رئيس التحرير
عصام كامل

لماذا تهاوى تأثير البرامج التليفزيونية لمشاهيرالإعلاميين؟


يضرب بعض الإعلاميين كفًا بكف من تأثير وسائل التواصل الاجتماعي وغياب تأثير وسائل الاتصال الجماهيري، وبخاصة التليفزيون، فمعظم برامج التليفزيون التي تناقش القضايا الاجتماعية، والسياسية –إن وجدت- لم يعد لها تأثير، إلا بعض البرامج المعدودة على الأصابع، والتي يواجه مقدموها تهمة "هدم الدولة" وربما تم رمي بعضهم بتهم "نشر الأخبار التشاؤمية" و"عدم الوطنية".


فقدت الكثير من البرامج التليقزيونية تأثيرها رغم شهرة الإعلاميين الذين يقدمونها، لأن الإعلاميين جعلوا برامجهم منبرًا لعلم "الدعاية" ونظرية "دوامة الصمت". فهاهو إعلامي شهير يتحدث عن الظروف الاقتصادية الصعبة، وعن عجز في الموازنة وصل إلى 312 مليار جنيه، واصفًا الاقتصاد المصري بأنه اقتصاد حرب، وأن الحالة "زفت" حسب تعبيره.

الإعلامي نفسه طالب الناس بتحمل الظروف الاقتصادية الصعبة، معتبرها صدمة كهربائية مرت بها دول أخرى، سعادته لا يذكر هل كان يمكن الاستعداد لقرار تحرير سعر الصرف، كتشجيع الزراعة الحالية وزيادة الإنفاق على استصلاح الأراضي، والتنسيق مع المستثمرين وبخاصة المستوردين منهم بخصوص قروضهم، أو تثبيت سعر الدولار الجمركي لمن استورد أو حصل على قرض قبل إقرار تحرير سعر الصرف.. الإعلامي المشهور لم يذكر ذلك.
 إعلامية أخرى قالت إن "غلاء الأسعار ابتلاء من الله"، ولا أعرف ماذا كانت المذيعة نفسها ستقول لو سمعت هذا الكلام أيام الإخوان من إعلامي محسوب على الإخوان. يمكن التخمين بأنها كانت ستتهكم على من يقول ذلك وستفند أسباب غلاء الأسعار.
 تأثير البرامج الإعلامية للمشاهير من الإعلاميين تهاوى، لأن المشاهد المصري يعرف أن المذيعين الذين يطالبون الناس بالصبر على غلاء الأسعار باعتباره اختبارا من الله، أو صدمة كهربائية هم أنفسهم من كانوا سيتهكمون على فكرة أن غلاء الأسعار اختبار من الله، أو أنها صدمة كهربائية.

سياسة "الضرب على الأوتار التي يمكن أن تقنع المشاهد" أو Appealing to the known desires of an audience هي إحدى أدوات الدعاية  التي تهدف إلى محاولة "غسيل أدمغة" المشاهدين، بمعنى آخر، مادام الشعب المصري متدين بطبعه فقد يقبل فكرة أن "غلاء الأسعار ابتلاء من الله" حتى لو كان المذيع أو المذيعة تعارض العبارة نفسها، أو السبب الذي تستخدمه للإقناع في في زمن آخر.

السبب الثاني لتهاوى برامج الكثير الإعلاميين هو فكرة محاصرة المشاهدين من خلال دفعهم إلى "دوامة الصمت". تعتمد نظرية دوامة الصمت على افتراض رئيسي فحواه أن وسائل الإعلام حين تتبنى آراء أو اتجاهات معينة خلال فترة من الزمن، فإن معظم الأفراد سوف يتحركون في الاتجاه الذي تدعمه وسائل الإعلام، وبالتالي يتكون الرأي العام بما يتسق مع الأفكار التي تدعمها وسائل الإعلام، بينما يصمت الفريق الذي لا يتوافق مع الأفكار التي تدعمها وسائل الإعلام.

معظم صراخ الإعلاميين يهدف إلى إسكات المصرييين، ولومهم بأنهم السبب فيما وصلت فيه الأمور، بل وإسكات الإعلاميين الذين لا يتفقون مع توقيت القرارات الاقتصادية، أو القرارات التي تستهدف إقامة عاصمة إدارية أو مشروعات عملاقة، من شأنها أن تأخذ وقتا حتى تدر عائدًا على مصر.

من بين أدوات الدعاية التي يستخدمها بعض مشاهير الإعلاميين في برامجهم سياسة "الحتمية" والتي تقول بأن ما يحدث كان سيحدث حتما حتى وإن لم يتم اتخاذ قرار تحرير سعر الصرف، على طريقة "مقدر ومكتوب"، وأن الأزمة الاقتصادية التي تمر بها مصر ليست وليدة اتخاذ قرارات اقتصادية لم يحسب رئيس البنك المركزي طارق عامر ولا الحكومة من ورائه نتائجها بدقة، على الجميع، بما في ذلك النتائج التي تؤثر على المستثمرين في مصر الذين عبروا في تقرير نشرته "فيتو" عن احتمالات تعثر البعض منهم في تسديد قروضهم، ونوه البعض الآخر  غلي أنه قد يعلن إفلاسه بعدما وجد أنه يجب أن يدفع ما يقارب ثلاثة أضعاف مديونيته بعد زيادة الدولار.

المشاهدون يعرفون أن الإعلامي لا يتحصل على 2000 جنيه في الشهر، وأنه لا يستطيع أن يكمل مصاريف بيته كل شهر، وأن الإعلامي الغلبان منهم يتقضى بضعة آلاف شهريًا فيما يتقاضى أخرون مئات الآلاف شهريًا فكيف يشعرون بما يشعر به الفقراء.

يوظف بعض الأعلاميين أدوات الدعاية كما يحلو لهم ويزداد سخط المصريين على برامجهم ويزدادون غضبًا من الوضع الاقتصادي الذي بات يحاصرهم. بعض الإعلاميين صاروا مجرد أبواق يتهمون كل مصري غاضب أو منتقد للأوضاع الاقتصادية بأنه لا يحب بلده، فيما يتم محاصرة الإعلاميين الذين ينتقدون قرارات الحكومة بأنهم يعملون على "هدم الدولة"، وما يهدم الدولة إلا هؤلاء الذين يقولون ما لا يفعلون، وإلا فليكشف هؤلاء الذين ينادون المواطنين بالصبر عما يتقاضون من مرتبات، وليتبرعوا بها للدولة أو يجمعوها ويوزوعونها على الفقراء من المصريين، ويحصلون على دخل لا يتجاوز 2000 جنيه شهريًا، وسنرى وقتها هل سيصبرون أم "سيقلعون ملط وينزلون للحكومة في الشارع"، كما قالت الفنانة الراحلة سناء يونس في مسرحية "سك على بناتك.

فقد الكثير من الإعلاميين مصداقيتهم وتهاوى تأثير برامجهم، وأصبح الناس يطردونهم كلما حاولوا النزول إلى الشارع، وهم مع ذلك يتعجبون لماذا يفعل الناس ذلك. الناس تفعل ذلك بعد أن وجدت أن معظم الإعلاميين الذين يختلفون مع قرارات الحكومة إما يتم إيقاف برامجهم كما حدث مع الإعلامي "عمرو الليثي"، أو مطاردته باتهامات "عدم الوطنية"، و"هدم الدولة" كما يحدث مع الإعلامي "إبراهيم عيسى".

الإعلاميون الذين يتهمون الناس بقلة الصبر، ويفسرون الأزمة الاقتصادية بأنها غضب من الله، ضاع لديهم الإحساس بالرحمة، وتاه منهم الزمان، وضاعوا عن المكان، فالشعب المصري شعب صبور، وعلى نغمة "استخدام لغة الدين في إقناع الناس"، فليقل هؤلاء الإعلامييين خيرًا أو يصمتوا، ذلك أزكى لهم".
الجريدة الرسمية