رئيس التحرير
عصام كامل

ليديا يؤانس تكتب: لماذا تخدشون حيائي؟!


بالأمس كنت أتسوق بأحد المحال، وكنت أجر أمامي عربة المشتروات، وإذا بأمامي اثنان من كبار السن رجل وامرأة، ربما زوج وزوجة، وربما أصدقاء، ولكنهما كانا يسندان على عربة المشتروات لكي يحفظا توازنهما.


فجأة، وجدت الرجل أبطأ في خطواته، أو بمعنى أصح توقف عن المسير، أنا بالتالي دوست فرامل، لئلا أصدمهما بعربة مشترواتي التي أجرها، ودون توقع، وجدت الرجل يشد المرأة ناحيته، من ياقة الجاكيت الذي ترتديه، ليُقربها من وجهه.

تسمرت مكاني، توقفت ليس لأُقحم نفسي في خصوصياتهما، لأن إذا أنا عملت ذلك، سأكون قليلة الأدب والحياء، ومن حقهم أن يشتكوا عليّ، هذا هو النظام عندنا!

جذب الرجل المرأة ناحيته، ولف ذراعه حول كتفيها وقبلها، وإلى هُنا انتهي المشهد، وبدآ يُكملان مسيرتهما وأنا خلفهما.

من داخلي أنا سعدت جدًا بما شاهدته من هذا الرجل تجاه زوجته أو خليلته، وبالمناسبة لا يعنيني في شيء مدى العلاقة بينهما، أو نوعيتها، إنها شيء خاص بهما وليس أنا!

أنا دائمًا سعيدة، بأن أشاهد مشاعر الحب، ولمسات الحب الرقيقة بين البشر، إنها علامة جيدة على أن المجتمع سويّ، مجتمع ليس عنده كبت جنسي، أو خزعبلات عقائدية، أو ثقافات متخلفة.

من داخلي سعدت جدًا بهذين الاثننن، إنهما لا يمثلان على بعضهما، ولا يحاولان إظهار مشاعر كاذبة لمن حولهما.

سعدت بحبهما، الذي لم يذبل برغم مرور السنين، والشعر الأبيض، وتجاعيد الجلد، والركب المخلعة، والأيدى المرتعشة.

نظرت حولي، لأرى هل من شخص شعر بأن حياءه اتخدش؟!

حمدت ربنا على سلامتهما، لأنهما لا يعيشان في مصر، أو أي بلد ابتلي بالأفكار السلفية والوهابية، التي تريد أن تعكر صفو الحياة القصيرة التي يحياها الإنسان!

حمدت ربنا أن المعاول لم تسقط فوق رأسيهما، أو تقطع رأسيهما، لأن في الواقع ما فعلاه، ليس خدشًا للحياء، بل فعل فاضح في مكان عام!

حقيقي حمدت ربنا، بأنني أعيش في مجتمع ليس متخلفًا، مجتمع محترم، يحترم خصوصيات الناس، طالما لم يضروه في شيء!

في اعتقادي، أن الشخص الذي يتضرر من مشاهدة منظر كهذا الذي رأيته أنا بالأمس، هو شخص مريض تعشعش في نافوخه أفكار وخزعبلات متخلفة، الشخص الذي عنده كبت جنسي، يريد أن يمارس كل غرائزه، لكن المُهم أن تكون في الخفاء، وينظر إليك وكأنه بريء، براءة الذئب من دم يوسف ابن يعقوب، إنه يدين الآخرين ويُظهر نفسه على أنه أشرف الناس وأطهرهم، إنه يعيش في الخفاء مثل الخفافيش، ويطلع علينا بحنجرة عفنة تنطق بالعفن الموجود بداخله، إنه سعيد بأنه لم يخدش حياء الناس كما فعل الأديب العظيم نجيب محفوظ!

أنا لا أخدش حياء قُرائي بأن أذكر اسم أو أسماء من يفتحون علينا حناجرهم بمثل هذا التخلف، والجوع الجنسي الذي يتضورون فيه، فيجعلهم يقرءون كلمة، أو يشاهدون منظرًا، فيبدءون من داخلهم في إعداد مشاهد وأفلام جنسية من تأليفهم وإخراجهم، لكي يصطادون بها من يريدون، وخاصة المفكرين والكتاب والأدباء والفنانين.

حقيقي حمدت ربنا، أنني أعيش في مجتمع راقٍ متقدم، لا يطالب بمحاكمة الناس على أفكارهم، مجتمع لا يطالب بمحاكمة الكُتاب والأدباء على كتاباتهم وإبداعاتهم، مجتمع لم ولن يسمح لأي شخص بأن يتطاول أو يتحرش بإحدى الشخصيات المبدعة، أو الشخصيات المهمة عالميًا، وخصوصًا الحاصلين على جوائز عالمية على إبداعاتهم في أي مجال من المجالات.

هذا أو هؤلاء، الذين سمحت لهم الدولة، من خلال أجهزتها، بأن يفتحوا حناجرهم القذرة، بالتطاول على الكاتب الكبير نجيب محفوظ الحائز على جائزة نوبل العالمية في الأدب!

هؤلاء الذين سولت لهم أفكارهم الشاذة، أو هكذا اعتقدوا أنه بإمكانهم استخراج جثة الكاتب العملاق نجيب محفوظ وصلبها خلف القضبان، والحكم عليه وعلى إبداعاته الأدبية بالحرق، لأنها تؤجج أحاسيس ومشاعر هذا أو ذاك المكبوت جنسيًا والذي تعشعش في رأسه أفكار عقائدية خاطئة.

هذا أو هؤلاء، الذين يريدون تدمير أي شيء حضاري وإبداعي، في مصر أو أي مكان في العالم، مثلما فعلوا في وقت من الأوقات بالمناداة بتدمير الآثار الفرعونية التي هي حضارة، ومصدر رزق لمصر، وريادة حضارية للعالم كله، أنهم طالبوا في وقت من الأقات بتغطية هذه التمائيل، ربما اعتبروهم نساء، والنساء في معتقداتهم عورة ولابد من تغطيتهم!

من الآخر، هذا أو هؤلاء النوعية، الذين ينتمون إلى العصر الجاهلي، الذين يتمتعون بهذا الشذوذ الفكري، يجب التصدي لهم، ليس من خلال الإعلام والإعلاميين والكتاب فقط، ولكن لابد من التدخل الحاسم من جهة الدولة، لحماية الإبداع بكل صوره وأشكالة القديمة والحديثة، يجب أن تتدخل الدولة لحماية المفكرين والأدباء والكتاب لأنهم ثروات بشرية يجب الحفاظ عليهم، أنهم ثروات مادية وثقافية.

نعم يا هذا ويا هؤلاء، لقد خدشتم حيائي، عندما تطاولتم وجرحتم هذا الأديب العملاق العالمي، الذي لم يخدش حياءكم كما تدعون عليه!

الكاتب الكبير نجيب محفوظ، أثري الأدب بكتاباتة الرائعة الإبداعية، ومازالت للآن الأفلام المأخوذة عن رواياته، التي يهاجمونها الآن، تعتبر مصدر إثراء للأدب والفن، مازالت الأفلام المأخوذة عن روايات الأديب العالمي نجيب محفوظ تستحوذ على أعلي مشاهدات بالرغم من مرور سنين طويلة على إنتاجها، هذه الأفلام تستحوذ على أعلي المشاهدات ليس على مستوى مصر فقط، بل على مستوى العالم العربي كله.

مَنْ مِنا سواء من الأجيال الحديثة أو القديمة، لم يستمتع بمشاهدة الأفلام المأخوذة عن روايات هذا الأديب العملاق، الغالبية العظمي من الناس الذين ينتمون إلى الرقي الثقافي والفكري، لا يملون من مُشاهدة الثلاثية (بين القصرين وقصر الشوق والسكرية)، لم يملوا من مشاهدة السراب، واللص والكلاب، وثرثرة فوق النيل والعديد من هذه الأفلام الجميلة.

ما زال أيضًا الكثيرون ممن يستمتعون بالقراءة، تحتل كتب هذا الرائع أولويات قراءاتهم.

حقيقي أنا حزينة لما يحدث لمصر وفي مصر، والذي يحزنني أكثر، هو تهاون الدولة في حماية مصر من أمثال هؤلاء الذين يريدون أن يشدوا الدولة إلى عصر الجاهلية!
Advertisements
الجريدة الرسمية