رئيس التحرير
عصام كامل

عالم بقر


بمناسبة ما نراه حاليا في العالم العربي، أستطيع أن أقول إن أمتنا أصبحت أكثر انحيازا للبقر، نعم أمتنا تحب البقر وتعيش حياة "بقرية"، وأظن ــ وأغلب الظن إثم ــ أن البقرة استحوذت على تفكير البشر منذ بدء الخليقة، كما أن العِجل سيطر على اهتمام الأمم منذ بدء الحضارة الإنسانية، ويبدو أن هناك علاقة ما نشأت ما بين البشر والبقر!! ففي اللغة العربية تجد فارقًا بسيطًا بين الكلمتين، ولك أن تتساءل عن هذا السبب الذي جعل التراث الإنساني كله تقريبًا يحتفي بالبقر والعجول ويجعل لهم موضعًا متميزًا في كافة الحضارات.


ولك أن تقرأ سورة "يوسف" لتجد البقر وأثره في الحضارة المصرية القديمة، إذ قال ملك مصر في عهد سيدنا يوسف لرجال بلاطه "إني أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف" وكلنا يعلم قصة "عجل السامري" الذي صنعه السامري من الذهب وجعل له خوارًا كخوار البقر فعكف اليهود على عبادته، أما في الهند فقد عبدوا البقر وقدسوه وأقاموا له المعابد وقدموا له القرابين، كما أن الأدب الهندي القديم أفرد للبقر مكانة خاصة..

ولك أن تقرأ "كليلة ودمنة" حتى تعرف قيمة البقر لدى الهنود، ومن قصص "كليلة ودمنة" القصة التي نعرفها جميعًا وهى قصة "أُكلت يوم أن أٌكل الثور الأبيض"، أما في الصين فإن "كونفشيوس" طلب من تلاميذه التحلي بأخلاق البقر، أما في إسبانيا فإن "مصارعة الثيران" تمثل علامة رئيسية لحضارتهم ولثقافتهم، وإذا كنت من الشغوفين بالحضارة الفرعونية فليس عليك إلا أن تنظر لحوائط المعابد الفرعونية القديمة لتجدها وقد ازدانت بالأبقار والثيران..

وحديثا يحكى أن مظاهرة عارمة قامت في مصر في أوائل القرن العشرين احتجاجًا على كتاب أصدره أحد المفكرين، فتوجهت المظاهرة إلى قصر سعد زغلول باشا فما كان منه إلا أن خرج إلى شرفة قصره وعندما هتف المتظاهرون بأن هذا الكاتب لا يفهم فقال لهم سعد زغلول "وماذا علينا إن لم يفهم البقر".

والأمثال المصرية تتحدث عن البقر والثيران، فعند مثلٍ يقول: "إن وقعت البقرة كثرت سكاكينها" وعندما يظهر عندنا شخص لا يفهم نقول عنه إنه " مالوش في الطور ولا الطحين"، ومثل آخر يقول "البقرة بتولد فلماذا يحزق الثور؟ قالوا أهو تحميل جمايل".

ويبدو أن ثقافة البقر أصبحت غالبة في منظماتنا العربية حتى أن البقر تشابه علينا واختلط علينا الأمر، وأصبح اللافت للنظر أن الولايات المتحدة الأمريكية استطاعت فهم العرب وطريقة تفكيرهم البقرية، لذلك استطاعت التعامل مع بعض الحكومات العربية ببراعة شديدة، ألم تقم الحضارة الأمريكية على ثقافة "رعاة البقر"!!.
الجريدة الرسمية