رئيس التحرير
عصام كامل

اضربوهم بـ«عصا عرفان»


ينصح بعض مدربي الإعلام الشخصيات العامة بعدم الرد على الأسئلة الموجهة لها في اللقاءات الإعلامية، قبل أن يعطوا لأنفسهم مهلة ثوان قصيرة لترتيب أفكارهم قبل الحديث.. وهي نصيحة مفيدة قد تدل على دراية المدربين بحكاية "عرفان"!


والموضوع يعود للوالي محمد سعيد باشا، والذي سأل يومًا حلاقه "ماذا سيقول التاريخ عن رئيس الخدم عرفان؟" فأجاب الحلاق العجوز سريعًا دون تفكير "سيقول إنه لم يكن يُجيد شيئًا سوى الأكل والشرب والتدخين والنوم"، وبعد أيام قليلة عُوقب العجوز على خطأ بسيط ارتكبه بالضرب خمسة عشر ضربة شديدة بالعصا على مؤخرته، وبعد تنفيذ العقوبة القاسية، وبينما يحاول الحلاق التقاط أنفاسه اقترب منه رئيس الخدم وقال: "تستطيع الآن أن تٌضيف للتاريخ أن عرفان كان يُجيد استخدام العصا!".

أحيانًا يتورط المسئول في إبداء تصريحات غير منضبطة ولا يفهم عواقب حديثه إلا عندما تطوله عصا عرفان. ولأن خير "الخلال" حفظ اللسان، فعلى المسئول التذكر - قبل الوقوف أمام الكاميرا - بأن قوة الكلمة قد تُقيم الدول أو تنهي الممالك، فأوراق قليلة كتبها "تيودور هرتزل" كانت بداية لتأسيس دولة الاحتلال الإسرائيلي، وكلمة وشاية واحدة من "زيد بن عدي" أمام ملك الفرس أدت إلى دمار دولة المناذرة ومقتل الملك النعمان.

التسرَّع في إطلاق التصريحات تسبب في إقالة وزيري عدل متتاليين في أقل من عام، كما أدى استرسال مسئولين آخرين أمام الكاميرات في التشكيك في كفاءتهم، وعدم الفهم الواضح للرسائل التي يرغبون في طرحها، بجانب إعطاء الفرصة لبعض وسائل الإعلام لإعادة صياغة تصريحاتهم بشكل يُضعف من الصورة الإعلامية للدولة والمسئولين عن إدارتها.

غياب الرؤية الواضحة في التعامل مع الإعلام تجعلنا نفكر في مدى احتياج الدولة لإستراتيجية إعلامية لمخاطبة الجمهور، مع الانتباه للطبيعة الخاصة لرواد وسائل التواصل الاجتماعي -والتي أصبح يستخدمها أكثر من ثلث المصريين- حيث تمتاز هذه المواقع بحدة النقاش، وغياب الموضوعية في تناول القضايا في أحيان كثيرة، بجانب كونها بيئة مناسبة لنشر الشائعات والاغتيال المعنوي للأفراد والمؤسسات، مما يجعل مشاركة الدولة بها ضرورة لتوعية الرأي العام، وإمداد الجمهور بالمعلومات الصحيحة، وذلك بالتزامن مع إيقاف ماكينة التصريحات العشوائية.

على المسئولين ضبط تصريحاتهم حتى تصمد الدولة في حرب البقاء الصعبة التي تخوضها أما من يسترسل في الحديث دون تفكير فعلينا ضربه بعصا عرفان.

الجريدة الرسمية