رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

حتى تضع الحرب أوزارها


لا تخلو الأرض من الرقيم الأثري الإنساني، المكشوف والمطمور، الشاهد على بقايا الحضارات البشرية عبر مراحل التاريخ، وإن كانت آفة التاريخ المكتوب التحريف والمغالطات، فالحروب تدمر وتمحو التراث العالمي، بل هناك منظمات للإرهاب الثقافي تستغل مظلة الحرب الدائرة بحفريات في السر عن الآثار المدفونة، وسرقة الكنوز وتهريب الممتلكات الثقافية والاتجار بها. وهناك روايات بذلك عن المناطق الشمالية في سورية وخاصة حلب القديمة وغيرها.


إن سورية هي بيت القصيد، في الحرب الدائرة على المنطقة العربية، وليست الحروب المحيطة بها في العراق واليمن وليبيا إلا شواغل ثلاثة، لإلهاء العالم عن ولادة إسرائيل الكبرى، بعملية التمكين الجغرافي والتنظيم المكاني، بقيادات موالية لمصالح إسرائيل وأمريكا وأوروبا تلقى بقضية فلسطين المحتلة في البحر. وضمن الأهداف أقلمة كل الجيوش العربية من حولها، ونشر الأمان الإستراتيجي المزعوم في المنطقة، حسب مشروع الشرق الأوسط الجديد، وملحقاته من خرائط التقسيم لدويلات، تحقق المكاسب الاقتصادية الطائلة لإسرائيل وحلفائها.

ولا يخلو الأمر من تلوث سياسي وتلاعب مقصود بالعقول، لترويج صدق نوايا الولايات المتحدة وشلة المنتفعين الدوليين معها، من وراء هذه الحرب المعلنة على المسخ الداعشى الصهيوني في سورية، ومعها الميليشيات المسلحة المتأسلمة، والتي تقوم بأموال عربية وإيرانية وتركية وأوروبية، في الحرب بالوكالة، ودفع تكلفة المرتزقة من الجنود، والمعدات العسكرية، التي تعود مكاسبها في النهاية على خزائن الدول المصنعة للأسلحة في العالم، ومنها إسرائيل.

تعد سورية بموقعها الجغرافي النافذة العسكرية على الكيان الإسرائيلي، رغم احتلال إسرائيل لرأس الحربة في الجولان. ويتسبب موقعها اللوجستى في حرب متعددة الجنسيات عليها، للإطاحة بالنظام السوري، نتيجة (سعار اقتصادي) لتراجع احتياطي البترول العالمي، وفتوى بيئية عن نظافة طاقة الغاز الطبيعي، الأكثر وفرة والأقل سعرًا. وكان لابد من مرور خط للغاز عبر الأراضي السورية، لإحياء مشروع التحالف الأمريكي لنقل الغاز، الموقع في أنقرة (2009م)، من حقول الغاز في آسيا الوسطى وصولا إلى غربي أوروبا، والمرتبط بالغاز القطري (بديل الغاز الروسي للقارة الأوروبية)، عبر الأنبوب التركي الكبير، ومعه الغاز الإسرائيلي وكذلك العراقي، وهو مشروع مضاد من حلف الناتو للهيمنة الروسية في جمهوريات الاتحاد السوفيتي القديم.

لا شك من تغير الجغرافية الاقتصادية لدول المنطقة، المطلة على شرقي حوض البحر المتوسط، بعد اكتشافات الغاز الطبيعي الضخمة تحت مياهه، وأصبح لسورية مخزون احتياطي كبير منها، واحتكرت شركات روسية التنقيب عن الغاز والبترول، في المياه الإقليمية ومناطق برية من سورية، وقد أظهر الصراع في الحرب الدائرة من كافة الأطراف للسيطرة على مناطق جغرافية اقتصادية، منطقة القلمون ومنخفض حمص مثلًا.

وبدأ التدخل الروسي في سورية بحجة مواجهة الإرهاب منذ (2015م)، ولكن الخطة بعيدة المدى في التأمين الإقليمي للمكاسب الروسية، الاقتصادية والعسكرية، في المياه الدافئة، ومراقبة تزايد النفوذ الإيراني في المنطقة بعد فك العقوبات الاقتصادية عنها، واحتواء مشروع إيران لنقل الغاز على شاطئ البحر المتوسط عبر سورية.

والعجب من تصريح اليسار الإسرائيلي، لعدم المشاركة في تحرير حلب وإنقاذ أهلها من هولوكست النظام السوري، بل واستقبال هؤلاء السكان في إسرائيل. وأين هي الدول العربية المتورطة في الأمر من إيواء هؤلاء المهاجرين من سورية؟ وهل اقتربت هذه الحرب من وضع أوزارها؟، حتى تقسم الغنائم بين القوى المسيطرة على الأرض، حسب قوانين النظام العالمي الجديد، الذي لا يعنيه مصالح الشعوب التي أهلكها سراب المصير الديمقراطي. وأن روسيا وأمريكا في وفاق مع فوز (ترامب) بالرئاسة، لتفوز روسيا بإطلالتها على المياه الدافئة، ومكاسبها من نقل الغاز الطبيعي.
drhhashem@gmail.com
Advertisements
الجريدة الرسمية