رئيس التحرير
عصام كامل

الدكتور عمار علي حسن: على السيسي الانحياز لمشروع عبد الناصر وتدعيمه بالحريات والديمقراطية


  • مصطلح المعارضة غير موجود في قاموس النظام الحالي
  • الشعب المصري غفر لعبد الناصر أخطاءه السياسية بدليل جنازته المهيبة
  • عبد الناصر كان عسكريا لكنه استعان بالمدنيين عكس السادات
  • السلطة السياسية ستهندس قانون المحليات بما ينتج مجالس شعبية مريحة
  • القائمة المطلقة المغلقة في المحليات تستبعد جزءا كبيرا من القوى المختلفة مع السلطة
  • ائتلاف دعم مصر أشبه بالحزب الوطنى
  • المشاعر الفياضة التي كانت حول الرئيس منذ 30 يونيو بدأت تتسرب

الدكتور عمار علي حسن، الباحث السياسي.. لا يسعى للبحث عن منصب تنفيذى بالدولة، بل يعتبر أن المناصب معطلة لدوره، وأن الكتابة هي أعظم منصب، يؤمن بما حفره الفراعنة على جدران المعابد القديمة حينما جعلوا الكاتب أعظم وظيفة.
"عمار" عُرض عليه منصب وزير الشباب بعد ثورة يناير مباشرة في حكومة شفيق واعتذر، وتكرر العرض ذاته وكان الاعتذار لا يزال قائما، المنصب الذي ضغط عليه لقبوله ولم ينله.. هو مستشار رئيس الوزراء الأسبق الدكتور عصام شرف، وكان شرطه الوحيد ألا يتقاضى راتبًا، وكما قال "حتى يعلم الناس أنى أعمل بلا أجر".
منذ شهور قليلة استطلع أحد المقربين من السلطة رأيه عما إذا كان من الممكن أن يقبل منصب وزير الثقافة من عدمه فكان رده "لن أعمل مع هذه السلطة، لأننى مختلف معها"، له عدة مؤلفات سياسية ومهتم بالجماعات الإسلامية في مصر والوطن العربي، وعن هذا الأمر وأمور أخرى كان الحوار التالى: 


*بداية.. كيف ترى تعامل النظام الحالي مع المعارضة؟
النظام الحالى ليس في قاموسه كلمة المعارضة، بمعناها الواقعى والحقيقى، لكنه يمكن أن يتفهم جزئيا وجود اختلافات من داخل السلطة، بمعنى أن يتم نقاش داخل أي مؤسسة قبل اتخاذ قرار، لكن لا توجد معارضة بمعنى وجود قوى سياسية منظمة، تطرح نفسها بديلا ولديها برنامج ورؤية مختلفة ولديها رجالها الذين تريد أن تصل بهم إلى السلطة، كما هي عادة المعارضة في النظم السياسية الديمقراطية، أعتقد أن السلطة الحالية لا تفهم هذا الأمر على هذا النحو، وتعتبر ذلك نوعًا من الشقاق أو التشرذم الذي يبدو بالنسبة لها غير مطلوب ويصل عند بعض أطراف في السلطة أو إعلامها إلى حد الخيانة.

*من وجهة نظرك.. ما الدور الحقيقى الذي من المفترض أن تقوم به الأحزاب السياسية في الوقت الحالى؟
لا أعتقد أن الأحزاب في مصر تؤدى دورها ووظيفتها وما المطلوب منها، الأحزاب لا تزال منكمشة، ضعيفة تعمل في كنف السلطة، غير قادرة على طرح بدائل، وكل الأحزاب بلا استثناء ما عدا حالات نادرة، مثل الحزب الديمقراطى الاجتماعى، الوحيد الذي لديه تصور أن من حقه أن يختلف مع السلطة اختلافا جذريا، أو حزب مصر الحرية أو حزب الدستور، هذه الأحزاب مختلفة، لكنها حتى الآن لم تتمكن من صنع قاعدة جماهيرية معتبرة، تستطيع من خلالها أن تطرح نفسها بديلا، باقى الأحزاب سواء من بداخل أو خارج البرلمان، تعمل بالطريقة القديمة التي كانت قبل ثورة يناير، وتعتبر نفسها ليست جزءا من النظام السياسي، إنما هي جزء من السلطة السياسية.
منذ 25 يناير حتى الآن التجربة التي مررنا بها جعلتنا ندرك أن الاحتمالات مفتوحة، وأن مقدرة الشعب على التغيير بلا حدود، رغم تزييف الوعى ومحاولة التأثير في الإرادة والتفزيع والتخويف، الذي يتم لكن ليس هناك ما يمنع أن يتحـرك الشـارع في لحظة، ويحسـم الأمر.
سبب آخر أيضًا يتعلق بالخطر المحدق بالرئيس السيسي، وهو يعلمه جيدًا، الرئيس طيلة الوقت معرض للاغتيال، وهذا أمر معروف، وحتى السلطة السياسية نفسها والرئاسة سربت معلومات أكثر من مرة أن الرئيس تعرض لمحاولات فاشلة، وأيضًا الرئيس نفسه يشعر في لحظة من اللحظات نتيجة أنه جاء بترتيب مع المؤسسة العسكرية أن الأمر ربما يحتاج إلى تغيير من داخل هذه المؤسسة كل تلك احتمالات واردة لذلك مع العلم إذا تحدثنا عن الرئيس السيسي واحتمال ترشحه للانتخابات المقبلة ألا نعتبر هذا أمرا حتميا أو قدرا مفتوحا، فالخيارات مفتوحة والاحتمالات واردة سواء جاءت من أعلى أو المنتصف أو من الأسفل.

*من واقع قراءتك للتاريخ.. هل هناك فرق بين عهد عبد الناصر والسيسي والسادات؟
الشعب المصرى هو الذي غفر لجمال عبد الناصر زلاته وأخطاءه السياسية، بدليل أنه خرج في جنازة مهيبة، أكبر جنازة في التاريخ حتى الآن، مع أن عبد الناصر هُزم قبلها بثلاث سنوات في 1967، وعورات الدولة القمعية ظهرت فيما بعد وأراد تصحيح ذلك، بعد 1968، لكن لم يكن التصحيح شاملا، بينما السادات رغم أنه انتصر في أكتوبر، وأبرم اتفاقية السلام، وقال إن هذا إنجاز كبير، لكن لم يتفاعل المواطنون معه بالشكل الكافى، ولا حتى بنسبة ضئيلة مثلما جرى مع عبد الناصر، مع أن موته كان موتا إجراميا وقاسيا، فالشعب هو الذي يغفر أو لا على حسب مشاعره الجمعية وتقييمه للأمور، والظروف التي تمر بها البلاد حينها وطبيعة التفاعل النفسى مع شخصية الرئيس من عدمه.
والرئيس السيسي كلنا نرى أن المشاعر الفياضة والجارفة التي كانت حوله، منذ 30 يونيو وحتى ترشحه للرئاسة ثم بعد فوزه بـ 6 أشهر، بدأت تتسرب رويدا رويدا، لم تنقض أو تنته بالكامل لكن حجم التراجع في هذه المشاعر أصبح كبيرًا، يمكن للرئيس أن يسترد جزءا كبيرا من هذه المشاعر الشعبية حياله إذا غير سياساته وتصرفت الدولة بطريقة مختلفة، ويمكن أن يخفق في ذلك فتستمر هذه المشاعر في النزيف إلى أن تصبح متدنية، بالتالى يتحول الحكم الطوعى القائم على العاطفــة والعلاقــة الوجدانيـة العامرة بين الشعب والرئيس إلى إكراه أو قابل بالأمر الواقع أو وقوف للضرورة أو وقوف اضطرارى، نتيجة غياب البديل، وهـذا قطعًا يضـر الرئيس السيسي كثيرًا.

*حديثك هذا يدفعنا للتساؤل.. هل انخفضت بالفعل شعبية الرئيس السيسي عن بداية توليه الحكم؟
نحن لدينا ثلاثة طــرق الآن، استطلاعات الرأى التي تقول بين حين وآخر، إن هذه الشعبية تتراجع لكن ليس بقدر كبير، ولدينا تقارير الأجهزة الأمنية التي لا نراها، وتقدم للرئيس ومن المؤكد أنها إن كانت أمينة تقول له إن الشعبية تتراجع، ولدينا العلانية أو ما نشاهده نحن كل يوم وسط الناس، ما نشهده وسط الناس يقول إن ما تقدمه استطلاعات الرأى فيه قدر كبير من المجاملة أو الحياء، حيال شعبية الرئيس لأن هذه الشعبية تراجعت بشكل كبير، لا سيما في الأوساط الشعبية.
الرئيس السيسي بدأ بحمل ثقيل، قال للشعب في جملة بسيطة مصر أم الدنيا هتبقى أد الدنيا، وكل شخص من المصريين شرد في خياله وأطلق العنان لأحلامه ليتصور هذه الدولة، أنها ستصير قد الدنيا، وقبل ذلك بقليل قال الجيش في بيانه الذي أزاح حكم الإخوان إن هذا الشعب لم يجد من يحنو عليه ويرفق به، فربط الناس بين حلم كبير ورفق شديد، وبمرور الوقت لم ينعكس هذا الحديث على الواقع المعيشى للمواطنين، بل وجد بعض المواطنين وجها مختلفا من الرئيس السيسي، انتهى إلى أن قال أصبحنا أشلاء دولة أو شبه دولة، وهذا الكلام أصاب الكثيرين باليأس إلى جانب السياسات الاقتصادية التي لم تضبط الأسعار ولم يشعر الكل بأن الفساد قد حورب بشكل ممنهج وشامل، فهذا هو سر تراجع شعبية الرئيس.
وما ينقص الرئيس السيسي أن ينحاز إن أراد أن يحافظ على وجود المؤسسة العسكرية في السلطة لمشروع عبد الناصر، مع إضافة الحرية والديمقراطية إليه.

*وسط هذا المشهــــد كله.. ماذا تتوقع لانتخابات المجالس المحلية المقبلة؟
المجالس المحلية معركة شرسة نظريا وضروريا، لكن على المستوى العملى هناك مشكلتين، الأولى تتعلق بأن أغلب من يمسكون بأعناق الإدارة المحلية في مصر هم من ضباط الجيش المتقاعدين، وهؤلاء ربما يريدون مجالس شعبية محلية منتخبة مريحة، ولذلك السلطة السياسية من خلال التشريع وقانون الانتخابات المحلية الجديد تهندس هذا القانون على الأرجح بما ينتج مجالس شعبية مريحة، وفى الغالب سيصنعون قائمة مطلقة مغلقة على مستوى الدوائر، وهو ما يؤدي إلى استبعاد جزء كبير من القوى السياسية المختلفة مع السلطة عن التمثيل في المجالس المحلية، نظرًا لأن الدولة ستصنع في كل دائرة قائمتها وتسخر لها من الإعلام والمال وإمكانات السلطة، بينما الآخرون سيخوضون الانتخابات متنافسين، والقائمة المطلقة عيبها أن من يحصل على 50 + 1 يحصل على كل المقاعد، ومن يحصل على 50 - 1 يخسر كل المقاعد، وهى مغلقة وليست نسبية.

*كيف ترى أداء ائتلاف دعم مصر تحت قبة البرلمان؟
أشبه بأداء الحزب الوطنى الذي ظل سنوات يقبل بمعارضة شكلية ديكتاتورية يقمعها ويسيطر عليها، وهو يوفر الأغلبية الميكانيكية التي تضمن تمرير سياسات السلطة وقراراتها وتشريعاتها وقوانينها، الائتلاف يحاول أن يلعب هذا الدور.
الخلاف الوحيد بين الائتلاف والحزب الوطنى هو أن الرابطة، في الحزب الوطنى كانت أقوى من الرابطة بين فصائل الائتلاف، نظرا لأن الحزب الوطنى كان حزبا سياسيا موجودا، فاسدا مستبدا لكنه كان حزبا سياسيا، ومصالح ارتباط العضو بالحزب كانت كبيرة لأن الحزب هو الذي كان يرشح والذي كان ينجح العضو بالتالى كان الارتباط به قويا، وعلاقتهم بالحكومة كانت قوية، وهذه العلاقة لم تعد على حالها في دعم مصر، لكن الابتعاد عنها بالتخويف وأن الدولة تتعرض لمؤامرة، وأن الرئيس يريد برلمانا يعينه ولا يعارضه، وأن الظرف الذي تمر به البلاد يتطلب التكاتف، تحت هذه الأوهام المتعددة يحاول التحالف أن يخلق قدرا من التماسك بينه.
الجريدة الرسمية