رئيس التحرير
عصام كامل

محمود فوزي يكتب: الرضا الوظيفي بين إنتاجية العمل وأزمة المجتمع


يعاني الموظف المصري المطحون في أروقة المنظمات الحكومية والخاصة من تداعيات الظروف الاقتصادية والمعيشية التي تحول دون أدائه لمهامه الوظيفية على الوجه الأمثل


بالإضافة لمظاهر التعسف الإداري التي قد تمارس ضده من قبل مدرائه ورؤسائه لاسيما بالمستويات الإدارية الدنيا، ومن ثم كبت الطموح وخفض حوافز الترقي لديه، وهو ما يؤثر سلبًا بالطبع على معدلات إنتاجيته.

وتزخر بحوث العلاقات العامة والتنمية البشرية بالعديد من الدراسات المتناولة لعوامل تحقيق الرضا والولاء الوظيفي لدى العامل في إطار تصميم خطط الاتصالات التنظيمية بين المستويات الإدارية داخل المنظمات

وهي الخطط الهادفة إلى توفير بيئة عمل مناسبة للموظف من كافة الأوجه كملاءمة العائد المادي، ومنطقية مواعيد العمل، وملاءمة التوصيف الوظيفي لمجال التخصص، ومكافأة العاملين على أوقات عملهم الإضافية، إضافة إلى مراعاة الرؤساء لظروف الموظف المرضية، ووجود نظام تقييم عادل للأداء، ومكافأة جهود العمل المتميزة... وغيرها.

وتتعدد الفرص الاتصالية التي يمكن أن توفرها المنظمة لبلوغ هذه الأهداف، كاجتماعات العمل وآليات الاتصال المباشر بين الموظفين بالبرامج التدريبية وورش العمل بهدف الارتقاء بالمهارات الوظيفية والشخصية للعاملين، وإتاحة فرص مناسبة للترقي.

فضلًا عن إشراك العاملين في أعمال تنظيم وإدارة الفعاليات التي تعقدها المنظمة كالندوات والمؤتمرات والمعارض الخارجية، بهدف خلق فرص إضافية للاتصال المباشر بين الموظفين وذويهم، ومع رؤسائهم أيضًا بالمستويات الإدارية العليا.

وتسهم كل هذه العوامل السابقة في تنمية شعور الولاء والانتماء لدى العامل نحو مؤسسته، وضمان انغماسه فيها، وتأديته لمهامه على الوجه الأمثل

ومن ثم رفع معدلات الاستقرار الوظيفي لديه وخفض معدلات ترك العمل، ليتجاوز الأمرنطاق المهام الوظيفية للعامل ويرتقي نحو جوانب اجتماعية أخرى متمثلة في شعور الموظف بالتآلف الاجتماعي والدفء الأسري داخل المنظمة، ومشاركته في برامج المسئولية الاجتماعية والخيرية المقدمة بهدف خدمة المجتمع في شتى مجالاته الصحية والتعليمية والبيئية وغيرها.


وفي منتصف الخمسينات وعقب اندلاع ثورات الشباب بأوروبا، كان لعلماء الاجتماع رؤي تنظيرية متسقة مع جوانب الاتصال التنظيمي التي نادت بها علوم التنمية البشرية والعلاقات العامة .

وفسر العلماء مبررات اندلاع هذه الثورات بعدم إتاحة أنظمة العمل الرأسمالية فرصًا للشباب للتعبير عن آرائهم والمشاركة في رسم خططهم المستقبلية، فكتب عالم الاجتماع "ماركيوز" مقالًا بعنوان "نقد التسامح التام" قال فيه: أن التسامح الذي تدعيه الديموقراطيات الصناعية المتقدمة ما هو إلا شكلا من أشكال الوهم والخداع، فسماح هذه الأنطمة للأقليات بالتعبير عن رأيها، لا يأتي إلا بعد تأكدها من أن ليس لهذه الآراء أي أثر فعال.


كما طرح "ماركيوز" فكرة لجوء النواة الصلبة من المتعسفين والمضطهدين والعاطلين وغير القادرين على العمل إلى الاحتجاج والنقد الثوري، كرد فعل لمظاهر البيروقراطية التي تمارسها أنظمة العمل

ووجدت هذه الفكرة اتساقا مع كتاب "مجتمع الوفرة" لخبير الاقتصاد الأمريكي "جالبراث" الذي عاصر ذات الفترة، ليطرح في كتابه روشتة تحقيق راحة العامل وإشباعه الوظيفي متمثلة في تقسيم العمل وزيادة أوقات الفراغ، وتقليل ساعات العمل، والاهتمام بشكل أكبر بالمهن القائمة على الذكاء الفطري والابتكار، بالإضافة إلى التدخل الحكومي العادل في توزيع الموارد والدخول على الموظفين لضمان الشفافية والحياد.

لقد اتسقت نظريات بلوغ الرضا الوظيفي التي نادى بها الاقتصاديون وعلماء الاجتماع ومنظرو الغرب في الخمسينات بذويها من المعايير التي قدمتها علوم الاتصال والتنمية البشرية.

وأكد الفريقان على حقيقة واحدة مؤداها أن الصراع الإنساني وثورات المجتمع إنما هي نتاج تلاشي العدل الاجتماعي وهيمنة مظاهر التعسف الإداري، وندرة فرص الاتصال المثمر بين المواطنين، سواء داخل أروقة العمل أو بمنظمات المجتمع ومؤسساته المدنية.
Advertisements
الجريدة الرسمية