رئيس التحرير
عصام كامل

انشقاق.. ونفسنة.. واغتيال!


سمعت أخبارًا متداولة حول إيقاف البث المباشر لبرنامج الزميل (إبراهيم عيسى) على قناة «القاهرة والناس»، في الواقع لا أتابع البرنامج بمثل هذه اللهفة التي تجعلنى أعترض على إيقافه أو استئنافه، أو حتى أهتم بصحة الخبر، كان أول سؤال طرحته على حامل الخبر: برنامج نفسنة لسَّة شغال؟ قال لى مفيش أخبار عنه.. استعنت بالمثل الإنجليزى الشهير "لا يوجد أخبار.. هذا خبر جيد في حَد ذاته".. المهم أن برنامج نفسنة لم يُمَس.. هذا هو الأهم!


بينى وبينَك زهقت من برامج التنظير والتفطيس والجعير، سنوات طويلة من عُمرنا ضاعت ما بين العاشرة مساءً والسادسة صباحًا، ومع فلان، وكرسى المش عارف إيه، وساعة ونُص، وساعتين إلا رُبع، وصباح المهلبية، ومساء البتنجان، كيف انفجرت ماسورة الكلام والتنظير إلى هذا الحَد دون ضابط ولا رادع؟ ومن أين تتأتى لإنسان قدرة خارقة على أن يمسك الحديدة -الميكروفون يعنى- ويواجه الكاميرا يوميًا على الهواء مباشرة لمدة ساعتين تلاتة يرغى ويزبد فيما يفيد أو ما لا يفيد، ومثل هذين الساعتين تلاتة على الإذاعة كمان يوميًا، للعلم لو كان ما يقوله مُفيدًا من حيث الفكر أو الرأي، فهو ضار جدًا بالأذنين والعقل وأجزاء أخرى مهمة في جسم الإنسان المتلقى، ده بافتراض أنه مُفيد، ما بالك لو لم يكن كذلك؟!

الحديث ليس عن (عيسى) وحده، لكن عن ساحة تحوَّلت لمكلمة ومضمار لسباق الألسنة، هرى في أي حاجة، أب اغتصب بنته، تلاقى الأب على كُل القنوات، وبنته كذلك، ابن قتل أمه بسكينة، تلاقى الانفراد: الابن ضيفنا الليلة، والانفراد المُضاد: الأم ضيفتنا الليلة، والانفراد المُميَّز -أبو شَرطة وفيه تكييف وواى فاى- السكينة ضيفتنا الليلة.. أي إعلام هذا؟ دماء وغضب وزعيق وشخط ونَطر وعفاريت طالعة من البنى آدمين تطلَّع لسانها للمُشاهدين وترجع في البنى آدمين تانى، ناهيك عما تيسَّر من فتاوى دينية تافهة، وكلام فارغ لواحد أراجوز يدعى حينًا أنه المهدى المُنتظر، ويدعى حينًا أنه (أرشميدس).. هل العيب في هذا الشخص؟ طبعًا لأ، لكن العيب فيمَن يسضيفه لُمضاعفة نسبة المُشاهدة والمُداخلات الهاتفية التي تسب وتلعن سلسفيلهما معًا، قبل أن يقتسما الإيراد معًا برضو بعد انتهاء الحلقة آخر الليل أو وِش الصُبح إن شئت الدقة!

إذن برنامج نفسنة أفضل من كُل هذا، إن لم يكُن بكلمة ظريفة، فبنكتة خفيفة، فبنظرة حلوة من (هيدى كرم)، مش بتكشيرة تقطع الخميرة من البيت من (إيمان عز الدين)، ولا شتيمة للمُشاهدين من (توفيق عكاشة)، أو زغرة مُرعبة من (شوبير) وهو يقنعنا اليوم بالشيء ثم غدًا بنقيضه حسب مصلحته الشخصية!

بالمُناسبة.. تابعت حلقة (أحمد موسى) على صدى البلد مساء الأربعاء، يمكن لأن موعدها يختلف عن موعد عرض نفسنة، كما أن حلقة (نجلاء الشرشابى) على سي بي سي سفرة كانت مُعادة وقتها وسبق لى مُتابعتها، المُهم استضاف (موسى) أحد المُنشقين عن حركة 6 إبريل.. المُنشق لا يختلف عن المشقوق والشاق والشقى، كُلُّهم واحد، الفارق بينهم أن مَن أصر على البقاء في المركب انتظارًا لحصد مكاسب إضافية يختلف عن مَن قرر القفز منها لجلب مكاسب أخرى، لا أثق في الحركة، ولا في مَن ظل فيها، ولا مَن انشق عنها، ولا مَن عمل نفسه من بنها، ولا اللى عرفت إن الست ملهاش غير بيتها وجوزها فقررت الاكتفاء بما حققته بعدما ملأت الدولاب والنيش بما لذ وطاب من الملابس وأطقم الصينى، ولحتى إشعار تخريبى آخر لن يأتى بإذن الله!

أما قتل السفير الروسى في تركيا فهو عمل تُركى شهير عبر التاريخ، الأتراك تميَّزوا دائمًا بالغدر والغيلة، فما المُشكلة في قتل سفير دولة "صديقة" بواسطة رجُل أمن يرفع شعار قال الله وقال الرسول، (أردوغان) نفسه يرفع ذات الشعار وهو يستبيح دماء المُسلمين في سوريا، وفى العراق، وفى تركيا نفسها، ويروِّج للإرهاب في مصر ويدعمه بالمال والمعلومات والإعلام عن طريق استضافة أحَط خلق الله في قنوات "رابعة ومكملين ومستنيلين" على عينيهم فوق أرضه النجسة ببيوت الدعارة ومشارب الخمر، كُل هذا تحت شعار الدين والجهاد.. شوفت إزاى؟!

عمومًا التضحية بالسفراء والدبلوماسيين -عن طريق صهاينة روسية علشان المركب تمشى الآن- ليست بدعة، فقد سبق للولايات المُتحدة أن تهاونت في قتل سفيرها في ليبيا حتى تكتمل خطة القضاء على البلد المسكين، الذي استولت عليه جماعات شبيهة بالإخوان وستة إبريل ومثل هذا الهلس الذي كاد يقضي على الأخضر واليابس في مصر لولا ستر الله وثورة يونيو التي صححت مسار ثورة يناير!

وإن كان للسياسة حساباتها الدقيقة لدرجة الشذوذ أحيانًا، فإن التاريخ لا يعرف إلا الحقائق، ومن ضمن هذه الحقائق أن مطية الدين التي امتطاها الأتراك العثمانيون لغزو مصر مثلًا لم تحترم لا دين ولا أخلاق عندما اقتحموا المساجد وفعلوا في القاهرة ما لم يفعله (هولاكو) في بغداد على حد وصف المؤرخ (ابن إياس) -قتلوا أكثر من عشرة آلاف مصرى في يوم واحد مدنيين لا عسكريين- واقتحموا الأزهر الشريف ومسجد ابن طولون وأحرقوا جامع شيخو وخربوا ضريح السيدة (نفيسة).. لدرجة أن المؤرخ المذكور كتب بيت شعر بسبب تلك الكوارث التي عاصرها قائلًا: "نوَّحوا على مصر لأمرٍ قد جرى.. من حادث عمَّت مصيبته الوَرَى"..

والسؤال: عُمرك شوفت سفالة أكتر من كده؟ طبعًا شوفنا.. ناس بتدافع عن (أردوغان) ودولته وتصفهم بالإسلاميين رافعى راية الدين!
الجريدة الرسمية