رئيس التحرير
عصام كامل

سعاد حسني.. صاحبة الألف وجه


حلت هذا الأسبوع الذكرى الخامسة والسبعون لميلاد أخت القمر التي أنارت شاشات السينما العربية بألوان قوس قزح كانت ولا زالت تحيل حياة المشاهد والعاشق للفن السابع لبهجة وفرحة لا تنتهي.. ففي مثل هذا اليوم ولدت سعاد حسني أو نعيمة الهاربة الضاحكة.. وزوزو الشقية المترعة بالحيوية والطلاوة.. ولدت نادية الصغيرة على الحب والتي عرفت كيف تهزم العمدة الدكتاتور في الزوجة الثانية.. فهي المتوحشة وهي أيضا السفيرة عزيزة بل ونادية وشفيقة.. وكل الوجوه التي رأيناها في حياتنا أو سمعنا عنها أو حتى قرأنا.. فهي صاحبة الألف وجه ووجه بعد أن جمعت كافة ألوان الدراما، الكوميديا، والتراجيديا، والميلودراما، والرومانسي، حتى الغنائي والاستعراضي، بصوت شجي تملؤه الحيوية والشقاوة والشجن، وأداء فطري متدفق يحسن اللفتات والإيماءات ويختلج بكل مقومات الانفجار الإنساني برشاقة مذهلة.


وكما هو معروف بدأت مشوارها الفني في برنامج الأطفال الإذاعي «بابا شارو»، الذي كان يقدمه الإذاعي محمد محمود شعبان الذي شجعها على الغناء وهي في الثالثة من عمرها قبل انطلاقتها السينمائية بمساعدة الكاتب والفنان الراحل عبد الرحمن الخميسي الذي دفع للبطولة الأولى “حسن ونعيمة” عام 1959 وبالرغم من قلة خبرتها السينمائية إلا أنها استطاعت أن تلفت نظر صُناع السينما وتتحول لمشروع نجمة ضخمة تم اختيارها في عام 1996 كنجمة للقرن أثناء الاحتفال بمئوية السينما المصرية.

وقد نجحت سعاد حسني في التنويع والشمولية في أدوارها التي تجاوزت المائة شخصية، فقدمت الفيلم الاستعراضي (صغيرة على الحب) ثم (فتاة الاستعراض) ولكن النجاح الحقيقي في هذا اللون تحقق في فيلميها المشهورين (خلي بالك من زوزو) 1972 و(أميرة حبي أنا) 1974 وكلاهما من إخراج حسن الإمام.

قدمت الفيلم السياسي مع كمال الشيخ في (غروب وشروق) ومع صلاح أبو سيف في (القاهرة 30) حيث تؤدي دورًا مركبا لفتاة من الطبقة الفقيرة التي سقطت في تناقض مروع فهي عشيقة رجل السلطة وزوجة الرجل الضعيف الانتهازي والمتسلق محجوب عبد الدايم، وهناك الفيلم الاجتماعي في (الزوجة الثانية) مع نفس المخرج في دور الفلاحة التي توقع العمدة في شر أعماله، لتعود إلى زوجها مرة أخرى بعد أن انتزعها العمدة منه، كما قدمت الأدوار المركبة كما في فيلم «نادية» مع المخرج أحمد بدرخان، الذي تقوم فيه بأداء دورين لشقيقتين متناقضتين تمامًا في التفكير والسلوك،. أما في فيلم «بئر الحرمان»، فنرى هذه الفتاة المصابة بحالة انفصام في الشخصية.

بعد فيلمها الأول (حسن ونعيمة) جاءت مرحلة الستينات والتي كانت بالنسبة لسعاد حسني مرحلة الانتشار الحقيقية فقدمت (البنات والصيف وغراميات امرأة وامرأة وثلاثة رجال والسبع بنات) لتبدأ مرحلة البطولة الكاملة في «إشاعة حب» و«مال ونساء» و«لماذا أعيش» و«السفيرة عزيزة» و«حواء والقرد» و«الأشقياء الثلاثة» و«بابا عايز كده» و«الطريق» و«الثلاثة يحبونها» و«ليلة الزفاف».. وفي غضون هذا الانتشار قدمت أيضا واحدا من أنضج أدوارها (القاهرة 30)، ولا تكاد تبدا سنوات السبعينيات حتى تقدم «غروب وشروق» عام 1971 و«الكرنك» و«على من نطلق الرصاص» عام 1975 ليأتي عام 1978 وتقوم بدور شفيقة في فيلم «شفيقة ومتولي» كما قدمت مع يوسف شاهين (الناس والنيل).. وواصلت تنويعاتها في الثمانينيات في أفلام من نوعية «موعد على العشاء» و«المشبوه» و«المتوحشة» و«حب في الزنزانة»، ومع بداية التسعينات رأت سعاد حسني أنه يجب أن تتوقف نهائيًا، ورغم نضجها الفني إلا أنها كانت في أوج مراحل الاكتئاب أثناء بطولتها لأفلام «الدرجة الثالثة» و«الراعي والنساء» آخر أفلامها التي ابتعدت بعدها عن الأضواء.

وأذكر أنني التقيتها في العرض الخاص للفيلم بإحدي دور العرض بوسط القاهرة وهنأتها وكنا لم نلتق قبل ذلك إلا تليفونيا ثم ذهبت إلى منزلها في الزمالك بعد الاتفاق على حوار وتركت لها أسئلة مكتوبة وأرسلت الإجابة بعد يومين معززة بصور كثيرة ونشرتها وقتها في مجلة الوطن العربي الباريسية.. وفي لقائي بها عبرت عن شعورها بالسعادة والامتنان نتيجة التزامي بما أرسلته في الحوار حرفيا.. وقد خرجت من لقائي القصير بها ومكالماتنا التليفونية المحدودة بنفس الانطباع الذي تركته أفلامها في نفسي. 

فهي شديدة الذكاء رغم عفويتها.. وأنثي تدرك بحدسها طبيعة من يتعامل معها.. صوتها يسرقك إلى اختلاس الجرأة المخلوطة بطيبة مشبعة بالحذر.. وفي النهاية التزام مذهل واحترام ووفاء للكلمة.. فأخت القمر لم تكن أبدا سوي السندريلا التي أطاحت بصواب الأمير وظل يبحث عنها حتى وجدها.. أما هي فكانت الأميرة المنتظرة لتتوج عرش السينما بأروع الإبداعات الخالدة في ذاكرة الفن السابع حتى يومنا هذا.

الجريدة الرسمية