رئيس التحرير
عصام كامل

لاجئون مصريون في دبي


احتفت وسائل الإعلام المصرية بخبر شراء المصريين شققا بدبي، بلغ إجماليها ١٣ مليار جنيه، والحقيقة أنها ٢٧ مليارا بالتمام والكمال في عامين فقط.. أطراف حكومية وبطريقة النميمة قالت إن المصريين لديهم أموال طائلة على قلوبهم، اشتروا بها شققا بإمارة دبى، وفي هذا دليل على «البغددة» و«المنظرة»، وأن ما يشاع حول أزمتنا الاقتصادية مجرد هراء وليس له أساس من الواقع.


صحف وفضائيات عرضت ذلك من باب الوجاهة المصرية، والسفه المصري، والعته والإسراف ولم يكن ينقصهم إلا القول بأن التبرع بها لصندوق تحيا مصر أجدى وقوفا مع بلادهم في أزمتها، إن كانت هناك أزمة.. لم يفكر أيّ منا أن هذه حالة لجوء خاصة جدا لعدم الإحساس بالأمان وشيوع الرؤية الضبابية لدى قطاع من الأغنياء بمصر ومحاولة منهم للقفز من المركب، فإن جاءك الطوفان فلتضع أموالك في دبى!!

واللجوء هربا من مصر أنواع: أوله وهو الأشهر الهروب على مراكب إلى الشاطئ الآخر.. شاطئ الأحلام الأوروبي، ولدينا في ذلك قصص تدمع لها العيون وتدمي لها القلوب، فالهاربون على المراكب ليس لديهم أية خيارات إلا الموت في بلادهم جوعا وذلا، أو المغامرة بموت في عرض البحر، أو العبور إلى ضفة لا تزال تغرى الحالمين بغد أفضل من مستقبل غامض إلى حد اليأس.

والنوع الثانى من اللجوء هم: «الهاربون من التضييق»، والمحاصرون في أديانهم أو أرزاقهم أو حرياتهم، وهذا النوع انتشر كثيرا في عصور عبدالناصر والسادات، وظهر على استحياء في عصر مبارك، وعاد للظهور بقوة جريا وراء نعيم الإخوان المادى في تركيا، فانضم إليهم من كانوا أبعد ما يكون عنهم !!

وهناك لجوء مالى ظهر بوضوح عندما بحثنا عن أموال مبارك وزمرته، حيث بدا واضحا أن عددا كبيرا من رجال مبارك لم يكونوا يثقون في بنوك مصر، بل إن التجربة أثبتت أنهم كانوا يخططون من زمن لوضع أموالهم خارجا اطمئنانًا منهم عليها خارج مصر، بعيدا عن عيون الرقابة والرقباء وربما نقلا لأموال غير شرعية.

النوع الأخير، هو الذي ظهر ليس فقط في دبى، وإنما يمتد إلى بلاد أوروبية مثل المجر التي تمنحك الإقامة بمجرد شرائك لشقة، وغيرها كثير من الدول الأوروبية، أما اللجوء إلى دبى فإن مغريات الإقدام عليه كثيرة.. بلد عربى.. عادات متشابهة.. لغة واحدة.. إضافة إلى فكرة الترابط مع تاريخها وأهلها، وبالتالى فإن شراء شقة بدبي يحمى أسرة المشتري إذا ما طالت بلاده نيران الفوضى مرة أخرى، كما أنها وجهة استثمارية مهمة لمن أراد الحياة فيها.

إذن.. الهاربون من جحيم الغموض هم الذين أنفقوا ما يعادل ٢٧ مليارا من الجنيهات، دولارات.. الدولار ينطح دولارا، في ظل أزمة خانقة للدولار في بلادهم.. ربما تكون ذات الأزمة هي السبب الحقيقي وراء الهروب إلى دبى والتخطيط لاعتبارها وطنا ثانيا، أو وجهة ضامنة لحياة أكثر وضوحا.. الذين هربوا إلى دبى راحوا إلى الأمل والهدوء والاستقرار والأمن بديلا عن حالة تخبط لا يبدو منها خروج.

وهناك نوع آخر من الهروب أو اللجوء الداخلى، وهو المتمثل في عزوف المهتمين بالوطن عن المشاركة، وعزوف رجال أعمال عن العمل بسبب ضيق الأفق الإداري والرسمى.. هكذا تكون ملامح مراحل الريبة، فعندما لا يكون هناك وضوح، وعندما يكون هناك تخبط.. وأخيرا عندما تحاصرك الفتنة فلتتبع ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث قال: «الزمْ بيتك، واملكْ عليك لسانك، وخذْ بما تعرف، ودعْ ما تنكر، وعليك بأمر خاصة نفسك، ودعْ عنك أمر العامة»، صدق رسول الله.

الجريدة الرسمية