رئيس التحرير
عصام كامل

أشرف عبد الباقي و مسرح مصر!


منذ تخرجه في أوخر السبعينيات وحتى احترافه التمثيل الذي قدمه منذ أن كان طفلًا وهناك لمسة خاصة للفنان ابن شبرا أشرف عبد الباقي، هذه اللمسة أو البصمة يمكن اختصارها في خفة الظل المعتدلة، إن جاز التعبير حيث لا يلجأ الفنان في تقديمه للكوميديا إلى الأساليب السهلة والرخيصة في استدرار الضحكات، كما لا يلجأ إلى مدرسة الحركة التي إشتهر بها أساتذة كبار كفؤاد المهندس ومدبولي ومن بعدهما سمير غانم بسرعة بديهة و إفيهات مصنوعة بإحكام، ولا هى طبعًا مدرسة المبالغة الحركية التي يقدمها محمد سعد، مع اللجوء لكل المحاولات بهدف الإضحاك، ولكن يمكن اعتباره مدرسة وسط استفادت من كل أشكال الكوميديا وصبغها بإحساس أقرب للتراجيديا وهى المدرسة التي كان رائدها بلا شك نجيب الريحاني.


وربما كان أحد الأسباب الرئيسية لنجاح أشرف عبد الباقي في تقديم شخصية إسماعيل ياسين، ليس مجرد تقليد حركاته و إفيهاته الأقرب للسذاجة الطفولية، وإنما لأنه أدرك الجانب الإنساني في شخصية هذا الكوميديان، والتي تختلط فيها المرارة بالضحك والمعاناة بالإبتسامة، والطيبة والإنكسار بالذكاء أحيانًا مع الإصرار، وهى مفاتيح ربما يوجد معادلًا لها داخل أشرف عبد الباقي نفسه، الذي التقيته مرات نادرة جدًا خلال مشواره الفني، لا أعرف لماذا و لكني كنت حريصًا على متابعته من حين لآخر، ربما في تجارب أكثر تراجيديا مثل (صياد اليمام) و(على جنب يا أسطى) لأدرك أنني أمام ممثل لديه القدرة على أن يثير الألم والبكاء بأداءه التمثيلي، مثلما هو قادر على الإضحاك..

وحين التفت لإتابعه في مسلسل من مسلسلات الست كوم الاجتماعية مثل (راجل وست ستات) أدركت أنه مثل الأب الروحي الذي لا ينفرد بأنانية الممثل ليقدم أعماله من الجلدة للجلدة وأنما هو يدرك بوعي دارس الفنون المسرحية، أن الإبداع الجماعي هو الأكثر خلودًا و تميزًا لذلك نراه يقدم الفرصة تلو الأخرى لسامح حسين ليصبح بعد ذلك نجمًا منفردًا، وها هو يكرر نفس التجربة في مسرح مصر مع ممثلين ربما يصبحون نجومًا في المستقبل مثل محمد أسامة و مصطفى خاطر، ومحمد أنور وكريم عفيفي و حمدي مرغني وعلي ربيع والآخرين.

وهذه التجربة الأخيرة تحديدًا الخاصة بمسرح مصر، هى التي استوقفتني خصوصًا مع النجاح الكبير والجماهيرية التي منيت بها، حتى صار الكبار والأطفال يتابعونها كل يوم جمعة، بعد أن حقق كل ممثل من المشاركين فيه نجومية كبيرة على يد أشرف عبد الباقي، الذي صار أسطى مسرحي وأستاذ وصاحب مسرح متفرد، ربما لأول مرة على شاشة الفضائيات ليصبح المسرح التجاري متاحًا للجمهور دون تذكرة مرتفعة في كل بيت، وهى التجربة التي سبقه إليها محمد صبحي على نحو مختلف في المسرح الجاد، بتقديم روائع المسرح العربي والعالمي كما مسرح نعمان عاشور وسعد الدين وهبة وثلاثية كارمن وهكذا، مع فارق التوقيت والظروف..

فإذا كان محمد صبحي قد نقل المسرح الجاد للتليفزيون فأشرف عبد الباقي نقل المسرح التجاري الخفيف له في ظل ظروف وتوجيهات لإفشاء الضحك والتفاؤل، حتى لا يفكر الناس في كوارثهم الحقيقية، وهو على أي حال ليس موضوعنا الآن.

موضوعنا إذن ومربط الفرس هو الهمس في أذن اشرف عبد الباقي ألا يستسلم لمفردات المسرح التجاري، الذي شاع في الثمانينيات وأواخر السبعينيات والتي كثر فيها الارتجال والخروج عن النص بإفيهات جنسية وبهارات لفظية تخدش الحياء، فما كان جائزًا في المسرح وقتها لايمكن قبوله على شاشة الفضائيات، التي تدخل البيوت ويشاهدها الأطفال كما الكبار، فقد لوحظ تكرار هذا الأسلوب في الأسابيع الأخيرة، وأعتقد أن عبد الباقي يرفض هذه المدرسة وعلى حد علمي أنه لم يشارك فيها.. أشرف الذي قدم خشب الورد وبالو- شبورة - بشويش - لما بابا ينام - رد قرضي، لا يمكن أن يكون نفسه أشرف الذي يقدم عرضًا هو صاحبه تقول فيه الممثلة الثمينة لزميلها (هتتجوزني لوحدك فيرد عليها ربنا يقدرني اعمل اللي أقدر عليه)، وهذا مجرد نموذج.

أرجوك أيها الشبراوي الجدع ألا تترك مسرحك الموجه لأطفالنا يستباح بهذه الطريقة حتى لا تفقد تاريخك الناصع في تقديم الضحك الهادف والنبيل، والتسلية غير الجارحة، فأنت الآن قدوة لممثليك قبل جمهورك، فلا داعي لعودة مسارح المقاولات، التي أهلكتنا في الثمانينيات وبعض التسعينيات، نريد أن تكون هذه التجربة إضافة لتاريخك الفني المتميز مع ضرورة تنويع مصادر كتاب هذه العروض، حتى لا يسود التكرار الذي بدا واضحًا مؤخرًا، فإذا كان الضحك مطلوبًا لمواجهة التشاؤم فعلي الأقل دعه يكون ضحكًا من قلوبنا ومن مشاكلنا، وأعتقد وأنت الأدرى أنه لا يوجد أفضل من الكوميديا السوداء في هذه اللحظة، فلا تدع الفرصة تفوتك لكي تكون جديرًا بسجلات التاريخ الناصع في هذه اللحظة.
الجريدة الرسمية