رئيس التحرير
عصام كامل

«ليلة شتاء في صعيد مصر» قصة للدكتور «إسلام العربي»


من الأشياء المهمة في ممارسة مهنة الطب تشخيص الوفاة، في سنة التكليف تعرضت أكثر من مرة للكشف على حالات وفاة في الغالب كنت أجد الوفاة طبيعية وأنصح الأهل بإتمام إجراءات الدفن على أن يأتي أحدهم للوحدة لاستلام تصريح الدفن واستخراج شهادة الوفاة، كانت الأمور تجري بسلاسة حتى هذه الليلة التي لن أنساها مع أنه مر عليها سنوات كانت أول مرة أجدني مضطرا أن أكتب في تقرير الوفاة أن " الوفاة بها شبهة جنائية" وأنا أعرف جيدا التبعات اللي يمكن أن تترتب على هذه الكلمات، لكن لا مفر..

الحكاية بدأت في ليلة من ليالي الشتاء من أربع سنوات كنت أقضي ليلتي بالعمل في الوحدة (التي استلمت بها تكليفي كطبيب مقيم من شهور ) بعد انصراف الموظفين إلى منازلهم لم يبق معي غير الممرضة والعامل، انقطعت الكهرباء وكان هذا معتادا جدا في ذلك العام كانت مصر كلها أحيانا يعمها الظلام
بعد نصف ساعة عاد التيار الكهربائي لينير ليل القرية الساعة قاربت العاشرة وهذا الوقت الذي أترك فيه مكتبي واصعد للسكن بالطابق الثاني لأستريح من عناء العمل طوال اليوم، لكن قبل أن أغلق أبواب المكتب وغرفة الكشف جائني بعض أهل البلدة يعلو وجوههم خليط من مشاعر الحزن والخوف والقلق بادر أحدهم بالحديث
- عايزينك معانا يا دكتور تكشف على حالة وفاة
- حاضر، خمس دقايق بس أجهز وهاجي معاكم
طلبت من العامل إعداد الحقيبة وذهبت معهم..
في الطريق كسرت الصمت والوجوم الذي خيم على الجو وكان أكثر من المعتاد والمحتمل
- هي حالة الوفاة لرجل ولا ست ؟
-ست يا دكتور
-كام سنة ؟
80 سنة
- كانت بتتعالج من أمراض ؟
كانت بتاخد علاج بس آخر يومين كانت تايهة
- تايهة !!
- ايوة اختفت من بيتها ودورنا عليها في بلدنا والبلاد اللى حوالينا، نادينا عليها في الميكروفونات في الجوامع بس ولا حس ولا خبر
- وبعدين
-الليلة دي لما النور قطع كنا لسه مش لاقيينها بس لما النور رجع لقينا جثتها ملفوفة تحت السلم في البيت.. هذه الكلمات كانت كافية لأهييء نفسي لتقضية ليلة طويلة صعبة في الغالب لن أذوق فيها النوم وإن كنت أتمنى أن يخيب ظني هذا
قطع تفكيري صوت أحدهم اقترب مني ومال على أذني هامسا بصوت مسموع بالكاد
- لما كانت تايهة رحنا لعراف فتح المندل وقال إنها كانت مخطوفة علشان يفتحوا عليها كنز وقتلها الجن
- نظرت له بارتياب وأنا أقول لحالي كل هذه أوهام يلجأ لها الناس عندما يجدون أنفسهم أمام أمر عاجزين عن فهمه وتفسيره، لكن كيف خطر لهذا الرجل أني بعد 7 سنوات من دراسة طب يمكن أن أصدق مثل هذه الخرافات !! ده حتى ابقراط يزعل
- وصلنا خلاص يا دكتور
كنا قد وصلنا بالفعل لمدخل الشارع الذي يقع به المنزل، رأيت ما كنت أتوقعه، أهل القرية مصطفىن من أول الشارع حتى مكان البيت في إنتظار الكشف على الجثة، في البلاد الهادئة الطيبة عندما يحدث شيء غامض مثل ما حدث تنتشر الأخبار سريعا بين البيوت المفتوحة على بعضها ويتحول الأمر لحديث الناس وشاغلهم الرئيسي، مررنا بين صفوف وهمهمات وعيون الأهالي المحتشدين في الطريق حتى وصلنا مدخل المنزل، باب خشبي كبير تظهر عليه آثار الزمن مفتوح على مدخل واسع وعدة أبواب صغيرة لغرف مغلقة وسلم جانبي مبني بالطمي والطوب اللبن تذكرت الكلمات التي قيلت لي في الطريق عن أنهم عثروا على الجثة تحت السلم بعد رجوع التيار الكهربي، لكن لم أجد شيئا تحت السلم أو بجواره، هذا يعني أنهم قد حركوا الجثة من مكانها
- أنتم نقلتوها ؟
- دخلناها جوة علشان تعرف تكشف يا دكتور
- كنت افضل اشوفها في المكان اللي لقيتوها فيه بس مش مشكله، نقلتوها فين ؟
- هنا
انفتح باب غرفة مليئة بسيدات متشحات بالسواد غطى صوت بكائهن المكان كمقطوعة موسيقية حزينة
- اتفضل يا دكتور
- ممكن لو سمحتم تخلوا المكان، عايز واحدة أو اتنين بس من قرايبها معايا
خرجن في هدوء إلا سيدتين كبيرتين وقفتا مكانهما، اقتربت من مكان الجثة المغطاة على السرير، في حضرة الموت كل شىء له هيبته ودلالته وضعت حقيبتي على كرسي على يمين السرير ارتديت قفازين طبيين، رفعت الغطاء ببطء، كنت أعرف وأنا أرى ملامحها لأول وهلة أنها ستظل عالقة بذاكرتي طويلا، تجاعيد الوجه آثار ما أحدثته سنوات العمر الثمانين بالجسد، حدقتا عينيها الوديعتين متسعتين وثابتتين لا تستجيبان للضوء بعد فقدان الحياة، اه لو كان بمقدوري أن أعرف آخر صورة حملها إنعكاس الضوء المار خلال هاتين الحدقتين قبل الوفاة، أول ما لفت انتباهي كدمة في الأنف، علامات في الرقبة وأثار مقاومة في الكتفين والذراعين، حاولت رفع يدها يبدو أن جسدها قد تخشب مر وقت على الوفاة هناك جرح قطعي في جانب اليد اليمنى تظهر منه أوتار عضلات اليد، سحجات بالظهر في الغالب نتيجة جر الجثة، كل شىء أمامي كان يوحي أني أمام جريمة قتل وأن الضحية واجهت القاتل وقاومته، بعدما انتهيت من الفحص خلعت القفازين فتحت الحقيبة أخرجت ورقة وقلم وسجلت كل ما رأيته بدقة وكتبت تقرير وفاة مبدئي يفيد بأن الوفاة بها شبهة جنائية، غطيت الجثة، فتحت الباب وخرجت
على الباب ما زال الأهالي مجتمعين في ترقب، بين سيل الأصوات الخافتة علا صوت أحدهم سائلا
- ندفن يا دكتور ؟
- لا مفيش دفن في شوية إجراءات مهمة لازم تتعمل الأول
- طيب وسبب الوفاة ؟
ساد الصمت لثوان
لم أكن أبدا لاتعجل الرد في مثل هذا الموقف لن أقول لهم هنا بسذاجة أن شكا يساورني أنها قد قتلت، أو أسألهم مثلا "تفتكروا مين اللي قتلها ؟" أو "قتلتوها ليه !" هذا شىء غير وارد وكارثي أيضا خاصة مع معرفتي أن مرتكبي هذا النوع من الجرائم في القرى الصغيرة والمجتمعات المغلقة لا يخرجون عن محيط المكان وقد يميلون نفسيا لمتابعة مسرح الأحداث عن طريق التواجد المباشر أو بشكل غير مباشر
نفس الصوت يكرر نفس السؤال
-وسبب الوفاة يا دكتور ؟
- مفيش داعي للإستعجال عايز حد بس من قرايبها ييجي معايا الوحدة
ألقيت هذه الكلمات المقتضبة ومشيت، خرجت مخترقا نفس الصفوف بين نظرات التساؤل وهمسات المصطفىن في الشارع وسار خلفي خمسة رجال...
بعد توقيع الكشف الطبي على الجثة غادرت المنزل وسار خلفي خمسة رجال، خرجنا مخترقين الصفوف، بين همسات المحتشدين ونظراتهم المتسائلة متجهين للوحدة
عند وصولنا الوحدة، جرى العامل يفتح الباب الحديدي كان يكسو وجهه القلق يبدو أن أخبار ما حدث تسربت إليه، الأخبار تنتشر في القرى بسرعة البرق، فتحت باب غرفة المكتب التي أقضي بها أغلب ساعات اليوم في الكشف على المرضى والقراءة، ضغطت زر تشغيل الكهرباء ودخلنا
- اتفضلوا
وضعت الحقيبة في الدولاب المكتظ بالأوراق والملفات، وجلست في مكاني على كرسي المكتب، جلس إثنان منهم على الكرسيين المواجهين لي وظل الثلاثة الباقين واقفين، ناديت على العامل ليحضر لهم كراسي لكنهم رفضوا
- احنا مرتاحين كده
بدأت بالكلام
- شوفوا أنتم عارفين إني بعتبر كل أهل البلد دي أهلي، واكيد أمركم يهمني، أنا ما رضتش اتكلم هناك قدام الناس علشان اتناقش معاكم أولا واشرح لكم الموضوع بوضوح احنا قدام حالة وفاة فيها شبهة جنائية
-يعني ايه يا دكتور ؟
-يعني في احتمال كبير يكون بينكم في البلد قاتل، الوفاة لم تتم بشكل طبيعي والآثار اللي شفتها في الجثة تخليني شبه متأكد من ده
- طيب وايه العمل دلوقتي احنا كنا عاوزين ندفن
- للأسف مش هينفع يطلع لكم تصريح دفن لإني كتبت في تقرير الوفاة المبدئي إن في شبهة جنائية وده معناه إن الجثة هتتحول للطب الشرعي للتشريح بعد تبليغ الشرطة والنيابة
سكتت قليلا وأنا أراقب رد فعلهم
كان الكلام صادما لهم، بدا الحزن والضيق على ملامح بعضهم، تبادلوا النظرات والكلام الهامس الذي تخلله أحيانا ارتفاع صوت أحدهم منفعلا، كان واضحا لي أنهم مختلفين ولم ينجحوا في التوافق على رأي، كبار السن منهم أرادوا بأي شكل أن يدفنوا الجثة ويتجنبوا المشكلات، والأحدث سنا كانوا يرفضون هذا حتى أن أحدهم قال بشكل صريح: أنا كنت شاكك في ده من الأول ولو الدكتور ما بلغش أنا اللي هبلغ
قطعت الجدل الدائر بينهم
- في الحالات اللي زي دي المفروض إني أكلم مركز الشرطة وأبلغهم باللي حصل بشكل مباشر لكن أنا بفضل إنكم أنتم اللي تبلغوا الشرطة ده هيكون أفضل ليكم واريح نفسيا بالنسبة لي لكن خدوا بالكم لو ما بلغتوش خلال ساعتين هاكون مضطر أبلغ بنفسي
رد أحدهم:
- بس احنا مش حمل المشكلات دي يا دكتور
- المشكلة الحقيقية إن يكون بينكم قاتل وينجو بجريمته، أنا عملت اللي عليا والباقي عليكم، لما الشرطة توصل هتيجي تسألنى عن تقرير الوفاة المبدئي وهأقول لهم نفس اللي قلته لكم
- اللي تشوفه يا دكتور
خرجوا ودخل العامل أخبرني أن الممرضة غادرت عندما تأخرت في الكشف واستأذن مني أن يذهب إلى بيته هو أيضا،
كان قد تأخر بالفعل أكثر من المعتاد
- خلاص روح أنت ياعم محمد، بس اقفل الباب الحديد وأنت ماشي وأنا هقفل المكتب وأطلع اقعد في السكن
أغلقت غرفة المكتب وصعدت بخطى ثقيلة السلالم المؤدية للسكن في الطابق الثاني، الساعة الكبيرة على الحائط المقابل لباب السكن كانت تشير إلى أن الليل قد انتصف، تذكرت أني مازلت مستقيظا من الثامنة صباحا وأني قد قضيت 16 ساعة متواصلة في العمل دون راحة، مجرد مرور تلك الفكرة ببالي مرهق في حد ذاته خاصة مع علمي بأني في الغالب لن أعرف طعم النوم حتى الساعات الأولى من الصباح فأنا مضطر لإنتظار الشرطة لتسليمهم تقرير الوفاة وربما يستدعي الأمر إعادة معاينة الجثة، خلعت الجاكيت وتجردت من عبء الملابس الشتوية الثقلية، برودة هذه الليلة القاسية تجعلني أفكر في شاور دافىء أملا في استعادة الحياة التي أعرفها، الماء الدافيء كان مريحا، لكن لم أكن أعرف من قبل أن له هذا التأثير المنشط للذاكرة مع تدفق المياه على رأسى كنت أستعيد تلقائيا تفاصيل ما حدث معي في آخر أربع ساعات من عمر الزمن منذ أن انقطع التيار الكهربي في هذه الليلة العجيبة
لكن على كل حال لا بأس كل هذا سيمر استعدت بعض قدرتي على مواصلة الحياة، ارتديت ملابس أثقل تليق بهذه الليلة الباردة ضغطت على زر تشغيل التليفزيون وأعددت فنجانا من القهوة وشريحة من الخبز مع بعض التونة - تبا لهذه المعلبات التي أصبحت أعيش عليها - هذا أول طعام يدخل إلى جوفي من الثانية ظهرا - لكن تأثير القهوة جعل الأمور تتحسن كثيرا، أنا الآن على أتم استعداد لل....
صوت طرقات عنيفة على الباب الحديدي يخترق أذني،الأذن لا تستسلم تماما للنوم ربما تغفو لكن غفوتها أخف من باقي الجسد أدركت ذلك وأنا أفتح عيني ببطء كل هذه المحاولات التي قمت بها لتبقيني مستيقظا لم تكن إلا استعدادا لا إراديا للنوم، قمت منتفضا فتحت نافذة السكن التي تطل على باب الوحدة، لم تكن الشرطة كما توقعت !!
كان رجلا يرتدي جلبابا واسعا حاولت تبين ملامحه لكنه كان ملثما..
-خير، في ايه ؟
- تعبان يا دكتور بطنى بتتقطع
- طيب ثواني
لم استعجل النزول ظللت لدقائق أراقب الرجل من وراء فتحات نافذة السكن أحاول تبين ملامحه أو حقيقة مرضه من وضع وحركات جسده، قررت النزول والاقتراب من الباب لعل هذا يساعدني في تقدير الأمر الجو بارد بالخارج ارتديت البالطو الأبيض فوق الملابس الشتوية ونزلت السلالم، فتحت الباب الداخلي للسكن القيت نظرة على الباب الحديدي لكن الرجل كان قد اختفى حتى ظننت أني كنت أحلم، أين اختفى ذلك الغريب الذي أيقظني بطرقاته على الباب وملأ الدنيا صراخا من وجع بطنه ! لا أثر له وكأنما الأرض قد انشقت وابتلعته، ما هذه الليلة العجيبة ! كنت على وشك إغلاق باب الوحدة والصعود للسكن لكن سمعت صوت محرك سيارة تقترب من سور الوحدة، كانت سيارة الشرطة، خفف ضوء المصابيح الأمامية للسيارة الظلام الدامس المحيط بمبنى الوحدة المنعزل قليلا عن باقي مساكن القرية، نزل من السيارة رجل في العقد الرابع من عمره يرتدي زيا مدنيا عرف نفسة بأنه رئيس المباحث
معه اثنين من الضباط الأصغر سنا كما يبدو من هيئتهم وعدد من أمناء الشرطة
- اتفضلوا
دخلوا معي للمكتب بدأ رئيس المباحث بالكلام
- معلهش جايين في وقت متأخر يا دكتور لكن جالنا بلاغ من حد من أهل البلد عن جثة لقوها لسيدة كانت مفقودة وقالوا إنك كتبت في تقرير الوفاة إن في شبهة جنائية
- فعلا ده حصل، العلامات اللي لقيتها في الجثة بتقول إنها وارد تكون اتقتلت بالمواجهة وممكن تكون شافت القاتل كويس كمان وقاومته وفي آثار في الضهر تؤكد إنه تم جر الجثة بعد الوفاة
- هتحتاج تكشف على الجثة تاني ؟
- لا كشفت عليها بشكل كافي وكتبت تقرير مفصل
- طيب عايزين نستلم منك تقرير الوفاة المبدئي علشان نعرض الأمر على النيابة وتتعرض الجثة على الطب الشرعي
سلمته التقرير واستأذنوا وغادروا
أخيرا شعرت أن حملا كبيرا قد أزيل من على صدري بتسليم التقرير، الآن استطيع الشعور بتدفق بعض الدوبامين في جسدي أعرف هذا الشعور جيدا اختبرته قبل ذلك في كل مرة حققت فيها إنجازا صغيرا في حياتي آخر مرة كانت في آخر يوم من امتحانات الفرقة السادسة في كلية الطب شعور يشبه الاستلقاء على عشب أخضر والنظر مبتسما إلى السماء بعد جهد كبير، لكن دعنا من العشب الأخضر الآن أنا في حاجة للاستلقاء على السرير للنوم ساعة أو ساعتين قبل مواصلة العمل في الصباح
صباح اليوم التالي أشرقت الشمس على القرية الطيبة ولا حديث بين أهلها إلا عن أحداث الليلة الماضية الفلاحين في الحقول، المارة في الطرقات، العجائز على عتبات البيوت حتى هؤلاء المرضى الذين ارتادوا الوحدة ذلك اليوم كان كثير منهم يسألني مندهشا عن ما حدث البارحة وما رأيته بالجثة، كنت أغير موضوع الحديث بأي شكل، حكى لي الموظفين والعمال بالوحدة في الأيام اللاحقة عن من أخذتهم الشرطة للاشتباه بهم والإدلاء بشهادتهم، كل يوم كان شيئا جديدا يظهر وأشخاصا جدد يتم الاشتباه بهم نتيجة غموض الحادث وتضارب الأقوال
بعد عدة أيام جائني عمدة القرية وقال لي أن إشارة وصلت من مركز الشرطة باستدعائي للإدلاء بشهادتي أمام النيابة كتبت ورقه خط سير وذهبت لقسم الشرطة في المدينة استقبلني رئيس المباحث وقال لي إنهم تقريبا وصلوا للقاتل وهو المتهم الرئيسي حاليا ورغم الاعترافات المتاحة لديهم مازالت الدوافع غير واضحة لكن غالبا يتعلق الأمر بمال، ذهب شىء من هذا القبيل.. واصل حديثه شارحا
- هو واحد من الجيران الأقارب استغل وقت الدنيا فيه هادية ونزل من على سطح بيته لبيت الست صحت من نومها شافته وصرخت حاول منعها بكتم نفسها لكنها قاومته وانتهى الأمر في النهاية بموتها بين يديه، وجد نفسه متورطا في جثة، لفها في ملاية وسحبها على منزله المجاور على أمل أنه ينجح في التخلص منها لاحقا وعندما فشل على مدى اليوم في ذلك استغل انقطاع الكهرباء والبيوت المفتوحة على بعضها وانشغال أهلها في البحث عنها وترك الجثة تحت سلم بيتها في المكان الذي وجدت به،
صمت قليلا وهو يعبث ببعض الأوراق أمامه على المكتب ثم استرسل وعلامات التعجب ظاهرة على وجهه
- تخيل بقى يا دكتور الرجل ده كنا شفناه قدام باب الوحدة عندك في الليلة اللي جينا فيها ناخد منك تقرير الوفاة المبدئي أول ما شافنا جري طبعا، كان مغطي وشه لكن واحد من أمناء الشرطة من أهل البلد لما شافه قال إنه عرفه
- لا كده خليتني أنا كمان عندي فضول اشوفه
- هيتعرض على النيابة النهاردة ممكن تلاقيه هناك
بعد خروجي من مكتب النيابة ألقيت نظرة على الجالسين أمام المكتب لم اتعرف على أي منهم سرت في الممر المؤدي للخروج من المبنى لاح لي في أخره أحد العساكر يدفع أمامه رجلا هيئته تشبه هيئة ذلك الرجل الذي وقف على الباب الحديدي للوحدة تلك الليلة قبل مجىء الشرطة ممسكا ببطنه من الألم لم استطع تبين ملامحه حينها لكن الآن مع اقترابه تبدو ملامحه أوضح.. لقد رأيته قبل اليوم ! نعم وجهه ليس غريبا عني.. كان ذلك الرجل الذي اقترب مني في تلك الليلة وأنا ذاهب لمعاينة الجثة ومال على أذني هامسا بصوت مسموع بالكاد
"- لما كانت تايهة رحنا لعراف فتح المندل وقال إنها كانت مخطوفة علشان يفتحوا عليها كنز وقتلها الجن "
- نظرت له بارتياب حينها تجاهلت ما قاله وأنا أقول لحالي هذه مجرد أوهام يلجأ لها الناس عندما يجدون أنفسهم أمام أمر عاجزين عن فهمه وتفسيره، لكن كيف خطر لهذا الرجل أني بعد 7 سنوات من دراسة طب يمكن أن أصدق مثل هذه الخرافات !! ده حتى ابقراط يزعل.

الجريدة الرسمية