رئيس التحرير
عصام كامل

لدينا مشكلة وعلينا الاعتراف بها!


في أقل من أسبوعين تداول المجتمع مجموعة من الأخبار، كل خبر منهم حكاية، وكل حكاية كانت كفيلة بشغل الرأي العام في الفضائيات والمواقع الخبرية وفضاء السوشيال ميديا.. تباينت حولها الآراء وانقسمت وأخذ الجدل مداه- ومازال- مثلما يحدث دائما مع كل حادث أو خبر أو أزمة حقيقية أو مصطنعة، وغالبا في مثل هذه الحالات يصبح الواحد منا أمام خيارين إما يكبر دماغه وينأي بنفسه عن وجع الدماغ والقيل والقال، وإما يقرر أن يقول ما بداخله والأرزاق على الله !


مع قناعتي التامة بوجود مؤامرة خارجية على الوطن تستهدف أمنه واستقراره وإسقاطه، رغم ما يردده البعض من أن المؤامرة هي شماعة يتحدث عنها النظام؛ ليعلق عجزه عليها ويتهرب من التزامه بتحقيق آمال وطموحات الشعب، فإن ذلك مردود عليه بأقل جهد ممكن لمن يريد أن يفهم ويستغرق بعض الوقت في قراءة تفاصيل الصورة الكلية لما يحدث في المنطقة، ونحن جزء منها، فيدرك ببساطة ما تم إنجازه من المؤامرة وما لم يتم تحقيقه حتى الآن، وتلك قضية محسومة.

المشكلة الأخطر هي ما يحدث في الداخل.. أزمات تظهر فجأة دون مقدمات تربك الموقف، وتسبب حالة من القرف الذي قصدته في صدر المقال لكنها جميعا تصب في ذات المؤامرة.. إرباك الوطن واستمراره في تلك الدائرة حتى يسقط.. فيحدث ما تابعناه جميعا.

أولا: أزمة مني مينا والسرنجة: وأيا كان هدفها من إثارة شكوى طبيب مجهول لم تفصح عنه ورغبتها في تسييس الواقعة في مداخلة تليفزيونية يشاهدها الملايين، فقد أخذت الأزمة مسارات مختلفة في معالجات إعلامية أثارت القلق والفزع عند الناس، وأثرت سلبا على سمعة مصر في الخارج كدولة حققت نجاحا مقدرا في علاج فيروس سي، وتخطو خطوات مهمة نحو استعادة السياحة في مهرجان ترويج كبير!

ثانيا: أزمة قتيل قسم الأميرية المواطن مجدي مكين، وما أثير حول موته من حكايات وقصص سواء على السوشيال ميديا أو معالجات الفضائيات والمواقع الإخبارية الخارجة عن قواعد المهنية، حيث انقسم المتابعون إلى فرق، فريق يميل إلى التهدئة حتى يتسنى للنيابة العامة وجهات التحقيق كشف ملابسات القضية وتقديم الجاني للعدالة مهما كانت سلطته وحيثياته، وفريق يميل بشدة إلى التسخين وسحب القضية على أرضية فتنة طائفية، لأن القتيل مسيحي والمتهم مسلم، وفريق يميل إلى استثمار الحادث ويعاود إشعال الحريق في جهاز الشرطة، ويعيد للأذهان صورة سلبية للداخلية تم تجاوزها، وفريق يصر دائما على إلصاق كل أزمة بالنظام، باعتباره الفاعل الحقيقي حتى يشغل الشعب عن مطالباته الأساسية من النظام، وكل هذه الفرق تستقي معلوماتها من الفيس وتويتر ومواقع التهييج والإثارة، ولا تستند إلى أدلة واضحة وثابتة فيما تذهب إليه!

ثالثا: عودة أزمة نقابة الصحفيين إلى السطح من جديد، بعد صدور حكم بحبس النقيب والوكيل والسكرتير العام سنتين مع إيقاف التنفيذ، بعد دفع كفالة مالية.. بداية جديدة للتصعيد وخلق أزمة كان يمكن حلها خصوصا بعد أن نسيها الناس تقريبا!

رابعا: أزمة مع أهالي النوبة لم يكن لها أي مبرر، خصوصا وأنهم صمام أمان بوابة مصر الجنوبية، ووقفوا كثيرا أمام محاولات دفعهم لإثارة القلق، وطلبات الانفصال التي روج لها البعض من قبل ورفضها كل أهل النوبة بوطنية وانتماء كبيرين، والدولة منذ عبد الناصر وحتى اليوم تعترف أن لهم حقوقا لم يحصلوا عليها منذ بناء السد العالي، وكثير من الحقوق تم الوعد بتحقيقها، ولم يحدث حتى صارت جزءا من الدستور، ومع ذلك حدثت أزمة!

وحتى كتابة هذه السطور لن تتوقف الأزمات، وأعتقد أنها جميعا مفتعلة، وهناك من يسعي بإصرار لتفاقمها وإشعال النار فيها، وأن هذا الذي يسعي ليس بعيدا عن مؤسسات الدولة، وليس غريبا عن أجهزتها، ومن المؤكد أنه يعرف ما يفعل جيدا، وإلا كيف نفسر ما يحدث كل يوم، وكيف نتجاهل إلى هذا الحد هؤلاء الذين يركبون أمواج الأزمات سواء كانت من صنعهم أو صنع غباء بعض من يعملون في أجهزة مهمة.

القاسم المشترك الأعظم في تفاقم هذه الأزمات وتكرارها هو رد الفعل المتأخر للسلطة تجاهها، أو غياب المعلومات الكافية لمواجهة الأزمة أو كذب المسئول خوفا من المساءلة، فتلتقط خفافيش الظلام هذا العجز وهذا الفشل من إدارة الأزمة لتحقق من خلال ذلك ما تريد، وهذا يؤكد أن هناك خللا كبيرا يصل إلى درجة التعمد ممن يعملون في هذا الوطن، في مواقع مسئولية كثيرة يجب إصلاحه، وعدم السكوت عليه، لأننا بالقطع نعرفه وندرك خطورته، ويجب أن نمتلك شجاعة الاعتراف بأخطاء المسئولين التي وصل بعضها إلى خطايا حتى يمكن اجتياز المرحلة بنجاح.
الجريدة الرسمية