رئيس التحرير
عصام كامل

«دراسة تحاكم حبل المشنقة».. المشرع أسرف في تقدير العقوبة.. الحكم يطال الأطباء والمتهمين بجرائم سياسية.. نصوص فضفاضة تتطلب التحديد.. 70 جريمة تنهي حياة مرتكبيها


كشفت دراسة أعدها الدكتور عماد الفقي - أستاذ القانون الجنائي المساعد، وكيل كلية الحقوق جامعة مدينة السادات لشئون الدراسات العليا والبحوث، بعنوان "عقوبة الإعدام في التشريع المصري تأصيلًا وتحليلًا"، أن المشرع المصري يسرف كثيرًا في تقرير عقوبة الإعدام لدرجة ربما تصفه بإساءة استعمال الحق في تقرير العقاب، وعدم احترام أو تقديس الحياة الإنسانية، بل الاستهانة بها - وفقا للدراسة.

إعدام في 70 جريمة
وتبين من خلال الدراسة لعقوبة الإعدام أن المشرع المصري يفرضها على الأقل في سبعين جريمة ورد النص عليها في قانون العقوبات والقوانين الجنائية الخاصة، ونقول «على الأقل» لأن ثمة جرائم لم يحدد المشرع فيها السلوك المعاقب عليه بالإعدام، وإنما اكتفى بوصفه بعبارات شديدة العمومية والاتساع، ومن ثم فلا يمكن حصر هذه الأفعال.

ومن أمثلة ذلك ما فعله المشرع في المادة 77 من قانون العقوبات التي تنص على أنه: «يعاقب بالإعدام كل من ارتكب عمدًا فعلًا يؤدي إلى المساس باستقلال البلاد أو وحدتها أو سلامة أراضيها»، كما أن المادة 26 فقرة أخيرة من قانون الأسلحة والذخائر، تنص أيضا على أن «يعاقب بالإعدام إذا كانت حيازة الأسلحة أو الذخائر أو المفرقعات بقصد استعمالها في أي نشاط يخل بالأمن العام والنظام العام أو المساس بنظام الحكم أو مبادئ الدستور أو بالوحدة الوطنية أو السلام الاجتماعي..».

إهدار مبدأ
وأكدت الدراسة أن هذا المسلك من جانب المشرع يشكل إهدارًا لمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات المنصوص عليه في المادة 66 من الدستور، وفضلًا عن ذلك فإن ثمة جرائم عاقب المشرع عليها بالإعدام، ويأخذ السلوك الإجرامي فيها عدة صور وليس صورة واحدة؛ كما هو الشأن في المادة 130 من قانون الأحكام العسكرية التي تعاقب بالإعدام على 12 سلوكًا.

عدم التناسب
وأضافت الدراسة أن المشرع المصري خالف المبادئ الدستورية – أيضًا – في تقريره لعقوبة الإعدام، مؤكدة أن نوعًا من عدم التناسب بين العقاب والجريمة يسود في كثير من الجرائم المعاقب عليها بالإعدام.

ودللت الدراسة على نتائجها بسرد عدة أمثلة أهمها:

بالنسبة لجرائم الاعتداء على أمن الدولة من جهة الخارج، فإن كثير من الجرائم المعاقب عليها بالإعدام من الجرائم الشكلية التي لا يتطلب فيها المشرع تحقيق نتيجة معينة مثل الجرائم المنصوص عليها في المواد 77، 77 (أ)، 77 (ب)، 77 (جـ)، فهذه الجرائم من جرائم الحدث غير المؤذي، ومن ثم فهي لا تستأهل عقوبة الإعدام.

جرائم المخدرات
وبالنسبة لجرائم المخدرات، فقد غالى المشرع كثيرا - بحسب الدراسة- حينما قرر في المادة 34 (ب) من قانون مكافحة المخدرات «عقوبة الإعدام، أو السجن المؤبد لكل من رخص له في حيازة مخدر لاستعماله في غرض معين، وتصرف فيه بأية صورة في غير هذا الغرض».

وعليه فإن الطبيب المرخص له بحيازة المخدر لاستعماله في أغراض التداوي إذا تصرف في المخدر في غير هذا الغرض بأية صورة حتى لو كان ذلك بغير قصد الاتجار يعاقب بالإعدام أو بالسجن المؤبد، وذلك تجسيمًا للعقاب وعدم تناسب مع السلوك الإجرامي.

كذلك فقد قرر المشرع في المادة 34 (ج) عقوبة الإعدام على جريمة إدارة أو تهيئة مكان لتعاطي المخدرات بمقابل.

الأحكام العسكرية
وتابعت الدراسة،: بالنسبة لقانون الأحكام العسكرية فإن نص المادة 151 منه يعاقب «بالإعدام أو بجزاء أقل منه كل شخص خاضع لقانون الأحكام العسكرية لم يطع أمرًا قانونيًا صادرًا من رئيسه بطريقة يظهر منها رفض السلطة»، وهو ما اعتبرته الدراسة مبالغة.

حيازة الذخائر
وبالنسبة لقانون الأسلحة والذخائر، فإن المادة 26 فقرة أخيرة منه تشدد العقوبة على حيازة الأسلحة أو الذخائر أو المفرقعات لتصل إلى الإعدام لمجرد توافر نية لدى الجاني من وراء هذه الحيازة، وهي استعمال الأسلحة أو الذخائر أو المفرقعات في أي نشاط يخل بالأمن العام أو النظام العام.

وهو ما علق عليه الباحث في دراسته بالقول: «نرى أن المشرع بالغ كثيرًا في فرض عقوبة الإعدام في هذه الحالة؛ إذ أن هذا الجزاء لا يتناسب البتة مع الجرم المقترف، وإنما ينطوي على تجسيم غير مبرر».

قصور في الضمانات
وأكد "الفقي" في دراسته على وجود قصور في الضمانات الإجرائية المقررة للحكم بعقوبة الإعدام وعدم كفايتها للحد من الأخطاء القضائية بشأنها، اعتدادا بأن الضمانات التي أحاط بها المشرع الحكم بعقوبة الإعدام لا يمكن أن نعتبرها ضمانة حقيقية سوى ضمانة واحدة فقط، وهي صدور حكم الإعدام بالإجماع، أما الضمانتان الأخريان فلا يمكن أن تكونا كذلك.

وأشارت الدراسة إلى أن رأي المفتي استشاري، وعرض القضية على محكمة النقض ليس مزية مقصورة على القضية المحكوم فيها بالإعدام فحسب، وإنما هو حق مقرر لذوي الشأن كذلك للقضية غير المحكوم فيها بالإعدام، كما أن محكمة النقض لا تتغير وظيفتها عند نظر القضية المحكوم فيها بالإعدام، وإنما تظل محكمة قانون لا محكمة واقع تحاكم الحكم المطعون فيه، ولا تحاكم الطاعن من جديد.

قصر الإعدام على جرائم محدودة 
وتابع الدكتور عماد الفقي في دراسته: إنه يؤيد عقوبة الإعدام ولكن مع قصر نطاقها على عدد محدود للغاية من الجرائم، مثل جريمة تسهيل دخول العدو للبلاد المنصوص عليها في المادة 78 (جـ) من قانون العقوبات، وجرائم الاعتداء على الحق في الحياة، وجريمة خطف الأنثى المقترن باغتصابها المنصوص عليها في المادة 290 عقوبات.

إبقاء الإعدام في جرائم القتل
وفيما يتعلق بالقانون العسكري أوصت الدراسة بقصر نطاق عقوبة الإعدام على بعض الجرائم المنصوص عليها في المادة 130 منه (فقرة 3، 4، 5، 6، 7، 10)، أما بالنسبة لقانون مكافحة المخدرات والأسلحة والذخائر، فأكدت الدراسة أنها لا تؤيد بقاء عقوبة الإعدام إلا في جرائم الاعتداء على الحق في الحياة.

وأضافت أنه يجب أن تكون عقوبة الإعدام في الجرائم التي نؤيد تقرير عقوبة الإعدام فيها اختيارية لا وجوبية، كيما يستطيع القاضي أن يمارس سلطته التقديرية في تقرير العقاب حسب الخطورة الإجرامية للجاني".

الجرائم السياسية
وتابعت: "يجب أن تحاط الإعدام بضمانات فعلية تكفل الاطمئنان لتوقيع هذه العقوبة، ومن أبرز هذه الضمانات: قابلية الحكم الصادر بالإعدام للطعن فيه أمام محكمة النقض باعتبارها محكمة واقع وقانون في آن واحد، وإرجاء تنفيذ عقوبة الإعدام ثلاث سنوات بعد صيرورة الحكم نهائيًا؛ لأن فوات هذه المدة كفيل بغلق باب الأمل أمام ظهور أدلة جديدة تفيد براءة المحكوم عليه بالإعدام، ويجب ألا تصدر عقوبة الإعدام إلا من جهة قضاء عادي. وعدم تقريرها في الجرائم السياسية".
الجريدة الرسمية