رئيس التحرير
عصام كامل

القنبلة التي تدخل البيت الأبيض غدا!


غدا.. غدا مع ظهيرة الجمعة، تدخل البيت الأبيض الأمريكي أكبر قوة تدميرية في تاريخ الولايات المتحدة، بل في تاريخ العالم.. يدخل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وهو الرقم الخامس والأربعون في سلسلة من حكموا ووجهوا وهيمنوا على العالم من المكتب البيضاوي عبر القوة والبلطجة والمعونات والاستقطابات.. شخصية متدافعة متراكضة الذهنية، أحادية النظرة، تعتمد سياسات الفرز والتصنيف، التقريب البالغ والإقصاء لحد الطرد واستدعاء العداوات.. هو يفكر الآن في حملته الرئاسة الجديدة لسباق ٢٠ ٢٠.. انظروا ماذا فعل؟!


أثناء إجرائه مقابلة صحفية مع محرر جريدة "واشنطن بوست" الأمريكية، وفي غمرة حماسته وفرحته بقرب دخوله البيت الأبيض وتحقيق الحلم، توقف دونالد ترامب الرئيس الأمريكي المنتخب، وتهلل وجهه بفكرة، وطلب استدعاء محاميه ودار بينهما الحوار التالي من طرف واحد:

- اسمع، أريدك، أن تذهب وتسجل الآن الشعار الجديد الذي سنخوض به انتخابات الرئاسة الأمريكية في ٢٠٢٠، فكرتي هي
"حافظوا على أمريكا عظيمة مرة أخرى !" " !Keep America Great Again ".. نعم وضع علامة التعجب، لا تنس علامة التعجب، لأنه سيكون أمرا عظيما، ولو لم أكن متأكدًا، أو لدى غموض في ذلك ما كنت قلت.. فاهمني، هيا اذهب وسجل الشعار الذي سأدخل به الانتخابات القادمة !

وكان الرد الوحيد من المحامي:
- فهمت !

كان ذلك يوم الأربعاء الماضي.

قبل 48 ساعة فقط من تنصيبه رئيسا للفترة الأولى، ولم تطأ قدمه عتبة الأبيض.. والحق أن إصرار ترامب على وضع علامة التعجب في نهاية جملته الشعارية، يكشف عن ولع الشخصية المتفجرة الجموح، بكل ما يثير الدهشة، أو أن ما يفعله أو يقوله هو العجب العجاب.. ولأول مرة في تاريخ حفلات التنصيب لرئيس أمريكي، ستخلو الحفلات من عشرات الأعضاء التشريعيين من الحزب الديمقراطي، ومن معظم نجوم هوليود، ومن معظم السياسيين، وليس حوله إلا ٣٠٠ ممن تبرعوا وساعدوا في حملته الانتخابية، وهو أصلا ملياردير.

ويمكن القول بشيء من التوجس إن العالم بدخول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض سيكون غير العالم قبل دخول البيت الأبيض.

العالم بعد يوم الجمعة غدا غير العالم يوم الخميس اليوم ! وكما تغير العالم بعد الحادي عشر من سبتمبر ٢٠٠١ بتفجيرات نيويورك وواشنطن، ستنقلب السياسة الدولية لحد التناقضات بعد ظهيرة العشرين من يناير ٢٠١٧ وما بعدها.. لم يدع ترامب أحدا إلا انتقده، ونقله من خانة المحايد، على الأقل، إلى خانة العدو، وهو الرئيس الأمريكي الوحيد الذي أعلن السود عزمهم بالرحيل من البلاد خوفا من سياساته التي يرونها نذيرا باستئناف الحقبة العنصرية، خصوصًا بعد استهزائه بعضو الكونجرس جون لويس أيقونة حركة الحقوق المدنية المحبوب والموقر في الأوساط السياسية الأمريكية.. كان لويس قال إنه لا يعترف بشرعية فوز ترامب، ورد الأخير عليه: "بأنك رجل بتاع كلام وكلام وكلام".

يخشاه السود والمسلمون والمكسيكيون وكل من جاء من أصول عرقية غير بيضاء، بل عاير نجوم هوليود على أصولهم غير الأمريكية، ونجح في تأليب جميع أجهزة الاستخبارات الأمريكية وأهانها وفضحها بأنها تسرب ضده ما يشينه كذبا وأنها تتآمر عليه، وهاجم وزارة الخارجية الأمريكية ووزير الدفاع.

هؤلاء جميعا يمثلون عصب الأجهزة التي ستعاونه في الحكم.. رآها فاشلة.. وامتد بلسانه اللاذع إلى خارج الولايات المتحدة واعتبر حلف الناتو قوة عفى عليها الزمن، وأن المستشارة أنجيلا ميركل ارتكبت خطأ كارثيًا بقبول مليون لاجئ سوري ومسلم من الشرق الأوسط.. أما بريطانيا ماي تيريزا فهي حبيبته، وهو يشجعها على إتمام الطلاق الكامل مع الاتحاد الأوروبي الذي هاجم معظم دوله!

فماذا سيفعل شخص بهذه الذهنية معنا نحن العرب ؟!

لم استخدم لفظ "العقلية"، لأنه ليس هناك تدبر وحكمة، بل ذهن متقد بفكرة انتقائية سيدفع العالم تكاليفها الباهظة، وأمريكا قبل الجميع.

ترامب من نوع شخصيات نعرفها عندنا في مصر والمنطقة.. لا تطمئن إلى صداقة معه، ولا تذهب إلى عداوة فيه.. لا يصادق ولا يعادي.. اصنع مسافة وضع ابتسامة فأنت لا تعرف متى سيغضب ومتى سيرضى.. واستعد لكل التناقضات !
الجريدة الرسمية