رئيس التحرير
عصام كامل

الكنعانية تصرخ !!


لم أكن أستطعْ أن اصطحب ابنتي معي حيث مكانه في صيدا، صيدا التي كانت من أشهر المواني على ضفاف البحر المتوسط جهة الشمال من إسرائيل، كما عُرفت بالثراء وازدهار التجارة والعلاقة الطيبة مع أسرائيل أيام داود الملك(2صم5،11 ) ولكن بالرغم من هذه الميزة إلا أنها تمادت في الشر والفساد حتى إن ملكها ادعى الألوهية (حز 28: 1، 2) حتى أن كثرة الشر فيها جعلها تفرح بتدمير أورشليم سنة 586ق.


دخل السيد المسيح الطبيب الحقيقي ليشرق عليها بنوره العظيم، وليضيء بإشراقه الدرب الكئيب ويهزم الظلال الكثيفة من بهائه، ويهب شفاءً للمجروحين، ويعطي سمعًا للصم، ونورًا لمن هم بلا نور، وليطهر البرص وليطرد الشياطين الذين تسلطوا على الإنسانية وكانت ابنتي من بينهم حيث تسلط عليها عدو الخير مُعذبًا اياها كل يوم حتى يفسدها، وبمكره يعذبها بين العثرات..

تسللت إلى الأخبار أنه– تبارك اسمه – يجول فأسرعت نحوه حيث مكانه. حيث كان المشهد يوحي بضجيج طوفان بشر، وجوه يعلوها شغف بما يحدث، الكل يحاول أن يجد لنفسه مكانًا، مشاجرات بلا جدوى، أصوات تتداخل وكأنها لحن نشاز يشمئز له الإنسان، يعلن عن الخروج من نطاق إنسانية الفرد في مجتمع لا يعرف للهدوء معنى ولا للسكينة مكان.

وبالرغم من كثرة المحيطين به والمسافة البعيدة عنه إلا أنني شعرت وأنه قريب مني جدًا فبدأت أصرخ بين الجموع: يا ابن داود ترحم علي لأنني مسبية، وهوذا ابنتي تُقاد من قبل الكذاب وأبو الكذاب، هوذا المطلب من اختصاصك لو شئت.. ربي: مبغض المراحم خطف ابنتي وانا سمعت عنك انك طارد الابالسه.. انا الكنعانية بنت الوثن أتيت إليك لاعنه ومحتقره لكل صنم باطل.. يا أبي دعني أدعوك يا أبي وأتجاسر وأطلب أن تطرد كل غريب من ولايتك.. ابنتي مُعذبه، وانت ابن داود فكن غيورًا واقتله مثل جليات. داود أبوك خلص الجماعة وصار ملكًا وازال عار الفلسطيني. داود أباك قتل ذئبًا لأجل إنقاذ خروف حتى يحرس قطيعه بعناية وبدون أذى.. ربي أنت مهتم برعيتك أكثر من داود، مُرْ إبليس أن يترك الطفله التي أخذها.. اعلم جيدًا انك ما أتيت إلا ولتخلص كل ضعف..

أخذت أصرخ كثيرًا وكثيرًا جدًا ولما أقلقت الرسل بصوت صراخي، اقتربوا منه ليتوسلوا إليه ليطلقني لأن صياحي هيج كل الجمع ولكن لكي يضيف جمالًا إلى صورة إيماني لم يرد. ولكنني كنت أثق أنه يحمل لابنتي الشفاء فتزاحمت أكثر فأكثر وعندما اقتربت منه قلت له بصوت أسيف: ربي أحتاج إليك..

قال لي: لا يَحسُنُ أَن يُؤخَذَ خُبزُ البَنينَ فيُلْقى إِلى صِغارِ الكِلاب. (مت15: 26) فأجبته: من اين يأكل ويقتات الكلب لو لم يسندهُ خبز ابناء صاحبه ؟!.. ربي انت تُقيت النفوس والحيوانات، والفتائت التي يأكلها الكلاب هي خبز، والخمير الواحد يحيي الكلاب والبنين.. الأبن يأكل من المائدة مثل وارث حسن، ويلتقط الكلب تناثر خبزه ليحيا معه.. ربي من كنزك ومن خزائنك يغتني الشعب، وتستند الشعوب المحتاجة إلى تدبيرك، فأنت خبز الحياة ومنك تشبع الطغمات والالوف. خبزك ليس قليلًا حتى يقيت شعبًا واحدًا فقط بل منه يأكل جميع الشعوب ولا يفنى.. ربي اعط لأبنتي من فتائت طبّك.. فمن يستطع أن يفرغك يا بحرًا كبيرًا مليئًا بالخيرات، لأن امواج محبتك تقدر أن تغرق كل العالم.. فتات واحده من معونتك امددها لإبنتي فتشبع منك وتطرد عنها كل أمر شرير..

وفيما أجادله كانت الجموع تزجرني لأتكلم بلين فصارت اهانتي فيضًا لتطويبي ومنه اخذت القوة لأنتصر حيث أنني أمسكته ولم ارخه (نش3: 4) مثل طفل بسيط وأعلنت له أنه مُدين لي ليهبني مراحمه مخاطبه إياه بأنني لو كنت مثل الكلاب فهو من يقوتني ووجب أن يحيي الوارث والمقتنى. وأوضحت له أن حبه وإيماني هما من جعلاني أتجاسر لأتكلم بلغة بسيطة.. الحب خوذه ارتديتها في ساحة المعركة وبالإيمان غلبت وكان لي كما شئت..

وجد السيد المسيح أن جدالي مليء محبة فأخذ إكليلًا كبيرًا ملئ عجبًا وتوجني قائلًا: عظيم هو إيمانك. فشُفيت ابنتي في موضعها في الحال.. حقًا يقدر الايمان أن يقهر الحصون العظيمة، ولما يشرق فلا يقف أمامه حتى الأبالسة.. حقًا يسهل على اللجاجة أن تفتح كنوزه، وتأخد من خزائنه..

قال لي: عظيم هو إيمانك. وكأنه أصر أن يكشفه للجميع ليحث كل واحدًا ليتشبه به فهو الطبيب ومنه تفيض كل المعونات، وهو الينبوع الذي يتدفق بكل حب.. به تطيب نفوسنا ونستنير فهو الذي يحمل ثقل العالم، وعليه تستند كل البرايا ولا يعسر عليه أمر، الذي بمحبته دخل صور وصيدا وصار كخمير الحياة الذي وقع في عجين الوثن بصيدا فطهرها وأزال عنها كل إثم..
الجريدة الرسمية