رئيس التحرير
عصام كامل

أحوال مصر في ذكرى ميلاد زعيم الفقراء !!


في منتصف يناير من كل عام تأتي ذكرى ميلاد الزعيم جمال عبد الناصر، البطل المصري والقومي والعالمي و الأسطورة، وعند حلول ذكرى مولده الموسمية تتعالى أصوات الفقراء والكادحين والمهمشين مترحمةً عليه وعلى أيام حكمه، التي أنصفتهم وحققت لهم العدالة الاجتماعية والعزة والكرامة في وطنهم، بعد أن كانوا مهانين ومهدرةُُ كرامتهم وإنسانيتهم، فقبل قيامه ورفاقه بثورة 23 يوليو 1952 كان المجتمع المصري يعرف بمجتمع النصف في المائة، ذلك النصف الذي يسيطر على الثروة والسلطة مقابل السواد الأعظم من المصريين، الذين يعيشون في ظروف حالكة السواد ومعاناة في توفير الحد الأدنى من متطلبات الحياة.


ويلخص الزعيم جمال عبد الناصر أحوال المجتمع المصري عشية قيام الثورة في إحدى خطبه حيث يقول: " 500 مليون جنيه من 700 واحد.. طب والـ27 مليون عندهم أيه.. ده الوضع اللي ورثناه.. ده الاشتراكية لما يبقى فيه عدالة اجتماعية.. ولكن مش العدالة الاجتماعية ولا المجتمع اللي نعيش فيه واحد بيكسب نصف مليون جنيه في السنة.. وبعدين كاتب لأولاده أسهم كل واحد نصف مليون جنيه.. طب والباقين الناس اللي ليهم حق في هذه البلد.. أيه نصيبهم في هذه البلد.. يورثوا أيه في هذه البلد.. لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون الغنى إرثًا والفقر إرثًا والنفوذ إرثًا والذل إرثًا.. ولكن نريد العدالة الاجتماعية.. نريد الكفاية والعدل.. ولا سبيل لنا بهذا إلا بإذابة الفوارق بين الطبقات.. ولكل فرد حسب عمله.. لكل واحد يعمل.. لكل واحد الفرصة.. لكل واحد العمل.. ثم لكل واحد ناتج عمله".

وبتأمل كلمات الزعيم تكتشف كيف كانت أحوال المصريين؟ وكيف كانت الخريطة الطبقية؟ وتكتشف أيضًا رؤيته الثاقبة وقراءته النافذة التي مكنته من وضع يده على الجرح العميق في جسد المجتمع المصري، وقدرته الفائقة على التشخيص السليم وكتابة العلاج، والذي تمثل في تحديد الأولويات التي جعلت من العدالة الاجتماعية الحل الأمثل التي لا يمكن أن تتحقق إلا بإذابة الفوارق بين الطبقات، لذلك جاء مشروعه المنحاز للفقراء والكادحين والمهمشين منذ اللحظة الأولى ليوجه ضربات قاسمة إلى الإقطاعيين والرأسماليين الأجانب، الذين لم يتجاوز عددهم 700 شخص كانوا يحوزون الثروة والسلطة والنفوذ، فكان قانون الإصلاح الزراعي وقرارات الـتأميم والتمصير، ثم القرارات الاشتراكية، وهو ما أتاح الفرصة لإذابة الفوارق بين الطبقات، وإتاحة فرص التعليم والعمل أمام الجميع، وهو ما حقق مجتمع الكفاية والعدل إلى حد كبير، حيث تغيرت الخريطة الطبقية للمجتمع المصري ونمت الطبقة الوسطى بشكل غير مسبوق في تاريخ المجتمع المصري.

لذلك لا عجب أن يطلق الفقراء والكادحين والمهمشين على قائدهم جمال عبد الناصر لقب زعيم الفقراء، فقد انحاز لهم قولًا وفعلًا، واتخذ من أجلهم العديد من الإجراءات الحاسمة، ودخل في العديد من المعارك لإنصافهم، وتحمل ما يفوق طاقة البشر من الضغوط المحلية والإقليمية والدولية، لكي يتراجع عن مواقفه وسياساته الاقتصادية والاجتماعية الداعمة للفقراء والكادحين والمهمشين في مصر والوطن العربي والعالم الثالث، لذلك حين وافته المنية خرجت جموع الفقراء والكادحين والمهمشين في مصر والعالم لوداعه، وما زالت ترفع هذه الجماهير صوره في كل بقاع الأرض كرمز للعدالة الاجتماعية.

وتأتي ذكرى ميلاد الزعيم هذا العام وأحوال مصر تشبه إلى حد كبير، ما كانت عليه قبل قيام ثورة 23 يوليو 1952 فالمجتمع يسيطر على ثرواته وسلطته عدد قليل جدًا من الأشخاص مقابل أغلبية ساحقة من الفقراء والكادحين والمهمشين، وصل ببعضهم الحال إلى حد الموت جوعًا، في ظل عجز تام للحكومات المتتالية وبعد ثورتين في تحقيق أحلامهم في العيش والحرية والعدالة الاجتماعية، لذلك تحتاج مصر إلى قائد على خطى جمال عبد الناصر يمتلك جرأة وشجاعة على مواجهة من يحوزون الثروة والسلطة والنفوذ، ولديه إرادة سياسية على مواجهة قوى الشر المحلية والإقليمية والدولية، ولديه مشروع اجتماعي واضح المعالم ومنحاز للفقراء والكادحين والمهمشين، ولديه تطابق بين القول والفعل، ساعتها سيشعر هؤلاء أن جمال عبد الناصر لم يمت، وسيطلقون عليه لقب زعيم الفقراء، اللهم بلغت اللهم فاشهد.

الجريدة الرسمية