رئيس التحرير
عصام كامل

دعوة لمشروع قومي لتفعيل الهوية التنافسية لمصر


تناولت العديد من الدراسات الأكاديمية صورة الدول كعلامات تجارية.. صورة الدولة كعلامة تجارية أصبحت عاملا مهمًا في الدخل القومي للدولة.. صورة الدولة كعلامة تجارية أوNation Branding تتأثر بالجهود التي تبذلها الدبلوماسية العامة والدبلوماسية الشعبية.. الترويج لصورة الدولة كعلامة تجارية من خلال الدبلوماسية العامة يتم من خلال العلاقة بين حكومة الدولة وحكومات الدول الأخرى.. أما الترويج لصورة الدولة كعلامة تجارية من خلال الدبلوماسية الشعبية يتم من خلال العلاقة بين حكومة الدولة وشعوب الدول الأخرى، كإرسال المساعدات الإنسانية أو من خلال المؤتمرات والمعارض.. وهناك ثمة عوامل تتحكم في مدى جودة صورة الدولة كعلامة تجارية: منها شهرة الدولة وسمعتها، والسياحة، والاستثمار، والمبدعين، والصادرات.


قادني البحث في هذا الموضوع إلى التعرف على ترتيب صورة مصر بين صور الدول.. البحث المبدئي لصورة مصر كان يبعث على التفاؤل وسط كل الإحباطات الاقتصادية، والاجتماعية، وحوادث الإرهاب، وجرائم الرشوة، وجرائم القتل التي أصبحت شبه يومية.. فمصر تحتل المرتبة الثالثة أفريقيا بعد جنوب أفريقيا والمغرب.

وتحتل مصر المرتبة الـ 46 في التصنيف الدولي لصورة الدولة.. التصنيف الدولي لصورة مصر موجود على موقع دليل الدولة الإلكترونية 17 أو Digital Country Index 17، والذي يبحث في رغبة مستخدمي الإنترنت في الحصول عن معلومات عن الدولة، وبشكل خاص من خلال البحث عن العوامل المؤثرة على صورة الدولة على الإنترنت.. فكلما زاد البحث مستخدمي الإنترنت عن الدولة على الإنترنت كلما دل ذلك على أن هؤلاء المستخدمين مهتمون بهذه الدولة.

المنطق الذي يحكم الوسيلة العلمية لدليل الدولة الإلكترونية يقول إنه عندما يبحث شخص ما عن الاستثمار في مصر، على سبيل المثال، أو عن معوقات الاستثمار في مصر، فإنها غالبًا ما يكون مهتمًا بالاستثمار فيها.. الأمر سيكون أكثر وضوحًا عندما يبحث مستخدمًا الإنترنت من إسبانيا عن السياحة في مصر، غالبًا ما يكون هدفه زيارة مصر.

تصنيف الدولة الإلكترونية وضع مصر في المرتبة الثالثة أفريقيا والمرتبة 46 عالميًا، معتمدًا على المعلومات المرتبطة ببحث مستخدمي الإنترنت عن العوامل الخمسة التي تحكم صورة الدولة كعلامة تجارية، فمستخدمو الإنترنت بحثوا عن العوامل الخمسة المرتبطة بمصر، فالصادرات المصرية جذبت اهتمام مستخدمي الإنترنت بشكل جعل مصر تحتل المرتبة الـ 52 من بين أكثر من 250 دولة.

الاستثمار في مصر جذب مستخدمي الإنترنت بشكل سمح لمصر أن تشغل المرتبة 38.. لم يبحث مستخدمو الإنترنت عن الإبداع والمبدعين في مصر، مما جعل ترتيب مصر من حيث اهتمام مستخدمي الإنترنت بالإبداع والمبدعين يتأخر إلى المرتبة 65، كما أن مصر احتلت المرتبة 52 من حيث اهتمام مستخدمي الإنترنت بالبحث عن "سمعة وشهرة" مصر.

الكاتب والباحث سيمون انهولت Simon Anholt المتخصص في دراسات الترويج للدولة كعلامة تجارية أضاف بعد جديدًا، وهو دور شعوب هذه الدولة في تحسين وتطوير صورة الهوية التنافسية للدولة.. وتعتمد نظرية "الهوية التنافسية" أو Competitive Identity على العوامل نفسها التي تؤثر فى صورة الدولة كعلامة تجارية، بالإضافة إلى الدور التي يمكن أن يلعبه الناس في خارج الدولة، وداخل الدولة.. ففي حالة مصر، فإن النظرية تقوم على اعتبار المهاجرين في الخارج سفراء لمصر يمثلونها في كل مجالات الحياة ويتم ذلك من خلال المكاتب الثقافية خارج مصر.. أما في الداخل المصري يقع على عاتق المصريين صورة مصر.

ووفقًا لنظرية "الهوية التنافسية" فإن الترويج للهوية المصرية ليس مسئولية الحكومة فقط، ولكنه مسئولية المصريين أيضًا.. ويمكن لمصر أن تبنى الكثير، وبخاصة أن هناك عامليــن على الأقل مرتبطيــن بالهوية التنافسية: العامل المرتبط بدور المصريين أنفسهم في الترويج للهوية المصرية، ودور المبدعين المصريين في الترويج لهوية المصريين.

يبقى أن مصر تتفوق على الكثير من الدول التي تسبقها في التنصيف الدولي في العوامل المرتبطة بالسياحة، والشهرة.. ويقع على عاتق الحكومة تحسين صورة السياحة في مصر من خلال الضبط الأمني، وتحسين سمعة مصر من خلال الابتعاد على القضايا التي تشوه صورة مصر كقضايا حقوق الإنسان، والحريات في مصر.. وبافتراض أن الحكومة في مصر تصبو إلى تحسين صورة مصر، فإن تقاعسها عن العمل على تنقية صورة مصر مما يشوبها من أحداث مرتبطة بحقوق الإنسان، والحريات، يعني –دون مواربة – أن الحكومة لا يعنيها في الحقيقة تحسين صورة مصر.

لن يكون من السهل على المصريين في داخل مصر، وخارج مصر الترويج للهوية المصرية ودعمها دون معرفة الأدوار التي يمكن أن يقوموا بها، لذلك فإني أدعو رئيس الجمهورية إلى تبني مشروع قومي لدعم هوية مصر التنافسية لمصر.. الجدية مطلوبة في هذا المشروع، حيث يجب التخطيط له بشكل علمي، والتعرف على الدول التي يمكن البدء بها للترويج لصورة مصر، وأن يتم تحديد دور المصريين في هذه الدول بشكل دقيق.. هناك الكثير من الدول التي تستعين بمؤسسات لتحسين صورة دولها، أما وأن مصر مليئة بمن يمكنهم القيام بذلك، فإن المطلوب هو إطلاق مشروع قومي علمي لدعوة الهوية التنافسية لمصر.. فهل يفعل الرئيس عبد الفتاح السيسي ذلك؟
الجريدة الرسمية
عاجل