاجتهاد في حل مشكلة فقهية كالطلاق الشفهى.. كيف إذن يجددون؟

في اجتماعهم، أمس الأول، قالت هيئة كبار العلماء، إن "الطلاق الشفهى يقع باعتبار ما استقر عليه سلف الأمة والمسلمون الأوائل". لم يسأل الرئيس هل يقع الطلاق الشفهى أم لا؟ لم يطالب المشايخ، ببيان جوازه شرعيا من عدمه؟ الذي طالبه الرئيس هو إيجاد حلول للأزمة. كان يجوز للمشايخ إيجاد مليون حل وحل.. لكن مشايخنا لا يجتهدون.

يبدو أننا للآن لم نفهم "مرونة الدين" ولا قدرته على مواءمة العصر، حيثما توجد المصلحة فثمة شرع الله. إيجاد حل شرعى للطلاق الشفهى، كان صلاحا لمجتمع مسلم، ضربته أزمة اجتماعية. نتعلل بما كان عليه المسلمون الأوائل، مع أن المسلمين الأوائل كانوا أكثر منا مرونة، وأفضل منا فهما لرحابة التشريع، وقدرته على استيعاب مقتضيات العصر.

في عهده، أصر عمر بن الخطاب على نفاذ الطلاق بالثلاثة مرة واحدة، زجرا للرجال، وحتى يتحسبوا لقراراتهم، وكى لا يكون الطلاق بالثلاثة لبانة في الأفواه. فهم عمر بن الخطاب (رض) كان أوقع للإسلام. فهم أن مقاصد الله في التشريع الإسلامي صلاح المجتمعات. لم يقصد الله بالتشريع التضييق أو التغليق.

عمل عمر وفق قاعدة جواز تغير الأحكام مع تغير الزمان. في عهده، أوقف عمر بن الخطاب "سهم المؤلفة قلوبهم"، معطلا آية قرآنية واضحة. قال إن سبب الآية انتهى، وبالتالى سقط حكمها. اعتبر أن سهم المؤلفة كان أمرا للنبى (ص) وقت ضعف الدولة الإسلامية، ولما اشتد بأسها في عهد عمر، أوقف الحكم، ورفض أن يعمل بنص الآية.

في عام المجاعة، أوقف عمر (رض) أيضا حد قطع يد السارق. قال إن الجائع والمحروم، لا حد عليه، ولا قطع ليده، مع أن آية حد السرقة في القرآن الكريم كانت واضحة صريحة، لم تبين أسبابا للقطع، ولا استثنت منه سارقا. عمر ابن الخطاب تعامل مع الآية بالفهم، لا بظاهرها.

فهم المسلمون الأوائل الإسلام كما أراده الله. عرفوا مرونته، وفطنوا لقدرته على استيعاب المتغيرات في العصور والأزمان الإسلامية، لذلك وجدوا مليون حل، لألوف المشكلات والمستجدات. ابتكروا مخارج كثيرة للأزمات الاجتماعية التي واجهت المجتمعات الإسلامية.
 
غريب أن يمتنع مشايخنا عن الاجتهاد في الأحكام الشرعية، بحجة ما استقر عليه المسلمون الأوائل من أصول في الدين، بينما كان المسلمون الأوائل نفسهم يجددون!
wtoughan@hotmail.com
twitter: @wtoughan


الجريدة الرسمية