رئيس التحرير
عصام كامل

السعودية تحاصر مصر في أفريقيا.. تدشن قاعدة عسكرية بـ«جيبوتي».. تستثمر 3 مليارات دولار داخل إثيوبيا.. وتركيا وإيران ينضمان لخارطة النفوذ إلى جانب إسرائيل والصين


تحولت منطقة القرن الأفريقي ودول حوض النيل والتي تشكل أهمية إستراتيجية لمصر، إلى منطقة تنافس وصراع نفوذ دولى يهدد مصالح القاهرة الإستراتيجية.


وعلى مدى العقود الماضية كانت أمريكا والصين وفرنسا والهند وروسيا، في مقدمة هذا الحضور، واليوم طرقت الأبواب قوى جديدة تمثل عبئا جديدا على القاهرة لمواجهتها حيث لمع نجم إسرائيل وإيران وتركيا وأخيرا السعودية.

القرن الأفريقي

يربط القرن الأفريقي بين قارات أفريقيا وأوروبا وآسيا عبر مضيق «باب المندب» الذي يعتبر رافدا أساسيا للتجارة الدولية، وكذلك يعتبر مدخلا لقناة السويس، ونقطة انطلاق عسكرية في عدد من الدول المهمة بالمنطقة، وتضم المنطقة إريتريا وجيبوتي وإثيوبيا والصومال، بالإضافة لدول حوض النيل السودان وجنوب السودان وأوغندا وتنزانيا.

الحضور السعودي

مع تولي العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، مقاليد الحكم في قصر اليمامة بالرياض في يناير 2015، برز التوجه السعودي نحو زيادة نفوذ المملكة في القارة السمراء ودول حوض النيل، لمواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية والإستراتيجية التي تواجه الرياض.

وخلال أكتوبر وديسمبر 2015 استقبل الملك سلمان بن عبد العزيز في قصر اليمامة، زعماء ورؤساء دول القرن الأفريقي كجيبوتي وإثيوبيا واريتيريا وقريبا الصومال.

وجاءت لقاءات الملك سلمان بقادة دول القرن الأفريقي لا تهدف فقط لحماية أمن المملكة وقطع الطريق على المخططات الإيرانية.

وقد تم الكشف عن مسعى السعودية لتأسيس قاعدة عسكرية لها في جيبوتي، فقد أكد وزير خارجية جيبوتي، محمود على يوسف، ترحيب بلاده بوجود عسكري سعودي.

وقال يوسف: إنه جرت زيارة استكشافية لقيادات عسكرية سعودية إلى بعض المناطق الجيبوتية التي سوف تستضيف الوجود العسكري السعودي، بحسب صحيفة الشرق الأوسط.

وفيما يتعلق بإثيوبيا، فقد أكد وزير الزراعة والموارد الطبيعية الإثيوبي تيفارا ديربو، أن السعودية تعد ثاني أكبر مستثمر في بلاده بـ 294 مشروعًا تقدر قيمتها بنحو 3 مليارات دولار، واصفا العلاقات بالمتميزة في شتى المجالات.

وفي أبريل، كشفت مصادر دبلوماسية عن توصل السعودية مع إريتريا إلى اتفاق تعاون عسكري وأمني واقتصادي "لمحاربة الإرهاب والتجارة غير المشروعة والقرصنة في مياه البحر الأحمر، وعدم السماح لأي تدخلات أجنبية في الشأن اليمني"، وذلك خلال زيارة الرئيس الإريتري أسياس أفورقي إلى السعودية في أبريل 2015، ومرة أخرى في ديسمبر 2015.

كما حظيت الصومال بمساعدات بقيمة 50 مليون دولار بعد ساعات من قرارها قطع علاقتها مع إيران، وبالقدر ذاته ربما حصل السودان على دعم بالمليارات لقاء تعاونه مع السعودية ومواقفه ضد إيران.

النفوذ الإيراني

بالانتقال لإيران فقد اتبعت طهران سياسة نشطة في القارة عامة والقرن الأفريقي خاصة، من خلال شراكات اقتصادية وتحقيق اختراقات ثقافية والعمل على نشر التشيع، بجانب تعزيز وجودها العسكري حيث تشير بعض التقارير إلى أنها تمكنت من بناء قاعدة بحرية عسكرية في إريتريا، ومركز لتموين سفنها، إضافة لتدريبها عناصر من الحرس الثوري والميليشيات التابعة لها في إريتريا.

وفي إطار تعزيز نفوذها بمنطقة القرن الأفريقي وشرق أفريقيا، وقعت إيران العديد من الاتفاقات التجارية والصناعية وإطلاق المشروعات الاستثمارية مع دول عديدة، مثل كينيا واريتريا وأوغندا وغيرها.

وقد بلغ حجم التبادل التجاري بين إيران وكينيا نحو 100 مليون دولار سنويًا، ويتطلع البلدان إلى رفع هذا المستوى إلى مليار دولار سنويًا.

كما وقعت إيران وأوغندا، على أربع اتفاقيات اقتصادية وتجارية، كما تم إصدار بيان سياسي مشترك يؤكد على تعزيز هذا التعاون، وتم تدشين مصنع لتجميع الجرارات، وتنمية الثروة السمكية، وتخصيص بعض الأراضي لمؤسسات إيرانية بهدف إيجاد منطقة زراعية نموذجية، كما تم التوقيع على مذكرات تفاهم حول برامج إذاعية وتليفزيونية.

الموساد الإسرائيلي

ومن اللاعبين في القرن الأفريقي الاحتلال الإسرائيلي، حيث زار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عددا من الدول الأفريقية، وترى إسرائيل في هذه الدول مصدرا للدعم في الأمم المتحدة ونفوذ سياسي واقتصادي وعسكري لها.

وفي إثيوبيا تمتلك دولة الاحتلال ألف فدان، بجانب إدارة قطاع الكهرباء من خلال المستثمرين الإسرائيليين، بالإضافة إلى اتفاقيات عسكرية سيتم توقيعها خلال الفترة المقبلة وفقًا لتصريحات الحكومة الإثيوبية.

وتشير تقارير مخابراتية إلى أن تل أبيب تخطط للحصول على الألماس الأفريقي الجيد لنقله ومعالجته في إسرائيل، إذ إنها تعد ثاني أكبر معالج للألماس في العالم".

كما تشير الوثيقة إلى "أن أعضاء في وفد برئاسة وزير الدفاع الإسرائيلي أفيجدور ليبرمان، قاموا بالوساطة لإبرام عقود لشركات إسرائيلية لتدريب مليشيات في أفريقيا".

عودة تركيا

القرن الأفريقي لم يكن بعيدا عن الطموحات التركية الباحثة عن النفوذ والتمدد في القارة السمراء، فقد سعت تركيا لتعزيز نشاطها الاقتصادي والسياسي ولتوسع من نفوذها العسكري بأفريقيا، فقد ارتفعت مساعداتها الرسمية لأفريقيا من مليار دولار عام 2010 إلى 3.9 مليارات دولار عام 2015.

تقيم تركيا علاقات اقتصادية قوية مع إثيوبيا التي تعد رابع أكبر شريك تجاري لأنقرة في القارة السمراء، وتتلقى إثيوبيا وحدها 2.5 مليار دولار من إجمالي ستة مليارات دولار تستثمرها تركيا في القارة السمراء.

كما بلغت المساعدات التركية الإنسانية والتقنية للصومال ما يربو على 400 مليون دولار، ويجري على قدم وساق بناء قاعدة عسكرية تركية في الصومال بجانب كلية عسكرية لتدريب الضباط الصوماليين، وتضم الصومال أكبر سفارة لتركيا من حيث المساحة.

نفوذ أمريكي فرنسي

نظرا لما تمثله المنطقة القرن الأفريقي من موقع جيوستراتيجي مهم عملت القوى الكبرى على التواجد بها، فالولايات المتحدة عملت على تأكيد تواجدها بالمنطقة، إذ وقعت اتفاقا مع جيبوتي عام 2003 لاستخدام المنشآت العسكرية وإنشاء قاعدة «ليمونييه» في حملتها ضد الإرهاب، وجددت الاتفاقية الخاصة بالقاعدة في مايو 2014، وأخيرا أطلقت واشنطن مشروع القرن الأفريقي الكبير، لبسط نفوذها في إثيوبيا والصومال وإريتريا وجيبوتي وأوغندا والكونغو ورواندا وبوروندي.

بالإضافة للولايات المتحدة تتابع في القرن الأفريقي بناء القواعد العسكرية التابعة للدول والجيوش الكبرى كفرنسا، بالإضافة لتواجد القوات اليابانية. ومؤخرا عقدت فرنسا وجيبوتي اتفاقا في 2011، تدافع بموجبه باريس عن وحدة وسلامة أراضي جيبوتي، إضافة لوجود قاعدة عسكرية أساسية لفرنسا في جيبوتي منذ مائة عام.

الصين حاضرة بقوة

الصين أصبحت حاضرة بقوة أيضا في المنطقة، وتستثمر الشركات الصينية في تنفيذ مشروعات تهدف لتثبيت أقدامها في منطقة جغرافية إستراتيجية، ما جعلها تبرم العديد من الاتفاقيات تضمن تواجدها.

ووفقا لموقع (AidData) المعني بالتنمية الاقتصادية المتبادلة بين الصين والقارة الأفريقية، فقد قدمت بكين مساعدات غذائية بقيمة 1.75 مليون دولار خلال الجفاف الذي ضرب جيبوتي عام 2005، فيما أغدقت على بناء مقر جديد لوزير الخارجية الجيبوتي يتكلف 2.41 مليون دولار، وتشيد الآن الصين قاعدة عسكرة لها في جيبوتي تنتهي في 2017.

والأمر ذاته حدث مع الصومال، ففي الفترة من عام 2000 إلى عام 2011، تم إطلاق نحو سبعة مشاريع تنموية صينية في الصومال، وفي المقابل وقعت شركة بترول مملوكة للدولة الصينية في يوليو 2007 اتفاقا مع الحكومة الصومالية للتنقيب عن النفط في إقليم مدق والذي يتمتع بحكم ذاتي.

أما إريتريا فقد اقترضت 3 ملايين دولار في عام 1994 لشراء الآلات الزراعية الصينية، وفي عام 2001، ألغت الصين ديونا لإريتريا عن طريق دعمها بمنحة تحمل قيمة نفس الديون. 

ومولت الصين عددا من المشاريع التنموية، بما في ذلك مستشفى بـ 200 سرير في العاصمة الإرتيرية، أسمرة.

 وفي أبريل عام 2006، منحت الصين إريتريا قرضا بقيمة 23 مليون دولار لتحسين البنية التحتية للاتصالات.

وفي عام 2002، بدأت شركة سينو هيدرو الصينية العمل على مشروع يقدر بـ 365 مليون دولار أمريكي لتوليد الطاقة الكهرومائية من سد بطول 607 أقدام على نهر تكيزي، وبحلول عام 2009، كانت الاستثمارات الصينية المباشرة في إثيوبيا بلغت 900 مليون دولار أمريكي، كما نمت الصادرات من إثيوبيا إلى الصين، بنحو 130 مليون دولار أمريكي في عام 2006.

مصر تعود
على صعيد الدور المصري والذي شهد تراجعا خلال السنوات الماضية، فقد سعت القاهرة في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى عودة نفوذها التاريخ في أفريقيا ومنطقة القرن الأفريقي ودول حوض النيل لما تمثله من أهمية استرايجية للأمن القومي المصري.

وتجلى ذلك خلال استقبال الرئيس السيسي لقادة وزعماء ومسوؤلي دول الأفريقية وكان آخرها لقائه الرئيس الإريتري أسياسي أفورقي، الذي زار مصر لمدة ثلاثة أيام أجري خلالها مباحثات ثنائية تتناول القضايا ذات الاهتمام المشترك وبحث سبل التعاون الثنائي.

الأمر ذاته تكرر مع بورندي ، فاستطاعت القاهرة من خلال الدبلوماسية إقامة علاقات جيدة مع تلك الدولة التي أعلنت أكثر من مرة انحيازها لمصر، ورغم التوتر مع إثيوبيا فقد شارك السيسي في قمة الاتحاد الأفريقي بأديس أبابا، كما التقى رئيس الوزراء الإثيوبي أكثر من مرة، وحرصت القاهرة على نفى وجود أي دور لها في دعم شعب الاورموا، بهدف تفويت الفرصة على المتربصين.

وكانت مشاركة مصر في قمة الاتحاد الإفريقى في غينيا الاستوائية بمثابة قيام صفحة جديدة في علاقاتها الأفريقية، وهذا ما كشفت عنه المباحثات المهمة التي أجراها السيسي في العديد من الملفات الشائكة التي كانت تؤثر سلبا على علاقات مصر ببعض الدول وفى مقدمتها أزمة سد النهضة والتعاون والتنمية مع عدد من الدول الأفريقية وعودة الدور المصرى في أفريقيا.
الجريدة الرسمية