رئيس التحرير
عصام كامل

حسن أمين الشقطي يكتب: الاقتصاد المصري ما بين التعافي والغلاء


لابد أن نعترف بتعافي الاقتصاد المصري جزئيا الآن، وخاصة بعد إقرار تعويم الجنيه الذي حقق إنجازات كبيرة قد لا يلمسها الفرد العادي، ما بين حصيلة دولارية تتجاوز 6.3 مليارات دولار من شراء الدولار بالبنوك وأيضا تحويلات المصريين بالخارج، فضلا عن تجميع 200 مليار جنيه حصيلة شهادات الادخار بعائد 20%.


فضلا عن تمكن البنوك المحلية من تمويل عمليات استيرادية بقيمة 2.8 مليار دولار بسهولة، ناهيك عن رفع البنوك لسقف الدولارات المقدمة للمسافرين للخارج إلى 1000 دولار، وأيضا رفع سقف استخدامات بطاقات الائتمان بالخارج إلى 50 ألف جنيه، ونستطيع القول بأن العمليات المصرفية عادت لأول مرة إلى طبيعتها بمصر، بشكل رفع تصنيف الاقتصاد المصري من سلبي إلى مستقر، وهو إنجاز كبير وغير متوقع خلال فترة قصيرة.

وهذا الإنجاز هو ثمرة مقدمة لكل من المنتج المحلي الذي سيستفيد من مزيد من الحماية، وأيضا هو حافز للمستثمر الجديد الذي سيرى الاقتصاد المصري على عتبة الاستقرار.

وعندما نضيف تعديلات التعريفة الجمركية والتي تم بناء عليها رفع سقف التعريفة الجمركية من 20 إلى 60% للعديد من السلع التي يوجد لها بديل محلي، فإننا أيضا نقدم هدية ذهبية للمنتج المحلي بفرض مزيد من الحماية للإنتاج المحلي، بحيث نعزله عن المنافسة القادمة مع الأسواق الأجنبية، وكل هذه المزايا مقدمة للمنتج والمستثمر بالسوق المحلي.

ولكن في مقابل هذه المزايا والنجاحات، فإن كل سياسات الإصلاح كانت تضغط في البداية على المستهلك برفع مستويات أسعار بعض السلع، ولكن الآن فهي تتسبب في غلاء شديد ليس لبعض أسعار السلع، ولكن غلاء في المستوى العام للأسعار، إننا نتحدث عن تضخم عام وجامح، يكاد يهلك طبقات فقيرة ومتوسطة، ويرهق حتى الطبقات الغنية.

فالإصلاح بدءا من إزالة الدعم عن الكهرباء والمياه وضريبة القيمة المضافة ثم إزالة الدعم عن الوقود، ثم تعويم الجنيه، وأخيرا رفع معدلات التعريفة الجمركية، جميع هذه القرارات نعترف أنها قرارات إصلاح مهمة وضرورية وأنها كان يجب تطبيقها منذ سنوات طويلة، ولكن هل في مقدور المستهلك العادي تحمل تبعاتها ؟ وما هي تبعاتها؟

إن التأثير الرئيسي لإزالة كل أشكال الدعم والإعانات المقدمة للمواطن هي رفع مستوى أسعار السلع المرتبطة، وهنا الحديث عن تأثيرات مزدوجة ومتضاعفة في الارتفاعات السعرية، فهذه السياسات يصب كل منها في رفع سعري بشكل معين، فإزالة دعم الكهرباء والمياه والوقود تمثل تكاليف مباشرة ستزداد قيمتها على المواطن، كما تمثل زيادات غير مباشرة في أسعار السلع التي تدخل في إنتاجها.

أما تعويم الجنيه، فقد تسبب في رفع سعر الدولار ومن ثم ارتفاع تكاليف استيراد أي مدخلات مرتبطة بإنتاج السلعة، وكذلك ضريبة القيمة المضافة.

أما التعريفة الجمركية، فإنها تضيف عبئا جديدا بالسماح للمنتج المحلي ببيع منتجاته بسعر أعلى في ظل الحماية المشددة من منتجات رخيصة قادمة من الخارج.

ولو أعطينا مثالا بالفاكهة التي يصل معدل الاكتفاء الذاتي منها نحو 55%، وتم تعديل التعريفة الجمركية عليها لتصل في المتوسط إلى 45% تقريبا، فإنه في ظل تعويم الجنيه وضريبة القيمة المضافة وإزالة أوجه الدعم المتتالية، فإننا نتحدث عن زيادات سعرية متوقعة تزيد عن 100%.

فهل المستهلك قادر على تحمل هذه الزيادات والتكيف معها؟!

إن الإصلاحات الاقتصادية جديرة بالإشادة، فهي حسّنت من بيئة الاستثمار المصرية كثيرا، والمنتج الآن محمي بشكل أكبر عما قبل، بل أن الدولة خفضت حجم إنفاقها على الدعم والإعانات، ولكن هذا التخفيض من الواضح أن المنتج لن يتحمله، بل سيرحله ليتحمله المستهلك كاملا.

أيضا الدولة ستستفيد من الانخفاض الكبير في الطلب على الدولار المطلوب لاستيراد المنتجات من الخارج لأن رفع سقف التعريفة الجمركية الأخير سيمنع كثير من المستوردين من الاستيراد، أيضا فمن يستورد سيدفع تعريفة جمركية عالية تعوض أي طلب جديد على الواردات.

باختصار إن الإصلاحات هي في صالح زيادة وارتفاع رفاهية المنتج والمستثمر وأيضا الحكومة، ولكنها للأسف تصب جميعا في مزيد من الغلاء.

هذا الغلاء كان يمكن أن يكون ارتفاعا عاديا في الأسعار لو تم التدرج في تطبيق هذه الإصلاحات على مدى فترة زمنية ما بين سنة إلى 3 سنوات، بحيث يستطيع المستهلك التكيف مع أوضاع جديدة مع اشتراط أن يتخللها ارتفاع في مستويات الدخول لتعويض هذه الزيادات السعرية.

لكل ذلك أوصي بضرورة فرض رقابة صارمة على متابعة مستويات الأسعار للسلع وخاصة الغذائية منها لكي نحجم من قدرة المنتج على ترحيل أعباء سياسات الإصلاحإلى كأهل المستهلك.

وأنادي في هذا السياق بالتفكير في فرض هامش ربح معين على كل السلع، لا يستطيع المنتج تجاوزه، وهي سياسة مطبقة في كثير من الدول المتقدمة والغربية التي تتبنى نظاما رأسماليا محضا.
Advertisements
الجريدة الرسمية