رئيس التحرير
عصام كامل

الإعدام الاجتماعي للكبار!


حققت مصر المركز الخامس عالميًا في تجارة دولية لبيع وشراء الأعضاء، الكبد والكلى والأنسجة.. لدينا اليوم مركز للعــار يستحق الزهـــو به! تلك هي المرافقة الموجعة المخزية.. أن تتباهى بجريمة تسبق بها أكثر من ١٨٠ دولة !


ليست الصدمة التي تكشفت جوانبها وأعماقها فجر الثلاثاء أمس الأول، هي أن الصفوة الطبية في مصر تمارس النخاسة والجزارة في لحم البشر فحسب، بل الصدمة الحقيقية هي أنها تابعة لعصابة أكبر، تخطط وترسل التعليمات، وتحصل على الكلى والكبد المطلوبين.

والضربة العنيفة التي وجهتها هيئة الرقابة الإدارية ووزارة الصحة معًا، بعد رصد ومتابعة لستة أشهر متصلة لأطباء تجار ووسطاء ومشترين عرب، كشفت عن تجذر الفساد وتغلغله في البنية الاجتماعية في مصر.. الفساد السياسي تفوح روائحه، من الممارسات ومن التصريحات، ومن تناقضات «السياسي» وأكاذيبه والتطورات التي تطرأ على مواقفه وثرواته.. أيضًا، يمكن رصد الفساد في المال العام وبسهولة، لكن الأصعب حقًا هو أن تضرب يدك في بطن الأرض المصرية فإذا بالعفن هو فطر الصفوة.

بالقبض على أساتذة طب كبار بكليتي طب القاهرة وطب عين شمس، وعدد من الأطباء في مستشفيات خاصة ومراكز صحية خاصة، ضمن ٤٥ متهما بالاتجار في أعضاء فقراء مصر، تساءل المصريون السؤال التقليدي الذي يداهمهم كلما سقط وزير برشوة أو قاض برشوة أو مخدرات أو صحفي كبير، أو أي رجل غني مستغنٍ: لماذا يسرقون ؟!

مفهوم إنساني أن يسرق فقير أو مضطر، ولسوف يعاقبه القانون بالطبع، لكن ما يحير حقًا هو أن يمد الغني المستغني يده ليسرق وهو مستمتع بتراكم مئات الألوف والملايين !

هؤلاء أطباء كبار، وأساتذة جامعيون في كليات قمة علمية واجتماعية، لديهم عياداتهم الخاصة، ووراءهم تاريخ طويل من التقدير الاجتماعي، فما هو الدافع الحقيقي الخفي وراء الذهاب إلى جريمة قطع عضو وزرعه في جسم إنسان آخر.. الذي يبيع حتة من جسمه هو فقير مضطر بكل المقاييس، ضاقت به الدنيا وانسدت كل الأبواب والنوافذ، ولم يعد أمامه سوى فتح جسمه وبيع عضو منه لشخص غني يتمزق جسده ألما ويشتعل رغبة في الحياة، بأي ثمن !

ثمن الكلية ١٠٠ ألف دولار، يحصل الفقر عليها بالجنيه، مائة ألف! والباقي بالدولارات تذهب لجيوب وحسابات الشبكة الأكبر في مصر للاتجار بالبشر.

مفهوم الاتجار بالبشر يتسع ليشمل تجارة العبودية الجنسية، من خطف للفتيات والنساء والصبيان، والغلمان، وتهريبهم وتدريبهم، وتسخيرهم في صناعة البغاء في الغرب وفي آسيا، وفي بيوت سرية بالمنطقة العربية.. الشبكة المصرية المقبوض عليها لا تمارس هذه الرذيلة، بل تمارس الجزارة بضراوة، وبعمد وبتحايل.. القانون المصري يمنع البيع والشراء في الأعضاء، ويسمح فقط بالوهب والتبرع من أقارب الدرجة الأولى ومن الزوجة لو مر على الزواج ثلاث سنوات.. الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي تسمح بسوق تجارية رسمية لبيع وشراء الأعضاء هي إيران، بشرط أن يكون البيع من إيراني لإيراني فقط.. سنغافورة وأستراليا أيضًا يسمحان.

قوانين الوطن إذن لا تسمح، والأطباء يعلمون أنها لا تسمح، ومع ذلك اختاروا أن ينتهكوا القوانين وحرمة الجسد المحتاج، ليضيفوا ملايين على ملايينهم! فعلا فعلا ماذا ينقصهم ؟

المجازفة؟ المغامرة؟ القذارة؟! حصلوا عليها بجدارة وتم إعدامهم اجتماعيًا قبل أن تعدمهم المحاكم بالمؤبدات!
ما تكشف في التحقيقات والأحراز، في ظنى، هو الجزء الظاهر من جبل الجليد.. الأيام القادمة ستصدمنا بمفاجآت جديدة من الفساد الاجتماعي في نخبة العـــــار.
الجريدة الرسمية