رئيس التحرير
عصام كامل

بالفيديو.. د. نادر نور الدين: هيبة الدولة الآن تهتز والتجار يعيشون أزهى عصور الجشع

فيتو

  • "فاروق الباز" وراء مصيبة سد النهضة لهذه الأسباب
  • الاحتياطي الإستراتيجي للدولة من الأرز صفر
  • أتوقع زيادة أسعار الأرز إلى 20 جنيها إذا نفذ وزير الري مخططه
  • تعويم الجنيه يعود بالفائدة على قطاعي الزراعة والتصدير بمصر
  • أعلنت مرارا رفضي لمنظومة وزير التموين السابق
  • تعامل مصر مع ملف سد النهضة ضعيف ومخز
  • تصريحات وزير الخارجية بأن سد النهضة أمر واقع "استسلام مبكر"
  • حسام مغازي أوصلنا إلى الوضع الحالي لأنه وضع حصة مصر في يد إثيوبيا وحدها
  • التجار أقنعوا الوزير بغير حق بأن عدم استيراد "قمح الإرجوت" سيؤدي إلى "طوابير" أمام المخابز
  • الأرجوت يسبب بترا في اليدين والقدمين وشللا رباعيا
  • انهيار أو انجراف "سد النهضة" بسبب فيضان غزير سيسبب ضررا بالغا لمصر
  • حرب المياه مع إثيوبيا قادمة لا محالة
  • سد النهضة له تداعيات خطيرة على مصر

أدار الندوة: إيمان مأمون - عيد حسن – عبد الرحمن عباس
أعدها للنشر: سمر الورداني – منى محمود
تصوير: ريمون وجيه

جعل همه الأول العلم والبحث، فجانب كونه أستاذا بكلية الزراعة للأراضي والري عكف على دراسة كل ما يخص قطاع الأمن الغذائي المصري والعالمي، إضافة إلى الموارد المائية وسبل استغلالها، وله مؤلفات عديدة في هذا الشأن مما أهله لشغل منصب مستشار وزير التموين سابقا، يعد موسوعة علمية لم يحسن استغلالها بعد لما له من رؤية تمكنه من تفنيد الأسباب للوصول لحلول إلى جانب وطنيته وصدقة الشديد الذي تقرأه على ملامحة عندما تثار قضية تمس الأمن القومى المصرى أو تعرض مصر لأزمة ما وراءها جشع المستغلين، إنه الدكتور "نادر نور الدين" الذي حل ضيفا على صالون "فيتو" لنفتح معه ملف أزمتي السكر والأرز ورؤيته للخروج من الأزمة، إضافة إلى حقيقة انتشار فطر الأرجوت في مصر وآخر مستجدات سد النهضة الأثيوبي.. وإلي أهم ما جاء بالندوة:

* أزمة نقص السكر والأرز باتت تؤرق الشارع المصري، الأسباب والحلول في رأيك؟
تضخ المصانع نحو 2.4 مليون طن سكر سنويا، ونستورد مليون طن من الخارج، وتنتج مصانعنا نحو70% من احتياجاتنا، ونستورد 30% من الخارج غير أن وزير التموين السابق "خالد حنفى" استنفذ كل احتياطي الدولة من السكر دون إذن الحكومة أو رئيس الجمهورية، ليفاجأ وزير التموين الجديد بأن الاحتياطي الإستراتيجي للسكر صفر، في ظل انتهاء موسم تصنيع السكر وإغلاق المصانع حتى شهر يناير، وفبراير القادم، وما تسبب في تفاقم الأزمة أيضا هو عدم اعتراف الجهات الرسمية بها وإصرار وزير التموين على أن الدولة لديها مخزون من السكر يكفي أربعة أشهر، بما يخالف ما يراه الناس على أرض الواقع، إضافة إلى استيراد الوزير السكر من البرازيل بدلا من الهند أو تايلاند ما تسبب في تأخر وصول الشحنات، لذلك أتوقع استمرار أزمة السكر لنهاية الشهر الجاري لحين وصول السكر من البرازيل.

* وبرأيك ما سبل حل الأزمة؟
أعلنت مرارا رفضي لمنظومة التموين الجديدة التي وضعها وزير التموين السابق، والتي تقوم على منح المواطن 15 جنيها، ورفع يد الدولة عن السلع الأساسية، من زيت وسكر وأرز وخلافة، وأري في العودة إلى النظام القديم حل للأزمة، بالإضافة إلى أنه كان من الضروري التنسيق مع التجار قبل توقفهم عن استيراد السكر في ظل ارتفاع سعر الدولار.

* إذن أنت تستبعد ما تناولته بعض وسائل الإعلام عن تورط الإخوان في أزمة السكر؟
تابعت بعض الأخبار التي نشرت عن ضبط تجار ينتمون إلى الجماعة الإسلامية بعد تخزينهم كميات ضخمة من السكر، وهذا في رأيي ليس غريبا عليهم فهم لا يعترفون بالوطن، ولا يشعرون بالانتماء إلى مصر، إضافة إلى رغبتهم بالانتقام، ولكن كل هذه الممارسات لا ترقي إلى صناعة أزمة حقيقية في السكر كالتي نعيشها الآن فلو كان لدينا إحتياطى يكفى لما تعرضنا لهذه الأزمة مهما حدث.

* وماذا عن أزمة الأرز خاصة وأن مصر إحدى الدول التي لديها اكتفاء ذاتي منه؟
أغرب ما في الأمر هو أن مصر لديها فائض في زراعة الأرز، إضافة إلى وقوع الأزمة في بداية موسم الحصاد، وهذا ينضم أيضا إلى سلسلة أخطاء وزير التموين السابق خالد حنفي الذي وضع سعرا جائرا لتوريد الأرز بـ 2400 جنيه للطن، بغرض إخراج الحكومة من منظومة استلام الأرز وترك الأمر إلى التجار، وأعلنت وقتها رفضي مؤكدا أن في هذا القرار ظلم للفلاح، وأن التجار سيزايدون على سعر الدولة وسيعملون على رفع السعر إلى 3400 جنيه للطن، وهذا ما حدث بالفعل، حيث لم تتسلم الدولة طنا واحدا من الأرز وباع الفلاحون محصول الأرز إلى التجار، ووقف وزير التموين الحالي مكتوف الأيدي ولم يزايد على مزايدة التجار، ما أدي إلى أن يخرج علينا وزير التموين الحالي ليعلن أمام البرلمان أن الاحتياطي الإستراتيجي للدولة من الأرز صفر%، وأتوقع أن يرتفع ثمن الأرز في الأشهر القليلة المقبلة ويتراوح ما بين 10 و15 جنيها للكيلو الواحد، بعد أن أصبحت مقاليد الأمور في يد التجار، علاوة على ارتفاع سعر الدولار وما ترتب عليه من ارتفاع سعر الأرز المستورد الذي تعاقدت الدولة عليه مع الهند مؤخرا والذي يطلق عليه المصريين "الأرز البلاستيك" نظرا لعدم مناسبة مواصفاته مع نمط الاستهلاك المصري واستهلاكه كميات كبيرة من المياه والسمن أو الزيت.

* ما صحة ما تردد من أنباء عن أن تقليص مساحة زراعة الأرز في مصر أحد أسباب الأزمة؟
غير صحيح، فالمساحة التي تم تخصيصها لزراعة الأرز هذا العام تقارب المليوني فدان، وما أخشاه هو تقليص تلك المساحة العام المقبل لتصل إلى 700 ألف فدان فقط كما سبق أن صرح وزير الزراعة، ما ينذر بارتفاع سعر كيلو الأرز إلى 20 جنيها على الأقل نتيجة لتحولنا إلى استيراد نحو 2 مليون طن من الخارج.

* ما تأثير تعويم الجنيه على الزراعة في مصر؟
إذا كانت هناك فائدة من تعويم الجنيه فهى تعود على القطاع الزراعى بمصر، ومثال على ذلك محصول القمح، الذي وصل الأردب منه عالميا إلى 600 جنيه بعد ارتفاع أسعار الدولار، ما يخلق منافسة مع البرسيم الذي كان الخيار الأمثل للفلاح، الآن أصبح فدان القمح الذي يطرح من 15 إلى 18 أردبا يحقق عائد يصل إلى 12 ألف جنيه، ما سيترتب عليه زيادة زراعة القمح، وكذلك ستجري الأمور في زراعة الذرة الصفراء، التي نصنف عالميا بأننا رابع أكبر مستورد لها، رغم فراغ الموسم الصيفي من الزراعات.

*وأين دور الدولة ورقابتها على الأسعار ومواجهة جشع التجار؟
كان لا بد أن تفرض الدولة رقابة على كافة مخازن التجار، وتخييرهم بين أن يبيع البضاعة الموجودة حاليا بالأسواق أو بالمخازن بالأسعار القديمة قبيل ارتفاع أسعار الدولار لأنهم استوردوها بالأسعار القديمة للدولار أو أن يتم مصادرة منتجاتهم وبيعها ثم إعطائهم أموالهم بعد انتهاء عملية البيع، لأن ارتفاع أسعار العدس من 12 جنيها إلى 28 والزيت من 12 إلى 24 جنيها في اليوم ذاته الذي ارتفع فيه سعر الدولار ما هو إلا استغلال وجشع من التجار ورضوخ من الدولة، فالتجار يستغلون الدولة، وحديثهم عن السوق الحر ومنع التسعير ما هو إلا حق يُراد به باطل وينبغي على الدولة الالتزام بتجربة الإمارات والسعودية في هذا الصدد، وهيبة الدولة الآن تهتز أمام جشع التجار الذين يعيشون حاليًا أزهى عصورهم في احتلال الأسواق المصرية والسيطرة عليها.

* لماذا نصر على استيراد قمح مصاب بفطر الإرجوت؟
مصر تستورد قمحا خاليا من الإرجوت منذ 60 عاما وحتى الآن، لذا فأنا أتساءل ما الجديد الذي طرأ لكى يُصدر لنا التجار فكرة عدم وجود فرص لإستيراد قمح خالى من الإرجوت، أرجع هذا إلى أن التجار أقنعوا الوزير الجديد بأن عدم استيراد قمح الإرجوت سيؤدى إلى "طوابير" من المواطنين أمام المخابز بالرغم من أننا نمتلك مخزونا إستراتيجيا من القمح يكفينا لخمسة شهور، وللعلم نحن نشتري القمح من روسيا أي أنها تستفيد من هذا الأمر وليست هي من تُصدر لنا إياه، لذلك كان يجب علينا أن نكون نحن المتحكمين في أمر القمح وليست روسيا، لأننا إذا توفقنا عن شراء قمحها ستتبعنا عدد من الدول الأخرى، ولكننى تفاجئت أننا نستسلم للشروط الروسية كاملة، وذلك لأن التاجر سوف يحصل على القمح المصاب بالإرجوت بتخفيض من 25 إلى 50% ويبيعه باعتباره قمحا نظيفا بدون تخفيض.

*وما هي خطورة هذا الفطر على الإنسان وعلى المحاصيل؟
يؤدى هذا الفطر إلى بتر في اليدين والقدمين ومنع وصول الدم إلى الأطراف كما يتسبب في حدوث هذيان وشلل رباعى وصدمة في الحبل الشوكى، لذا لا أعلم سر إصرارنا على القمح المصاب بهذا الفطر بالرغم من أننا نستورد القمح منذ 60 عامًا بدونه وبالرغم من توافر عدة بدائل لشراء قمح خالى من الإرجوت في كازاخستان وأستراليا وأمريكا وكندا والأرجنتين، وأنا بعثت برسالة إلى وزير التموين الجديد أناشده لشراء مليون طن قمح بالأمر المباشر من دولة أخرى وحينها سيجد روسيا راكعة هي والتجار عارضة علينا شراء قمح خالى من الإرجوت، وأعلنت عن استعدادى للذهاب لأداء هذه المهمة، ولكننى تفاجئت في اليوم التالى أن وزير التموين يؤكد لمجلس الوزراء ضرورة شراء هذا القمح المصاب بالإرجوت لعدم وجود فرصة غيرها لإستيراده، وهنا تظهر لعبة التجار في إيهام الوزير بأمور عندما سيدركها سيكون الرجوع عنها مستحيلا، فتم خطف الوزير من قبل أصحاب المصالح وللعلم فإن هذا الفطر له خطورة أيضًا على الزراعات حيث دمر زراعات القمح بالكامل في عدد من الدول.

*كيف ترى تعامل مصر مع ملف سد النهضة؟
تعامل ضعيف ومخز وأعتقد وأرجح أن الدكتور فاروق الباز له دور كبير في موافقة مصر على تمرير سد النهضة، فقد أعلن في بأمريكا أنه من حق إثيوبيا إقامة ما تشاء من السدود من أجل محاربة الفقر حتى لو كان هذا سيؤدى إلى قطع المياه عن مصر، وقال أنه ليس هناك بين مصر وإثيوبيا اتفاقيات تمنع إثيوبيا من إقامة سدود، وفى الوقت ذاته كان هناك عالم إثيوبي أمريكي وهو أستاذ في ميكانيا الكهرباء والسدود بإحدى الجامعات الأمريكية واسمه أصفاو بنينى، قام بنشر دراسة على موقع الأنهار والسدود الدولية تفيد بأن هذا السد عدواني، وأنه لا يستهدف سوى حرمان مصر من المياه، وأنه قابل للانجراف بالمياه في حالة حدوث فيضان غزير وهو يحدث مرتين كل عشرين عامًا، وأشار إلى أن هذا سيؤدي إلى مأساة كاملة في السودان ومصر، حيث ستتعرض عاصمة السودان للغرق تحت المياه بعمق 9 أمتار، وسيتم تدمير السد العالى ومعظم المنشآت المائية في مصر، ولكن مصر محظوظة؛ لأن هذه المياه ستصل إليها خلال 17 يومًا على عكس السودان التي ستصل إليها بعد 3 أيام، وما سبق يوضح الفارق بين رأى العالم المصري وهذا العالم الأثيوبي في إحدى قضايا الأمن القومى لمصر.

* هل قدمت مصر بدائل للجانب الأثيوبي؟
لقد قدمنا عدة بدائل لإثيوبيا لإقامة سدود أخرى ستساعدها على توليد كهرباء بنسبة أكبر من تلك التي ستتولد عن سد النهضة، ولكنهم رفضوا؛ لأن غرضهم حجز المياه والإتجار بها، فالمياه الآن هي بترول الغد وذهب وبلاتين بعد الغد وحرب المياه قادمة لا محالة سيخوضها الجيل القادم خلال ثلاثين عاما من الآن.

* وما الآثار المترتبة على بناء السد؟
أتوقع انخفاض حصتنا من مياه النيل بنحو 10 إلى ١٢ مليار متر مكعب سنويا، وأيضا سيتم تفريغ بحيرة ناصر تماما من مخزون المياه؛ لأن النيل الأزرق لا يستطيع أن يملأ بحيرتين في نفس الوقت، واحدة في إثيوبيا والثانية في مصر وهذه الأمور ستؤدي إلى زيادة العجز المائي المصري الحالي وتوقف جميع مشروعات استصلاح الأراضي أو زيادة الرقعة الزراعية ثم تملح الأراضي الزراعية المصرية بسبب نقص المياه وزيادة الفجوة الغذائية الحالية ووصولها إلى ٧٠٪‏ بدلا من ٥٥٪‏ حاليا، هناك أيضا زيادة زحف مياه البحر على الدلتا وتملح أراضيها وهشاشة أراضي الدلتا أمام تغير المناخ، هناك أيضا احتمال اختفاء الأسماك من بحيرة ناصر ونهر النيل لعدة سنوات بسبب حجز الطمي والمواد العضوية وأوراق وغصون الأشجار التي كانت تأتي مع مياه النيل وحجزها خلف سد النهضة، أيضا مصر ستتكلف مليارات عديده لإنشاء محطات تحلية مياه البحر ومعالجة مياه الصرف الصحي والزراعي والصناعي وأخيرا تراجع نسبة مشاركة القطاع الزراعي في الاقتصاد المصري بسبب نقص المياه بعد سد النهضة

* هناك رأى لبعض الخبراء بأن فترة ملء الخزان ستطول لـ11 عاما ما يؤثر على الأراضي المصرية لفترات طويلة، تعليقك؟
بالعكس إثيوبيا مصرة على الملء في ثلاث سنوات، وهذا خراب؛ لأنه سيخصم ٢٥ مليارا كل سنة من حقنا الثابت في المياه، ونحن نطالب بأن بكون الملء خلال ست سنوات أي نحو ١٣ مليار في السنة، قد نستطيع تحملها، وبالتالي كلما زادت فترة امتلاء البحيرة كلما قل التأثير القوى على مصر.

* هل ترى ضرورة تدويل القضية؟
كنت أنادى منذ 2012 بضرورة تدويل قضية سد النهضة باللجوء إلى الاتحاد الأفريقي ومجلس الأمن، خاصة أن هناك تجارب سابقة شبيهة أعادت حق دول المصب، ويمكننا اللجوء إلى مجلس الأمن باعتبار أن هذا السد قد يتسبب في إشعال الصراع في منطقة شرق أفريقيا، وبالتالى يتحرك مجلس الأمن، تماما كما تقدم الإمبراطور الأثيوبي بشكوى إلى مجلس الأمن ضد مصر عند إقامة السد العالى بدون إذن إثيوبيا، وأثبتنا أنه لن يضرها فجاء الحكم لصالحنا.

* كيف تقيم تصريحات وزير الخارجية بأن سد النهضة أمر واقع؟
أرى أن هذا استسلام مبكر، ولا أجد داعيا للتصريح بذلك، وأنا غير مقتنع بأن السد أمر واقع وأرى أن حرب المياه قادمة وإثيوبيا تتصرف بغباء وتخنق مصر وتجعل خيارها الوحيد هو الحرب، ولقد كان السادات ذكيًا حينما قال أن الحرب القادمة في الشرق الأوسط ستكون حرب المياه وهو ما أكده بعد ذلك بطرس بطرس غالي، لقد كنت ضد الدكتور حسام مغازى بكل قوة لاعتقادى أنه هو من أوصلنا إلى الوضع الحالي ووضع حصة مصر في يد إثيوبيا وحدها تقدرها كما تشاء، لأنه هادن ولم يُبد أي قوة مع الجانب الأثيوبي، أما الدكتور محمد عبد العاطى، الوزير الحالي الذي تقلد منصبه منذ ثلاثة شهور، فقد وضعت أمامه عدة نقاط لتكون محل تفاوض مع إثيوبيا، وهو يري أن الوقت أصبح متأخرًا فما فرطنا فيه لا يمكن استعادته حاليًا.


الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لــ "فيتو"
الجريدة الرسمية