رئيس التحرير
عصام كامل

المشروع الجيوسياسي المصري في أفريقيا


دائمًا كانت القارة الأفريقية ودولها مسرحًا للمواجهات المصرية -الغربية- الإسرائيلية.. وكان الرئيس جمال عبدالناصر يولى اهتمامًا كبيرًا بحركات التحرر الأفريقية من شمال القارة إلى جنوبها.. وكان له الفضل في تحرر أكثر من ثلاثين دولة حتى وبعد عام 1963.. لذلك نجد تقريبًا في كل العواصم الأفريقية شوارع تحمل اسم الرئيس عبدالناصر، وهناك العديد من تماثيل الرئيس الراحل تقف في أكبر ميادين هذه العواصم.


ولا ننسى عندما زار الرئيس نيلسون مانديلا مصر توجه من المطار مباشرًا إلى قبر الرئيس عبدالناصر، واهتمام عبدالناصر بالقارة الأفريقية راجع إلى الأهمية الجيوسياسية الكبيرة لأفريقيا بالنسبة لمصر، كون القارة الأفريقية تمثل ظهيرا جغرافيا للأمن القومي المصري، والأهم هو امتداد نهر النيل على أراضى 10 دول بخلاف مصر.. وبسبب إهمال نظام الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك لدول القارة الأفريقية واعتماده على نظام التهديدات فقط جعل إثيوبيا تبدأ ببناء سد النهضة عند نهاية نظام حكمه فتم وضع حجر أساس السد 2 أبريل 2011.

وتزداد أهمية القارة الأفريقية في الوقت الحالي عن أي وقت مضى نظرًا لازدياد حركة التجارة العالمية وازدياد عمليات القرصنة والتي جعلت من دول القرن الأفريقي مركزًا ومنطقة جاذبة لوجود قوات عسكرية من دول مختلفة.. على سبيل المثال جيبوتى والتي تعتبر بالمعنى الصحيح دولة للإيجار، حيث توجد بها قاعدة أمريكية، يابانية، صينية، فرنسية وقريبًا قاعدة عسكرية سعودية.

وذلك يرجع إلى الموقع الجغرافى المهم جيوسياسيًا بالمعنى الضيق وبالمعنى الواسع الجيواستراتيجى والذي يجعلها تتحكم بالبوابة الجنوبية للبحر الأحمر بالمقاسمة مع دولة اليمن.. وبالطبع بعد الأحداث الجارية في اليمن بالنسبة للسعودية وضياع حلم السيطرة السعودية على باب المندب بسبب الوجود الإيراني في اليمن، بذلك كان لزامًا على السعوديين التحرك سريعًا للجانب الآخر خصوصًا مع سهولة دفع ملايين من الدولارات إلى الحكومة الجيبوتية لإقامة قاعدة عسكرية سعودية على أراضيها.

طبعًا بالإضافة إلى أن إسرائيل تريد إقامة قاعدة عسكرية على الأراضى الإريترية، ناهيك عن تحركات حثيثة من الجانب التركى في كل من إثيوبيا والصومال.

فأفريقيا عامة والقرن الأفريقي خاصة يمثل امتدادًا جغرافيًا طبيعيًا للدولة المصرية، لذلك كان لزامًا علينا منذ 46 عامًا الاستمرار في الوجود المصري في الدول الأفريقية عن طريق المحفزات السياسية والاقتصادية وطبعًا الدينية سواء عن طريق الأزهر أو الكنيسة.. لكن ما زال أمامنا فرصة تاريخية لا يجب أن نفوتها خصوصًا بعد تدشين الرئيس السيسي الأسطول المصري الجنوبي والذي سيقوم مقام القواعد العسكرية للدول الأجنبية في كل من جيبوتى وإريتريا خصوصًا مع امتلاك مصر حاملتى الطائرات «جمال عبدالناصر وأنور السادات».

ولكي يحقق الأسطول الجنوبي المصري أهدافه يجب علينا كمصريين العمل الجاد لمحاولة إقامة مشروع مصري جيوسياسي يشمل كل من السودان، ليبيا وإريتريا.. وذلك بأي شكل من الأشكال سواء عن طريق توقيع معاهدات دفاع مشترك أو عن طريق تكامل اقتصادي كامل أو عن طريق إقامة أي شكل من أشكال الاتحاد.

ولكى نصل لمثل هذه الغاية الملحة والمهمة يجب تنحية أي خلافات بين القيادات السياسية في الدول التي تهمنا لتحقيق أمن مصر الجيوستراتيجي.. ولنا مثال يجب أن نحتذى به وهو المشروع الأوراسي بالنسبة لروسيا والتي تعمل على تحقيقه بكل السبل بداية من توقيع اتفاقيات أمن جماعي واتفاقيات جمركية تجعل من دول آسيا الصغرى وبيلاروسيا وروسيا دولة واحدة، ونظرًا لأهمية تركيا في تحقيق هذا المشروع نرى روسيا قد قامت بحل كل الخلافات معها رغم الاعتداءات التركية سواء بإسقاط السوخوي أو بمقتل السفير الروسي أخيرًا.
الجريدة الرسمية