رئيس التحرير
عصام كامل

الرسائل التي لم تصل الرئيس ؟!


عادة ما يتسم الحكام الذين يأتوا إلى السلطة بعد الثورات الشعبية بخصائص مختلفة عن أولئك الذين تقلدوا السلطة في أوضاع سياسية مستقرة.. وعادة ما يمر حكام ما بعد الثورات بحالة من الارتباك والصراع الداخلى الشديد، يمكن حسمه في تساؤل منطقى بسيط مفاده هل من الأفضل للحاكم أن يخافه الشعب أم أن يقع في غرامه؟


والإجابة عن هذا السؤال تتفتق عن أسئلة فرعية عديدة.. تتعلق بتجارب الدول السياسية عبر التاريخ.. وأيها حقق النجاح الأكبر؟ الرئيس الذي أحبه شعبه أم الرئيس الذي أخافه الشعب؟ وهل يمكن أن يجمع الرئيس الصفتين معًا؟

ومن ثم فنحن أمام تجربتين عظيمتين، حققتا نجاحًا واسعًا عبر التاريخ.. إحداهما توقفت في منتصف الطريق، والأخرى أكملت مسيرة النهضة ولا تزال في المقدمة.. الأولى تجربة "الهند" وكيف استطاع الفيلسوف "بيدبا" أن يقدم للملك جملة من النصائح الأخلاقية، التي بها يحقق العدالة ويكسب حب الشعب.. والثانية التجربة "الإيطالية" التي استطاعت بفعل الرسائل أو النصائح التي قدمها الفيلسوف الإيطالى "نيقولا مكيافيللى" للأمير آنذاك.. والتي تحضه على عدم الاكتراث بحب الجماهير، وأنه حينما يخافه الشعب سوف يحقق من خلاله النهضة لإيطاليا!

ولما كانت الهند قد توقف قطار نهضتها في حقبة تاريخية معينة، وقطار إيطاليا لا يزال في المقدمة، بل كل من تأثروا بأفكاره التي جاءت في كتابه الأشهر "الأمير" الذي أصدره "مكيافيللى" في القرن السادس عشر أمثال "ستالين" و"موسيلينى" وحققوا بفضل رسائله ورغم حكمهم الاستبدادى حققوا نجاحات نهضوية كبيرة ! ولم تخضع بلادهم أبدا للاستعمار كما حدث للهند التي وقعت فريسة للاستعمار البريطانى..

فقد دفعنى ذلك إلى فحص ودراسة بعض من رسائل "مكيافيللى" إلى الأمير.. وتساءلت عن جدوى رسائل مكيافيللى، وكيف ولماذا أسهمت في نهضة إيطاليا؟ ولماذا اعتبر مكيافيللى رغم أفكاره الاستبدادية مؤسسًا لعلم السياسة في العصر الحديث؟ وانتهيت بسؤال محورى هل قرأ الرئيس السيسي وهو يسعى لتحقيق نهضة شاملة للبلاد كتاب الأمير؟ وإذا كان قرأه.. فهل تقبل الأفكار وآمن بها، وما هي هذه الأفكار؟ رغم أننى على قناعة تامة بأنه ربما قبل بعضها ورفض البعض الآخر!

علمًا بأن قبول الفكرة أو رفضها عادة يتوقف على الصورة التي يرغب الحاكم في أن يراه الشعب عليها.. وما إذا كان يرغب في أن يصبح زعيما يحظى بحب الشعب، أم أنه يريد أن يكون الحاكم المستبد الذي يخافه الجميع ؟ أم أنه يفضل أن يكون الحاكم "الثعلب" الذي يرغب في أن يحظى بالصفتين معًا "الحب والهيبة"؟!

ولا شك أن مبادئ مكيافيللى كانت صالحة للتطبيق في الدول المفككة، خاصة تلك التي خرجت لتوها من أتون الثورات.. ومن ثم فإننى أرى أن في رسائل مكيافيللى ربما ما هو مفيد في الحالة المصرية الراهنة، والتي تتطلب من الرئيس الاستفادة من المتاح، واستغلال الفرص للوصول بمصر إلى بر الأمان، ومن ثم إعادة النظر في مقولة مكيافيللى "كل ما هو مفيد فهو ضرورى"!

ورغم كثرة الرسائل التي أرسلها مكيافيللى للأمير، فإننا نرى أن من بين رسائله ما نحن بحاجة إليها ليقرأها الرئيس.. فالرسالة الأولى تحذر الرئيس من التفكير في التوريث، حيث ميّز مكيافيللى بين نوعين من الحكام، الأول يُنتَخَب ويختَار من خاصته وزراء يدينون له بالولاء.. والثانى يأتى بالتوريث ويختار من أهله أعيانا أو وزراء.. وأكد مكيافيللى أن النموذج الأول يصعب احتلاله بعكس النموذج الثانى!

والرسالة الثانية نصح فيها مكيافيللى الحاكم بأن يقدم الخوف منه على الحب، وأوصى بأنه إذا لم يضمن الحاكم حب الشعب له فعليه أن يفرض الخوف منه ولكن بطريقة يتجنب بواسطتها كراهية الشعب له.. وأن الحاكم إذا أراد أن يطبق العدل؛ فلا يتوانى أن يتحلى بصفات المكر!

وفى الرسالة الثالثة أوصى مكيافيللى الأمير بأن أن يكون شحيحًا في توزيع المنافع على الشعب: إذ يجب أن تمنح منافع الدولة "الدعم" قطرة قطرة؛ حتى يشعر الشعب بمذاقها ويلتذذ بها.. ورغم حالة الشح هذه، بيد أنه أوصى الرئيس بالسخاء على الجيوش، ليضمن تبعيتها المطلقة له!

وفى الرسالة الرابعة طالب مكيافيللى فيها الحاكم بالاستعداد الدائم للحرب، حتى في حالة السلم.. فليس لدى مكيافيللي ثقة في شيء أكثر من "السلاح" فهو يرى أن الافتقار إلى السلاح يعرض الوطن للمهانة.. وأن توافر الأسلحة يجلب الأصدقاء ويرعب العدوان!

وفى الرسالة الخامسة حذر مكيافيللى الرئيس من خلط الدين بالسياسة؛ حيث اعتبر مكيافيللى أن الكنيسة كانت عائقًا من عوائق الوحدة الإيطالية، وأكد أنه لو كان الإيطاليون يفهمون شيئًا في السياسة لما سمحوا للكنيسة بأن تصل إلى هذه الدرجة من العظمة والاستبداد!

أما في الرسالة السادسة فيقول مكيافيللى إنه إذا كان الحاكم يريد "الشهرة" فعلية بتبنى المشروعات العملاقة، بالإضافة إلى تكريم الذين يقومون بالأعمال الوطنية العظيمة، وعقاب الذين يفعلون العكس، وتقديم المكافآت لكل من يعمل عن جدارة في مختلف حقول الإنتاج، وعليه أن يشغل الشعب بالأعياد والمناسبات ومختلف العروض، حتى وإن أقام حفلات زفاف دون عرسان!

وفى آخر هذه الرسائل يوصى مكيافيللى الرئيس بضرورة العمل على كسب ود الشعب؛ باعتباره المُخرِج الحقيقي من الحروب والمصائب، كما يجب عليه العمل على خلق نخب جديدة في كل "مقاطعة" أو "محافظة" أو مؤسسة من العسكريين والمدنيين على حدٍ سواء !

وفى النهاية ربما لا تعجب الرئيس تلك الرسائل المكيافيللية، بل ربما لا تصل إليه.. ولكن إذا وصلت تلك الرسائل إليه؛ فهل بإمكانه أن يطبقها؟ وهل يقبل الرئيس السيسي أن يحمل لقب "الحاكم المستبد" خاصة إذا كان على يقين بأن استبداده سوف ينهض بالوطن إلى بر الأمان ؟
Sopicce2@yahoo.com
الجريدة الرسمية