رئيس التحرير
عصام كامل

مصر بين جمال عبد الناصر والسيسي


يوم الأحد الخامس عشر من يناير الجاري، حلت الذكرى التاسعة والتسعون لميلاد الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، الذي ولد في 15 يناير عام 1918، والزعيم جمال عبد الناصر أجلُّ من تعريفه وتقديم نبذة عنه، فهو حاضر لا يغيب في وجدان الشعب المصري والعربي بل والعالمي كذلك، وكما هي العادة تحلق حول قبره الكثير من المصريين والعرب وأحيوا هذه الذكرى العطرة، وردد بعض المواطنين شعارات من قبيل: "يا زعيم فاكرينك فاكرينك.. ومش ناسيين"، "يا جمال يا حبيب الملايين"، "يا أمريكا يا إمبريالية ناصر زعيم الأمة العربية".


حرصت الأحزاب والتيارات الناصرية من مختلف الأقطار العربية على المشاركة ووضع أكاليل الزهور على قبر الزعيم وقراءة الفاتحة، وقال عبد الحكيم عبد الناصر، إن ذكرى ميلاد الزعيم الراحل جمال عبد الناصر هي إحدى المناسبات السعيدة التي كانت تحتفل بها أسرته كل عام في فترات الطفولة وما بعدها، متمنيًا لشعب مصر تحقيق كل ما حلم به الزعيم. وأوضح عبد الحكيم خلال تصريحات صحفية أن مصر نجحت في استرداد الحلم الناصري مرة أخرى بعد قيام ثورة شعبية عظيمة هي الأكبر في التاريخ الإنساني بعد محاولات سرقة ثورة 25 يناير، مشيرًا إلى أن الشعب المصري دائمًا وأبدًا خارج كل التوقعات، مستشهدًا بهزيمة 67 وخروج الملايين إلى الشوارع لهزم الهزيمة على حد قوله.

والملاحظ أن الكثيرين من الناصريين يشبهون الزعيم السيسي بالزعيم جمال عبد الناصر، وقد قال السيسي نفسه عن ذلك إنه يشرفه بالقطع التشبه بذلك الزعيم الوطني، وقطعا لن يأتي وجه الشبه من الناحية الشكلية لكنه يأتي من ناحية أعمق تتلخص في دور الزعيمين لمصر، وتشابه ذلك الدور، فقد جاء دور الزعيم جمال عبد الناصر في أعقاب الحكم الملكي وما آلت إليه أحوال مصر تحت نير ذلك الحكم، حيث مجتمع النصف بالمائة، أو بمعنى أدق مجتمع السادة الحكام سواء من أسرة محمد على أو من المحتلين الإنجليز، والعبيد الذين هم غالبية الشعب المصري. 

فكانت مصر مستعمرة للإنجليز بصفة خاصة، وعزبة خاصة بالملك يرتع فيها فسادا ويتحكم في مصائر أبنائها ولا يأبه إلا لوجوده في الحكم حتى لو غرقت مصر في الديون وقتل شعبها جوعا، فكان الضباط الأحرار وعلى رأسهم جمال عبد الناصر هم من انتشل الوطن قبل انهياره تماما بمباركة قوية من شعب مصر.

هذه هي الظروف نفسها التي أحاطت بوجود الزعيم السيسي الذي وجد أن وطنه يتهدد في كيانه من جماعة الإخوان الإرهابية التي هي يد الماسونية والصهيونية العالمية في كل مكان، والتي بدأت سياسة تقسيم الوطن وتمزيقه، فكان لا بد من زعيم يحمي ذلك الوطن من التشرذم والتفكك والهلاك الذي أصاب أوطانا أخرى بتخطيط إسرائيلي أمريكي، وتنفيذ جماعة الإخوان الإرهابيين، وتمويل قطري، فظهر السيسي والتف حوله الشعب المصري الأبي.

وقد وضع الزعيم جمال عبد الناصر نصب عينيه هدفا واحدا ذا شقين، وهو الاستقلال الوطني بشقيه الاقتصادي والسياسي، فبدأ على صعيد الاستقلال الاقتصادي في بناء اقتصاد مصري خالص، تستغني به عن التبعية والذلة للدول الاستعمارية خاصة إنجلترا وأمريكا، من هنا كانت قضايا الإصلاح الزراعي في مصر، وإنشاء المصانع في ربوع مصر بعد النجاح في توفير مصدر الطاقة من خلال إنشاء السد العالي ملحمة ناصر الخالدة، والاهتمام بتحسين وسائل وطرق الزراعة لتوفير قوت الشعب المصري..

فضلا عن الاهتمام بالتعليم والثقافة، والاهتمام بتوفير السلاح المناسب للدفاع عن مصر وبما يحمي استقلالها، وكان الاستقلال السياسي متمثلا في اتفاق الجلاء للبريطانيين عن مصر 1955م، ذلك الاتفاق الذي عارضه الإخوان الإرهابيين بل وطالبوا سرا الإنجليز بعدم الجلاء على أن يوصلونهم لحكم مصر فيحكمونها لتظل تابعة للإنجليز، وعمل عبد الناصر على كسر احتكار السلاح من خلال الاتفاقية المبرمة مع الإنجليز في 1955م لتستطيع مصر تنويع سلاحها من خلال المعسكر الشرقي، وقام في سبيل الاستقلال السياسي والاقتصادي بتأميم قناة السويس وما استتبعه من مواجهة العدوان الإسرائيلي، الفرنسي، البريطاني على مصر في نهاية أكتوبر 1956م..

وكان الانتصار على ذلك العدوان بفضل المقاومة المصرية والمساندة العربية، والإنذار السوفيتي الحاسم للعدوان، ودعم أنصار الحرية السلام العالمي، وكان ذلك الانتصار دون مبالغة بداية الانتقال من عصر الاستعمار والهيمنة الأجنبية إلى عصر الاستقلال والإرادة العربية الحرة.

كانت سياسة الحياد الإيجابي وعدم الانحياز لعبد الناصر ونهرو وتيوتو التي تعني استقلال الإرادة السياسية. وكان عبد الناصر يعلن مواقفه بأدب ولكن بحسم- وهكذا قرار ناصر بالاعتراف بالصين الشعبية وهي خارج الأمم المتحدة في نهاية أبريل 1956م، وهي اليوم أحد الأعضاء الدائمين الخمسة في مجلس الأمن الدولي.

ولم يكتف عبد الناصر بدوره داخل مصر وقيادتها للتحرر السياسي والاقتصادي لكنه كذلك أراد أن ينمو دور مصر في مساندة حركات التحرر، بدئًا من مساندة الثورة في الجزائر، والمغرب وتونس (55م-1960م)، والاهتمام المركزي بقوى الثورة الفلسطينية، ومساندة الثورة ونشوء منظمة التحرير الفلسطينية، ومساندة الثورة في العراق واليمن، بمساندة ثورتي 26 سبتمبر 62م،وثورة 14 اكتوبر63م، إضافة إلى محاولات الدفاع عن سوريا والاستجابة لطلبها للوحدة وإقامة الجمهورية العربية المتحدة مع مصر في 1958/2/22م، وحتى الانفصال لظروف ليس هنا مكان سردها.

وكما وضع الزعيم عبد الناصر هدفه للاستقلال الاقتصادي والسياسي لمصر وضع الهدف نفسه الزعيم السيسي، فبدأ فترته بمشروعات ضخمة للتنمية المستدامة، فبدأ فترة حكمه بالعمل على ثمانية محاور رئيسية تعمل الدولة على تنفيذها، وتبلغ قيمتها تريليونا و40 مليار جنيه، ويشمل المحور الأول50 مليار جنيه لتنفيذ مشروع تنمية محور قناة السويس، وإنشاء مناطق صناعية ولوجستية حيث يعمل المشروع على خلق كيانات، ومجتمعات عمرانية جديدة في المنطقة لجذب كثافة سكانية لإعادة التمركز بمدن القناة، وسيناء، والاستعداد من جميع الوجوه للاستفادة من نمو حجم التجارة العالمية، خاصة في وجود كيانات اقتصادية عملاقة مثل الصين، ودول جنوب شرق آسيا، والهند، والتي من الممكن أن تغزو السوق الأوروبية والولايات المتحدة في الفترة القادمة، والتي ستمر حتما من خلال قناة السويس.

والمحور الثاني المشروع القومي لتنمية سيناء بتكلفة 150 مليار جنيه حيث تعمل القوات المسلحة بشراكة العديد من الشركات الوطنية على إنشاء 77 ألفا و237 وحدة سكنية في شبه جزيرة سيناء قبل نهاية العام المقبل وتنمية سيناء زراعيا وصناعيا، بينما يشمل المحور الثالث 70 مليار جنيه تكلفة مشروع المليون ونصف المليون فدان.

والمحور الرابع هو مشروع الشبكة القومية للطرق بتكلفة 100 مليار جنيه ويستهدف إقامة الشبكة القومية للطرق 30 ألف كيلومتر، تبلغ تكلفة الكيلومتر طولي الواحد 15 مليون جنيه، ويشمل المحور الخامس المشروع القومي للمدن الجديدة بتكلفة 150 مليار جنيه ومنها العاصمة الإدارية الجديدة، حيث يتم العمل الآن على تنفيذ المرحلة الأولى من مشروع العاصمة الإدارية الجديدة على مساحة 10500 فدان.

ويشمل المحور السادس المشروع القومي للإسكان بتكلفة 185 مليار جنيه، حيث يتم تنفيذ المشروع على مدى 5 أعوام فـي كافة أنحاء الجمهورية، سواء داخل نطاق المحافظات أو في نطاق مدن المجتمعات العمرانية الجديدة، ويعد هذا المشروع الأضخم في تاريخ مصر المعاصر.

والمحور السابع يتكلف 500 مليار جنيه لتنفيذ المشروع القومي للكهرباء، حيث تعمل الدولة على تطوير الشبكة القومية للكهرباء لاستقبال القدرات الإضافية لها، وتطوير محطات التحكم، فيما يشمل المحور الثامن حزمة مشروعات بناء الإنسان المصري وتوفير الحماية والرعاية الاجتماعية، ويتضمن 11 محورا، وهي مشروع تكافل لمحاصرة مشكلة الفقر في مصر ومنظومة الخبز لتسهيل وصول رغيف الخبز المدعم للفقراء ومحدودي الدخل وتطوير القرى الأكثر احتياجًا، ومصر بلا غارمات والبرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب للقيادة وإنشاء بنك المعرفة وتطوير مراكز الشباب وقصور الثقافة.

وفي سبيل الاستقلال السياسي وضع الرئيس السيسي إستراتيجيته التي تقضي بعدم التابعية لأي معسكر أو دولة، وإنما تحقيق مصلحة مصر مع أي كيان أو دولة؛ لذا وجدنا التوازن والتعاون مع أغلب دول العالم بغض النظر عن تلك الداعمة للجماعة الإرهابية، ووجدنا التنوع في مصادر التسليح بعدما كان مقتصرا تقريبا على أمريكا، ووجدنا أسلحة من أحدث الأنواع مثل طائرات الرفال وحاملتي المروحيات التي أطلق على إحداها اسم الزعيم جمال عبد الناصر والثانية للزعيم السادات، والغواصات الحديثة الخ، بما يدعم أمن الوطن وبالتالي استقلاليته. وقد دعمت مصر وحدة التراب السوري والليبي والعراقي، ولم تتورط في حرب اليمن، وكان لمصر دورها البارز في الأمم المتحدة وقيادتها بعض اللجان المتنوعة والهامة وعلى رأسها مكافحة الإرهاب.
الجريدة الرسمية