رئيس التحرير
عصام كامل

انشكاح عيسى!


الاعتزاز والانشكاح، والانشياح والانفشاخ، والانبساط والحلاوة، وغيرها من الكلمات الدالة أو غير الدالة ساقها إبراهيم عيسى في مقدمته الأولى التي استغرقت أكثر من ساعة مساء الأحد الماضي، وهو يتكلم عن الإجراءات والقرارات التي اتخذتها الحكومة يوم الخميس الماضي، الخاصة بتحرير سعر الصرف والرفع الجزئي للدعم عن البنزين والسولار وتداعيات هذه القرارات على المواطن.


من حق عيسى أن يقول ما يشاء، وأن يري ما يشاء باعتباره مواطنا مصريا قبل أن يكون إعلاميا وصاحب منبر يطل منه على الناس أربعة أيام أسبوعيا، ولأنه إعلامي يوجه رسالة للمواطن تقع عليه مسئولية أخلاقية عندما يتكلم، فإذا كان الكلام رأيا منقولا عن آخر عليه أن ينسبه لصاحبه، وإن كان كلامه منطلقا من قناعاته الشخصية، فيجب عليه أن يقول: هذا رأيي حتى يضع المشاهد أو المواطن الذي يخاطبه في موقع الاختيار وليس الإجبار.

عيسى وهو يناقش القرارات– في تقديري– اهتم بالشكل، وأغفل المضمون بالتحليل، فصال وجال في وصف إخراج القرارات بفرح العمدة والهيصة والزمبليطة، معلقا أن القرارات ليست جديدة وهي قديمة ومحفوظة وليس بها إبداع ومرمية على الأرصفة في دول العالم من 100 سنة، وأن هناك دولا أخذت بها ونجحت ودولا طبقتها وفشلت، والحقيقة أن ما قاله عيسى ليس بجديد أيضا، لأن أي روشتة دواء يكتبها الطبيب لمريض لا يلتزم بما جاء فيها من جرعات وتوقيتات لن تشفيه من مرضه، فالعيب ليس في الدواء ولكن في الالتزام بتعليمات الطبيب!

أسهب عيسى في وصف الحالة بكلمات جديدة في قاموس الخطاب الإعلامي، وغريبة على مسامع المشاهدين والمتابعين، وأضاف أن الكتائب الإلكترونية التي تنفق عليها الحكومة الملايين لتجميل الصورة وتزييف الواقع بذلت مجهودا كبيرا في الأيام الثلاثة الأولى بعد إعلان القرارات، والحقيقة أيضا لا أعرف من أين جاء برقم الملايين التي تنفق على هذه الكتائب التي تروج للنظام، في حين أن الحكومة لديها مشكلة حقيقية في تسويق قراراتها، وفاشلة في الإعلان عنها بالأسلوب الصحيح، وأنها لا تجيد قراءة من تخاطبهم رغم ما تقدمه، ويبدو أنه نسي أن يقدم الدليل على ذلك..(أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ) البقرة 44.

بعد ما يقرب من الساعة في الوصف وإثبات عدم جدوى هذه القرارات وهذه الإصلاحات دون أن يقدم بديلا قابلا للتطبيق– على الأقل– من وجهة نظره في علاج هذه الأزمة، التي يري أنها وليدة السنوات الثلاث الفائتة فقط، قدم العلاج فقال إن الحل طالما اتخذت الحكومة هذه القرارات القديمة البالية ينحصر في أمرين الأول استخدام الكفاءة في التنفيذ– وأنا معه– والثاني هو الرقابة، وهنا يبدو الأمر غريبا في مفهوم الرقابة التي يراها ويريدها عيسى، حيث وصف مفهوم الرقابة لديه بالحرية (يعني حرية المواطن) بمعني أنه– والكلام لعيسي– طالما الدولة تخلت عن دورها في الرعاية والحماية وتقديم الدعم، فلابد أن ينتهي منطق الوصي طالما أن الوصي لا يدفع، ونتحول إلى دولة المواطن الذي يحكم.. مفهوم جديد للدولة.. ولم يقدم تفسيرا غير أننا شعب يعاني ولا يمكن أن يسلم نفسه إلا لنفسه، وطالما الدولة عجزت عن تقديم الرعاية والدعم(نقعد كلنا ندير.. الإدارة بالحرية)!

الرسالة التي يرسخها عيسى في أذهان الناس هي.. الدولة عجزت وانتهي الأمر، ومن ثم نحن من نحل المشكلة الاقتصادية.. كيف؟ لم يشر من بعيد أو من قريب لذلك، والرسالة الثانية هي نحن الآن في دولة المواطن، وليس دولة الرئيس أو دولة الحكومة أو دولة البرلمان.. باختصار دولة بلا مؤسسات تحكمها (قعدة عرب على أي مصطبة!) هذا هو إعلام الرأي.
الجريدة الرسمية