رئيس التحرير
عصام كامل

معتز سلامة: «عقد نفسية» تعكر صفو الأجواء بين مصر والسعودية

فيتو



  • >> 90 % من السعوديين يحترمون مصر ويدركون مكانتها


حذر معتز سلامة، رئيس وحدة الدراسات العربية والإقليمية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، من تدهور العلاقات بين مصر والسعودية، مشيرًا إلى أن الخلاف في الملفات السياسية ألقى بظلاله على العلاقات الاقتصادية.

وأوضح سلامة في حوار مع «فيتــو» أن الخلافات بين القاهرة والرياض أكبر وأعمق من القضية السورية، مشيرًا في الوقت نفسه إلى أن تركيا وإيران دخلتا على خط الأزمة وكل دولة منهما تسعى إلى الاستفادة من الخلافات بين الجانبين.. وإلى نص الحوار:


> ما الأسباب الرئيسية لفتور العلاقات المصرية السعودية في الفترة الأخيرة ؟
أؤكد في البداية أننا نفتقد وجود مؤسسة استراتيجية لإدارة العلاقات بين الدولتين، أو وجود حوار مسبق توافقى فيما يتعلق بموقف كل دولة من أزمات الإقليم العربي، كما أن العلاقات بين القاهرة والرياض تقتصر على مجرد ردود أفعال حول مشكلات تخص المنطقة، وتتوقف بمجرد التعبير عنها، في الوقت الذي ينبغى فيه أن تمتلئ الساحة بين القادة والمسئولين بالحوارات المكثفة، وتتطرق إلى الجوانب السياسية ورؤى البلدين الاستراتيجية، خصوصًا أن الوضع الراهن مضطرب ولا يحتمل خلافًا مصريًا سعوديًا بهذا الحجم.

ورغم أن العلاقات المصرية السعودية عمرها 90 عامًا منذ نشأة المملكة، فإنها لم تقم على أسس استراتيجية حقيقية، بل اقتصرت العلاقات على البيانات والإعلانات والخطب التي تشير لروابط العروبة والجوار والإسلام، والعبارات الإنشائية التي تعبر عن عمق العلاقات، فالأهم التفكير الحقيقى في بناء علاقات استراتيجية، بدعم المؤسسات المشتركة والجوانب الاقتصادية والتعاون في مجالات التعليم والصحة.

> ما ردك على اتهام السعودية «مصر» بالتصويت على قرارين متناقضين؟
ذلك لم يحدث على الإطلاق؛ لأن التصويت المصرى أمام الأمم المتحدة من وجهة نظرها سليم ومهنى وقانوني، يرتبط بالمصلحة المصرية والعربية والخليجية، فمصر لم تصوت على قرارين متناقضين، وإنما القراران بينهما جوانب اتفاق كثيرة، يدعو كل منهما لتقليص الممارسات العسكرية في سوريا من جانب روسيا فيما يتعلق بالقرار الفرنسي، أو على جانب القوى المسلحة بالنسبة للقرار الروسي، فكل منها يكمل الآخر.

> هل موافقة مصر على القرار الروسى بداية الخلاف بين البلدين أم كانت هناك أمور أخرى غير معلنة؟
رغم البيانات المتداولة بين البلدين، هناك ما هو أبعد من الأزمات الحالية، التي لا يمكن أن يراها المحلل أو المراقب، حيث يوجد «عقد نفسية» في العلاقات المتبادلة بين البلدين، وإذا لم يتم التعامل معها ستظل العلاقات المصرية السعودية قابلة للتعكيــر في أي لحظة تثار فيها أزمات بسيطة، فهناك فجوة غائبة بين المسئولين على المستويات العليا والدنيا.

> هل في دوائر صناعة القرار السعودى أجنحة تعمل ضد مصر؟
بالطبع لا، ولا مجال للتشكيك في ذلك، فالسعودية كانت أولى الدول المساندة لمصر بعد ثورة 30 يونيو، والموقف الإيجابى للملك عبدالله رحمه الله والملك سلمان أكبر دليل على ذلك، فزيارة الملك سلمان لمصر أعطت انطباعًا بأن البلدين إزاء اتجاه إيجابي، واستبشرنا جميعًا خيرًا بتقوية العلاقات بين البلدين، وأن المنطقة ستقوم على عمودين أساسيين هما «مصر والسعودية»، فمن الذي يحول هذه الرؤى التي تسعى إلى بناء العالم العربي، فالدولتان كانتا أمام فرصة تاريخية في تنمية علاقاتهما وإعادة هيكلة الأوضاع العربية، وإبعادها عن التدخلات التركية والإيرانية.

لا يمكن أن نتهم المملكة بمعاداة الدولة المصرية؛ لأن أغلبية الأسرة الحاكمة في المملكة مساندة لمصر وتعرف قيمتها، وحتى بعد تصويت مصر في مجلس الأمن كانت هناك تغريدات من الأســـرة الحاكمــــة تؤكد أنها الحليف الاستراتيجي للمملكة، وأكدوا أننا نختلف كما نشاء ولكن ستظل مصر الحليف الاستراتيجي للسعودية، بالفعل هناك بعض الشخصيات المعادية لمصر والهادفة لربط المملكة بمحور قطر وتركيا، ودعوتها لدعم جماعة الإخوان ومعاداة الموقف المصرى الراهن، ولكن هذه وجهة نظر فئة لا تتخطى 10%، بينما 90% من السعوديين يحبون مصر ويعرفون أهميتها ودورها مع المملكة.

> كيف نجحت تلك النسبة البسيطة في تعكيـــر صفو العلاقات؟
بالصوت العالي، وانتهاز لحظات الأزمات بين الدولتين، ينفردون بكتاباتهم في الصحف، وظهورهم على الفضائيات، وتغريداتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، ولأن وجهات النظر المخالفة أكثر إثارة، والانتقادات التي تخلخل هذه العلاقات الأكثر استماعًا ومتابعة، كان لها تأثير عال، لكن في النهاية لا تشكل هذه النسبة البسيطة الفكر السعودى تجاه مصر، فإذا أردنا أن نعرف موقع مصر داخل المملكة، فعلينا ألا ننسى مشهد زيارة الملك سلمان لمصر في أزمتها، وما تحقق في هذه الزيارة من اتفاقيات تعاون.

> هل ستتأثر الاتفاقيات المشتركة بين البلدين بذلك الخلاف؟
بالفعل تأثرت وأكبر دليل على ذلك وقف المساندات البترولية التي تقدر بـ700 ألف برميل في شهر أكتوبر الجارى، فكثير من الاتفاقيات ستكون في مهب الريح بعد ذلك الخلاف وعلى رأسها جسر الملك سلمان، وأنا أثق جيدًا أنه خلال الأسابيع القادمة سيكون هناك اتصالات على مستويات عليا بين البلدين، وستتزايد الزيــــارات بينهما، لتذويـــب الخلافات وتقريب وجهات النظر.

> هناك من يرى أن الخلاف بين مصر والسعودية صراع على القيادة.. كيف ترى ذلك؟
ليس حقيقيًا على الإطلاق حتى من المنظور السعودي، فالمملكة تنظر لمصـــر على أنها الحليف الاستراتيجي الأول لها، وأنها الشقيقة الكبرى وفى قلب العروبة، لذلك تبرز نبـــرة العتاب الخليجى السعودى لمصر.

> كيف سيؤثر الخلاف المصرى السعودى في المنطقة العربية حال استمراره؟
سيظل التفكك والاضطراب في المنطقة العربية، وسيضاف الصراع لدائرة المشكلات والأزمات العربية، باعتباره صراعًا يدور في الخفاء وطى الكتمان بين بلدين كبيرين، وستسعى الدول لاستقطاب محاور وأطراف تضيف للإقليم أزمات أخرى، وتجدد الأزمات الماضية، كما أن استمرار الخلاف المصرى السعودى يهدد سياسات المحاور في المنطقة، وهذه المرة لم تقتصر على المحاور العربية، ولكن تستغلها أطراف غير عربية، كانضمام تركيا للسعودية، واتجاه إيران لمصر والعراق وهكذا، فتلك المنطقة منكوبة ففى الوقت الذي يعتقد فيه البعض أن العلاقات أصبحت قوية، نكتشف أنها لم تقم على أسس راسخة.

> وماذا عن مواقف الدول العربية من الخلاف بين القاهرة والرياض؟
نظرة بعض الدول العربية لمصر تبدو غامضة، بسبب عدم فهمها واستيعابها حدود وقيود الخارجية المصرية، فتوجه بعض الدول عتاب ولوم للدولة المصرية وترى أنها غير متحمسة خلال الفترة الحالية للمساهمة في إنهاء أزمات الإقليم، يذكرون مصر بين الحين والآخر، بعلاقتها بالمنطقة في عصر مبارك أو عبدالناصر، ولم يعوا أن مصر الآن في مرحلة قلق، بعد أن أصبحت مكبلة بكثير من القيود عبر أزماتها الداخلية، فالوضع الداخلى لم يكن بنفس القوة في عهد جمال عبد الناصر أو مبارك.

الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لــ "فيتو".
الجريدة الرسمية