رئيس التحرير
عصام كامل

ياريت كلامه صحيح !


لابد أن يكون كلام هشام عكاشة رئيس البنك الأهلي قد فُهمت خطأ. لا يمكن أن يكون الرجل قد قال إن زيادة سعر صرف الدولار، بعد التعويم، ليست مقلقة. هشام عكاشة اقتصادى كبير، بينما استمرار زيادة سعر صرف الدولار بالنسبة لكبار الاقتصاديين والمراقبين في مصر مقلقة وتدعوا لمزيد من النظرة الفاحصة.


ربما هناك ما يجب على الحكومة إعادة النظر فيه. ربما أيضا هناك ما أسيء التنبوء به، أو أن هناك ما يجب أن يعاد تقيمه في السياسات الاقتصادية للبنك المركزى.

نشرت الصحف تصريحات لرئيس البنك الأهلي قال فيها إن الاستثمارات لا يمكن أن تدخل بلدا به سعران للصرف، لذلك فإن قرار الحكومة بالتعويم كان تاريخيا كما أسماه.

صحيح الاستثمار لا يدخل بلدا به أكثر من سعر لصرف الدولار. لكن التعويم أيضا قرار صعب اتخاذه وسط ناتج محلى ضئيل، وعملة أجنبية منعدمة، وتضخم عالى بالسوق.

إلى الآن، ما زال قرار الحكومة بتعويم الجنيه على المحك. على عكس ما نُسب إلى هشام عكاشة من تصريحات، فان ارتفاع سعر الدولار، رغم مرور شهر على التعويم مقلق للغاية. التعويم ليس غاية في حد ذاته، مفترض أن التعويم وسيلة لضرب السوق السوداء، والتعامل بحزم مع تجار الدولار.

غياب العوامل المفترضة، لنجاح التعويم، يعنى أنه قد يكون كارثة أحيانا. استمرار ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق المصرية للان يعنى أن عمليات "تخزين الدولار "مستمرة.

البنوك الأجنبية تعرض أسعارا اعلى من البنوك المصرية لشراء الدولار. أغلب تلك البنوك لا ترد الدولار بالبيع للسوق. الأسبوع الماضى تخطى الدولار حاجز الـ 17 جنيها. قبل التعويم قالت الحكومة أن الجنيه المصرى سعره الحقيقى أمام الدولار لن يزيد بعد التعويم على الـ 10 جنيهات و80 قرشا.

وقتها، كان يبدو أن ذلك الكلام ليس منطقيا. الشواهد الآن تؤكد أنه بالفعل ليس منطقيا. سياسة التعويم تنجح في وجود ناتج محلى، وفى وجود تدفقات دولارية في السوق. للآن لا ناتج محلى، ولا تدفقات دولارية في السوق المصرية. في هذه الحالة طبيعى أن تصل معدلات الطلب على الدولار إلى أعلى من معدلات العرض.. طبيعى أيضا أن يرتفع سعر الدولار. هذا ما يحدث الآن.

هناك من يتكلم على أن الحكومة قد تلجأ لسد الفجوة الدولارية في السوق، عن طريق قرض صندوق النقد. لو فعلت الحكومة تبقى مصيبة. فما الذي سيحدث بعد استنفاذ مبلغ القرض؟ وهل معنى هذا أن قرض الصندوق، سيوجه لأغراض غير استثمارية، مثل سد فجوة الدولار بالسوق، أو سد عجز الميزانية؟

حتى الآن لم تقل الحكومة ما الذي ستفعله بقرض الصندوق. لم تنف ولم تؤكد ما إذا كان صحيحا أنها ستعتمد على قرض الصندوق في سد فجوة الدولار. لهذا يبقى قرار الحكومة بالتعويم للآن.. "على المحك".

الوضع الحالى، كما يبدو أن المضاربة في الدولار انتقلت من الأفراد إلى البنوك الأجنبية. استمرار ارتفاع سعر الدولار يعنى أن الأزمة لم تنته. كل ما حدث أن الحكومة التي أرادت خفض سعر الدولار في السوق بالتعويم، أدى قرارها بالتعويم إلى تقنين سعر السوق السوداء، ثم زاد سعر الدولار بعد التعويم، عن سعره قبله.

لابد أن تكون الصحافة قد نقلت كلام هشام عكاشة خطأ. لابد أن هناك لبسا ما. لا يمكن لاقتصادى كبير أن يقول مثل هذا الكلام. هشام عكاشة رئيس البنك الأهلي، والبنك الأهلي نفسه يعانى من مضاربات البنوك الأجنبية على سعر الدولار. المصريون يبيعون الدولار للبنوك الأجنبية، بمقادير أكبر من بيعها للبنك الأهلي وبنك مصر. البنوك الأجنبية تشترى بسعر أعلى من البنوك المصرية. البنوك الأجنبية تشترى أكثر مما تبيع. المعنى أن السوق "السوداء" شغالة على كبير.. وعلى هادى.

بعضهم يقول إن الاستثمارات الأجنبية في الطريق، وأن دخول استثمارات السوق المصرية، سيعمل بالضرورة على خفض الدولار. السؤال إذن: ما الذي كان من المفترض أن يحدث؟ تعويم الجنيه أولا ثم انتظار الاستثمارات الأجنبية.. أم انتظار الاستثمارات الأجنبية ثم تعويم الجنيه؟.

لو كان ما نسب إلى هشام عكاشة من تصريحات صحيحا، فالأزمة أيضا في هشام عكاشة، وفى معلوماته عن نظريات ومنحنيات الاقتصاد.

على كل، قرار "التعويم" مايزال على المحك إلى الآن. تمنياتنا أكيدة بأن تثبت الأيام عكس ما سبق. تمنياتنا أن يكون كلام هشام عكاشة صحيحا.
ياريته يبقى صحيح.

wtoughan@hotmail.com
twitter: @wtoughan
الجريدة الرسمية