رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

مظاهر الاحتفال بالمولد النبوي عبر العصور.. منى صبح: الفاطميون أصحاب البدعة.. والعثمانيون نظموا حلقات الذكر.. قراءة القرآن وتوزيع الحلوى سادت أغلب العصور.. والأيوبيون ألغوا جميع الاحتفالات الدينية


ترى الدكتورة منى صبح، خبيرة التربية المتحفية: إن تاريخ الاحتفال بالمولد النبوي سياسي في المقام الأول؛ لاستمالة الشعوب لكل حكم جديد، وذلك عن طريق تقديم الحلوى والطعام للرعية، في كل مناسبة دينية، وليس له هدف ديني.


وأكدت منى صبح، في تصريحات خاصة: إن الفاطميين هم أول من احتفل بمولد الرسول "صلى الله عليه وسلم"، وذلك لما واجهتهم صعوبات عديدة في بلاد المغرب، وكثر عليهم الثوار والخارجون، أراد خلفاء الدولة الفاطمية البحث لهم عن مكان جديد، يكون موطئ قدم لعرش وكرسي دولتهم، وبالفعل استطاع جوهر الصقلي قائد جيوش المعز الفاطمي أن يدخل مصر، في شعبان سنة 357هـ، واستمر لمدة أربعة سنوات يشيد مدينة "القاهرة"، ودخل المعز القاهرة في شعبان سنة 361هـ.

وأضافت خبيرة التربية المتحفية: إن المعز الفاطمي كان شخصية شديدة الذكاء، أدرك أن عليه مهمة صعبة في أرض مصر؛ لاختلاف العقائد، فأهل مصر سُنة، لا مكان بينهم للشيعة أو الباطنية أو الإسماعيلية، وأدرك المعز أنه سوف يلاقي صعوبات جمة، ففكر في وسيلة يستميل بها قلوب العامة، فرأى أن أقرب السبل للوصول لرضا أهل مصر هو عمل شيء يدل على الولاء للنبي صلى الله عليه وسلم وآل البيت، لما كان عند أهل مصر من ميل لهم واعتقاد فيهم، فأحدث المعز الفاطمي بدعة الاحتفال بالمولد النبوي، وجعله مقدما على عيدي الفطر والأضحى، وأغدق فيه بالأموال والعطايا على الفقراء، وعلق الزينات، وأقام الولائم، وسير المواكب العظيمة والجند الكثيرة بالأعلام والأبواق، فاستولى بتلك الاحتفالات والشعائر على قلوب العامة، وفتنهم.

وتابعت منى صبح: إن الاحتفال بالمولد النبوي بدعة تمت عقب القرون الثلاثة الفاضلة، وأن أول من أحدثها هم الفاطميون، وكان الدافع لعقد تلك الاحتفالات البدعية سياسيا في المقام الأول؛ لكسب ود أهل مصر، وأن أول من احتفل بالمولد النبوي هم بنو عبيد القداح (الفاطميون).

عهد الدولة الأيوبية

أشارت الدكتورة منى صبح، إلى أن جميع مظاهر الاحتفالات الدينية ألغيت، وكان السلطان صلاح الدين الأيوبى يهدف إلى توطيد أركان دولته؛ لمواجهة ما يهددها من أخطار خارجية، واقتلاع المذهب الشيعي، بمحو جميع الظواهر الاجتماعية التي ميزت العصر الفاطمي، ولكن في مدينة إربل بشمال العراق، وفي ظل عصر الدولة الأيوبية، كان حاكمها ينفق ثلاثمائة ألف دينار كل عام، وكان يصل إليه من البلاد القريبة عدد من الفقهاء والصوفية والشعراء، يستمرون في الاحتفال من شهر محرم حتى أوائل ربيع الأول، فكانوا يخرجون الإبل والبقر والغنم قبل المولد بيومين، ويزفونها بالطبول والأناشيد إلى الميدان، ويشرعون في ذبحها وطبخها، فإذا جاءت صبيحة المولد، اجتمع الناس والأعيان والرؤساء، وتكون الموائد للعامة.

الدولة العثمانية

أما عن مظاهر الاحتفال بالمولد النبوي في الدولة العثمانية، فقد كان السلطان يركب جوادا من خيرة الجياد، بسرج من الذهب الخالص، ويسير بين صفين من الجنود، وخلفهم كبراء وعظماء الدولة، بملابسهم الرسمية التشريفية، وعلى صدورهم الأوسمة، وخلفهم العامة، ثم يدخلون المسجد ويبدأون الاحتفال بقراءة القرآن، ثم بقراءة قصة النبي محمد "صلى الله عليه وسلم"، وينظم بعض المشايخ حلقات للذكر، فينشدون، وترتفع الأصوات بالصلاة على النبي إلى فجر اليوم التالي.

عصر المماليك

فقد شهد المجتمع المصري رفاهية كبيرة، وكانت السلاطين حريصين على مشاركة رعاياهم الاحتفال بهذه المناسبة، فعندما تحل الليلة الكبيرة من الاحتفال بالمولد، يقيم السلطان بالحوش السلطاني خيمة في القلعة، ذات أوصاف خاصة، تسمى خيمة المولد، وكان أول من وضع هذه الخيمة السلطان «قايتباي».

وفى الليلة الختامية يظهر المقرئون براعتهم في التلاوة بآيات الذكر الحكيم، ويتعاقب واحد بعد الآخر، وكلما فرغ مقرئ أعطاه السلطان صرة بها 500 درهم فضة، ثم يأتي بعد ذلك دور الوعاظ، واحدا تلو الآخر، كلما فرغ الواعظ ناوله السلطان صرة بها 400 درهم فضة، وأعطاه كل أمير شقة حرير، وبعد صلاة المغرب تمد أسمطة الحلوى السكرية المختلفة الألوان، وفى صباح يوم المولد يوزع السلطان كميات من القمح على الزوايا.

وذكر المؤرخ «عبدالرحمن الجبرتي» الذي عاش في زمن الحملة الفرنسية على مصر: إن «نابليون بونابرت» اهتم بإقامة الاحتفال بالمولد النبوي الشريف سنة (1213ه 1798م) من خلال إرسال نفقات الاحتفالات، وقدرها 300 ريـال فرنسي، إلى منزل الشيخ البكري (نقيب الأشراف في مصر) في حي الأزبكية، وأرسلت الطبول الضخمة والقناديل، وفى الليل أقيمت الألعاب النارية؛ احتفالا بالمولد، وعاود نابليون الاحتفال به في العام التالي؛ لاستمالة قلوب المصريين إلى الحملة الفرنسية وقادتها.

أسرة محمد علي

واستمرت مظاهر الاحتفال بهذه المناسبة في عصر أسرة محمد علي، ونقل مقر الاحتفال من القلعة إلى أشهر الأماكن التي عرفت بـ «الساحة الرحبة» في بركة الأزبكية، وكانت تنصب السرادقات للدراويش، وحلقات الذكر للمنشدين الهاتفين طوال الليل، وفي الختام توزع الحلوى وشراب الليمون على الحاضرين، ومما يزيد المشهد رونقا وبهاء، سرادق «خيمة الحضرة الفخيمة الخديوية»، المحلى بأبهى زينة، ويزدحم حوله الناس ازدحاما لا مثيل له؛ لمشاهدة هذه الأذكار، وسماع الأناشيد، ورؤية النيازك.

واستمرت هذه الظاهرة حتى ألغيت في عهد الخديوي توفيق، باعتباره عملا لا إنسانيا، يتنافى مع مبادئ الإسلام السمحة.

وفى عهد الملك فؤاد، انتقلت ساحة الاحتفال إلى العباسية، وتولت وزارة الأوقاف والهيئات الحكومية إقامة السرادقات طوال فترة الاحتفالات.
Advertisements
الجريدة الرسمية