رئيس التحرير
عصام كامل

مطبات في قانون الاستثمار ؟


شهدت الأيام القليلة الماضية عدة مناقشات حول قانونين مهمين للغاية، هما قانون تنظيم عمل الجمعيات الأهلية، وقانون الاستثمار.. وحقيقة الأمر أن هذين القانونين على وجه التحديد يحددان قبلة الدولة المصرية في الأيام القادمة.. وبما أننا عادة نتفق مع الدولة في النتائج المراد الوصول إليها، بيد أنه عادة ما يكون الاختلاف معها حول إجراءات تحقيق تلك النتائج.. ولعل ذلك هو لب الخلاف دائمًا بين النظام الحاكم ومعارضيه خلال الحقب الزمنية المعاصرة.


والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، هل السياسات التي تتتبعها الدولة دائمًا تصب في مصلحة الفقراء؟ أم أن لهذه السياسات نتائج أخرى، غير تلك التي كانت تستهدفها الدولة؟

وحتى تنجلى الحقيقة كاملة؛ علينا أن نناقش الأمر بشيء من الحيادية.. فلو أردنا الحكم على جدوى قانون الاستثمار من عدمها.. فعلينا الرجوع إلى مشكلات الاستثمار في مصر والتي لخصتها معظم التقارير الاقتصادية في:

أولًا: العمليات الإرهابية المتكررة والتي تتسبب في عدم الاستقرار الداخلى؛ الذي يعد دائمًا دافعًا مركزيًا لطرد الاستثمار، وأعتقد أن الدولة تمكنت من محاصرته بشكل كبير، وجعلته شبه معتقل في سيناء، ينتظر لحظة الإبادة الكاملة..

ثانيا: المنظومة المنظومة الضريبية التي تمثل عبئًا كبيرًا على محفظة المستثمريين، خاصة أنهم يرون أنهم لا يحصدون أي مردود لهذه الضرائب على مشارعهم الاستثمارية! وبالتبعية فإن المستهلك هو الذي يتحمل العبء الأكبر من هذه السياسات الضريبية.. وأتصور أن الدولة في هذا الملف ما زالت تسير في الاتجاه الغلط !

ثالثًا: البيروقراطية وصعوبة الحصول على التراخيص.. فعادة ما كانت تتم هذه التراخيص بطرق غير مشروعة كان الفساد هو عنوانها الرئيسى.. الأمر الذي بالإضافة إلا أنه أسهم في تطفييش المستثمر الأجنبى أسهم أيضًا في سد نفس المستثمر المصرى الذي راح يضخ معظم أمواله في العقارات.. الأمــر الذي حبس النصيب الأكبــر من الثروة المصرية داخل كتل خرسانية عالية التكلفة، لا يسكنها سوى 20% بشر، والباقى خفافيش!

رابعًا: الأزمة الدولارية التي شهدتها مصر في الآونة الأخيرة والتي أعاقت كثيرًا من الاستثمارات المحلية في مصر، والتي جعلتنا نتساءل عن مدى احتواء قانون الاستثمار الحالى لضمانات كافية لمواجهة هذه الاشكاليات.

ومن خلال قراءة عاجلة لمسودة قانون الاستثمار التي أقرها البرلمان الأسبوع الماضى؛ نلاحظ أنه تضمن فرصًا عظيمة للمستثمر الأجنبى، دون أن يقدم أي محفزات للمستثمر المحلى، حيث إنه فتح الباب على مصراعيه أمام تحويل أرباح الاستثمارات الأجنبية إلى الخارج.. وتعد هذه مخاطرة كبيرة من الدولة؛ فربما تتسبب هذه الميزة في إفلاس الخزانة المصرية من الدولارات بدعوى أنها أرباح؛ في حالة سوء نية المستثمر الأجنبى، التي لم يضعها القانون في الحسبان.. وذلك من خلال قيام المستثمر بعمليات استيراد وتصدير وهمية، تتم من خلال تزوير الفواتير..

فقد رصد البنك الدولى في بند السهو والخطأ خروج 5 مليارات دولار تم إخراجها من مصر خلال العام الحالى منها 4 مليارات دولار خرجت بطرق غير مشروعة.. كما أسفرت التقارير الاقتصادية أن ما خرج من مصر من دولارات خلال الثلاث السنوات الأولى من ثورة يناير ثلاثة أضعاف الميارات التي دخلت، حيث رصـدت التقاريـر خروج أكثر من 8 مليارات دولار في تلك الفترة.. الأمر الذي يدعو البرلمان إلى سرعة الانتباه..

كما على الحكومة أيضًا أن تحتكر تجارة العملة، ولا تسمح تمامًا بوجود سوق موازية، مع الالتزام الكامل بتسعير الجنيه حسب قيمته الحقيقية.. وتوفير الدولار بشكل عادل أمام المستثمرين.. مع تخصيص جهاز لفحص السجلات الحقيقية المستثمرين.. حيث أثبتت التقارير أن جانبا كبيرا من أزمة الدولار الحالية يكمن في أن البنوك كان تبيع الدولار بـ 8.88 جنيهات في الوقت الذي كان يباع فيه الدولار بـ 13 جنيها.. وكانت نسبة المستفيدين من سعر الدولار في البنوك لا تتجاوز 5% من المستثمرين؛ الذين قرروا الاستفادة من فارق السعر بين البنوك وشركات الصرافة؛ مستغلين ثقة الدولة في سلامة نواياهم!

ثانيا: تضمين القانون بمواد تعفى المستثمرين الأجانب من الضرائب والرسوم الجمركية لمدة عشر سنوات مع إعفائهم الكامل من رسوم التأمين على العمالة المصرية.. وفى ذلك مخاطرة كبيرة أيضًا.. أولا لأن كثيرًا من المستثمرين سوف يقبلون على الأسواق المصرية للاستفادة من الإعفاءات الضريبية، وبعد انتهاء مدة العشر سنوات سوف يغلقون أنشطتهم ويبحثون عن بيئة استثمارية جديدة أكثر جذبًا.. أضف إلى ذلك أنهم سوف يخصصون استثماراتهم في سلع استهلاكية لا تخدم الاقتصاد المصرى كمصانع اللبان والبسكوت وغيرها، ثانيًا: إن هذه الإعفاءات ربما تمكن الاستثمارات من منافسة الاستثمارات المحلية؛ الأمر الذي ينتج عنه توقف الاستثمار المحلى؛ وربما يدفع المستثمرين المصريين إلى التفكير في الاستثمار في بلد آخر!

ثالثًا: المادة المتعلقة بتخصيص الأرض بالمجان في المناطق التنموية، وإعفاء المستثمرين الأجانب من الضرائب لمدة 10 سنوات، وهذا إشكالية أخرى.. حيث إننى أتصور أن قيمة هذه الأرض نفسها التي تخصص للمستثمر سواء كان أجنبيًا أو محليًا؛ إذا وزعت على الشباب بالمجان سوف تسهم في حل مشكلاتهم مدى الحياة، وربما تستوعب عددًا أكبر من العمالة!

رابعًا: المادة المتعلقة بإعفاء المستثمرين من 50% من تكلفة الطاقة، وكذلك بإعفائهم من الضرائب على الأفراد والشركات.. أتصور أنه كل هذه محفزات جيدة للاستثمار الأجنبى، لكنها بلا شك لم يتم توجيهها الاتجاه السليم.. لتخدم المستثمر المحلى والأجنبى على حد سواء.. وتستهدف سرعة تخفيف الضغط على المواطن الغلبان، وعد المراهنه على صبره ووطنيته، أو على قدرة الدولة على القمع!

وهنا فإن نطالب البرلمان بإعادة النظر في قانون الاستثمار ومحاولة الاستفادة من تجارب الصين وبعض دول الخليج التي اشترطت إشراك المستثمر المحلى في أي استثمار أجنبى بنسبة لا تقل عن 50%.. مع وضع قيود على خروج الأرباح من مصر أسوة بقانون الاستثمار الجزائرى الذي لا يسمح بتحويل أكثر من 50% من الأرباح.. ومنح مزايا تحفيزية لمن يرغب في استثمار الأرباح محليًا!

وعمومًا فإننى اقترح تقييم قانون الاستثمار، في ضوء المشكلات التي تعترض الاستثمار في مصر، ومدى قدرته على حلها.. في ضوء الالتزام بالسيادة والمصلحة الوطنية، دون الضغط على المواطن، الذي بات غير قادر على تلبية احتياجاته اليومية، في ظل الارتفاع الجنونى للأسعار، وثبات دخله الشهرى الذي قلت قيمته إلى النصف! بمعنى أن تتخلى الدولة عن مصالحها الذاتية عند صياغتها للقوانين، بأن تضع الفقراء كشريك في المسألة!
Sopicce2@yahoo.com
الجريدة الرسمية