رئيس التحرير
عصام كامل

شاهد ما شافش حاجة!


«شاهد ما شافش حاجة» تلك العبارة تتكرر على ألسنة أعضاء المجلس القومي لحقوق الإنسان عقب كل زيارة؛ لمتابعة أحوال المساجين في السجون المصري، ويواجهون في كل مرة بعقبات عديدة تحول دون إنجاز المهام المكلفين بها.


وقد أعرب صلاح سلام عضو المجلس، عن قلق وأعضاء الوفد المكلفين بزيارة سجن العقرب من التعقيدات التي يضعها المسئولون في السجون أمام الوفد.. وتحول دون التقائهم بالسجناء.

أكد سلام أمام الاجتماع الأخير للمجلس أن الزيارة الأخيرة بسجن العقرب هي بمثابة «شاهد ما شافش حاجة» بعد أن رفض مأمور السجن مقابلة أعضاء الوفد للمسجونين.

ومن يتابع اجتماعات المجلس القومي لحقوق الإنسان الذي يضم العديد من الأسماء التي تحظي بسمعة عالمية في هذا المجال، كما تستقبل تقاريرها باحترام واسع من المنظمات الحقوقية العالمية، لحرصها على المصداقية واتباع الأساليب الحرفية التي تنظمها القوانين العالمية، يلاحظ أن لدى المسئولين في السجون حساسية شديدة من أنشطة أعضاء المجلس المكلفين بزيارة أقسام الشرطة والسجون، ويعتبرون تقاريرها التي ترصد الأخطاء وتشير إلى المعاملة السيئة التي يتلقاها المواطنون في بعض أقسام الشرطة والسجون، إساءة بالغة لسمعة وزارة الداخلية.. بل يعتبرها البعض تشويها متعمدا لسمعة الدولة، ومؤامرة ضد النظام، بدلا من اعتبارها مرشدا أمنيا للحكام، تدعوهم إلى تصحيح الأوضاع الخاطئة، وتوقيع العقوبات على كل من يرتكب جرائم في حق المواطنين، ما يؤدي إلى اتساع الفجوة بين المواطنين والحكومة، ويزيد من مساحة الغضب في الشارع المصري، وربما يقود إلى نتائج لا تحمد عقباها.

كما أن الذين يعترضون على التزام المجلس بالمصداقية الكاملة يتناسون أنه لم يعد هناك أسرار في عالمنا، بعد أن تنوعت وسائل الاتصال بدليل أن أي حدث صغير يجري في أبعد قرية مصرية، سرعان ما يذاع في «الميديا» العالمية.. وأن السجناء اكتسبوا خبرات عالية في التواصل مع المنظمات الحقوقية سواء داخل مصر.. أو خارجها.

ولو أن المجلس القومي لحقوق الإنسان رضخ للضغوط التي تمارس عليه من جانب أجهزة حكومية وشعبية؛ لفقد مصداقيته التي اكتسبها عبر ممارسات جادة منذ تشكيله، ولترك الساحة أمام منظات تسعي إلى تشويه الحكم في مصر، والطريق الوحيد للتصدي لها، يتطلب الالتزام بذكر الحقائق المجردة وعدم إنكارها، والسعي إلى تصحيح الأخطاء ووقف التجاوزات، بدلا من الحملات الإعلامية التي تشوه كل من يحذر من تلك التجاوزات.

قامت الدنيا ولم تقعد اعتراضا على ممارسات لجنة حقوق الإنسان في مجلس النواب.. ما أجبر رئيسها انور السادات على الاستقالة.. رغم أنه لم يعرف عن الرجل أنه ينتمي إلى المعارضة أو يختلف مع الحكم في مصر، وأشار إلى أن التأييد الحقيقي للنظام يتمثل في التصدي للعنف الذي يمارس ضد المواطنين من جانب الشرطة، ولم يعجب هذا التوجه عددا من أعضاء مجلس النواب الذين شنوا حملة شعواء ضد الرجل، واتهموه بأنه يلجأ إلى الاتصال بمنظمات حقوقية عالمية، ويمدها بمعلومات تشوه سمعة مصر، وانتظرنا أن يتم التحقيق معه ليعرف الذين انتخبوه إذا ما كان بريئا من هذا الاتهام الذي ينقيه، أو أنه أدين من جانب المجلس، وهو ما لم يحدث حتى الآن.. وكان الهدف من وراء الحملة.. إجباره على الاستقالة.. وينتهي الأمر عند هذا الحد.

تم اختيار وجه آخر من لواءات الشرطة السابقين، ليتولي رئاسة اللجنة، ولواء سابق آخر نائبا للرئيس، واعتقدوا أن هذا التوجه سيقيهم من الصداع الناتج عن مواقف الرئاسة السابقة للجنة، التي كانت تركز على رصد العنف الذي يجري ضد المساجين في الأقسام والسجون، وكان أول تصريح لرئيس اللجنة الجديد: لا يجب اختزال «حقوق الإنسان» في الملف الأمني وزيارات السجون والأقسام.. وهي كلمة حق  لا يراد بها معالجة الأزمة من جذورها، حقوق الإنسان أشمل من الممارسات الأمنية، ولكنها لا تتحقق دون معاملة إنسانية للمواطنين المصريين دون النظر إلى الجنس أو الدين، وأن تدرك الشرطة حقا أنها في خدمة الشعب، فهل يستطيع شرطي قديم إصلاح الأحوال المائلة؟ أم أنه سيكون «شاهد ما شافش حاجة».
الجريدة الرسمية