رئيس التحرير
عصام كامل

مفتى الجمهورية: غير المختصين في الدين يبثون سمومهم بين الناس وأطالب الإعلام بعدم استضافتهم

فيتو


  • >> تجديد الخطاب الديني ليس مسئولية المؤسسة الدينية وحدها
  • >> توحيد الفتوى في العالم العربى قريبا
  • >> الهجمات الإرهابية الأخيرة بأوروبا نشرت الإسلاموفوبيا وشوهت صورة الإسلام
  • >> سنطالب الدول الأوروبية بتجفيف منابع الكراهية والعنف ضد المسلمين في أوطانهم ومجتمعاتهم
  • >> لاحظنا خلال جولاتنا الخارجية تزايدا كبيرا في أعمال العنف والكراهية ضد المسلمين
  • >> الأصوات اليمينية المتطرفة المطالبة بمناهضة وجود المسلمين في المجتمعات الأوروبية والأمريكية تزايدت
  • >> عدد من الكيانات والتجمعات نشأت بأوروبا بهدف طرد المسلمين
  • >> أنشأنا مرصدًا للإسلاموفوبيا بهدف مواجهة الظاهرة العنصرية ضد المسلمين





تولى الدكتور شوقى علام، مفتى الجمهورية، مهام منصبه في مارس من عام 2013 كأول مفتٍ منتخب لجمهورية مصر العربية، في فترة اتسمت بظهور الفتاوى المتطرفة والآراء الشاذة، ومحاولات من قبل جماعة الإخوان للسيطرة على الدار لتوظيفها في خدمة أغراضها السياسية.

عمل علام، خلال تلك الفترة، على وضع خطة للتصدى للفتاوى المتطرفة وتفنيدها والرد عليها من ناحية، ومحاولات جماعة الإخوان اختراق الدار من ناحية أخرى، ونجح في ذلك بالفعل من خلال مجموعة كمل متكاملة يرأسها مستشاره الدكتور إبراهيم نجم.
لم يكتف مفتى الجمهورية بمواجهة الفتاوى المتطرفة على الجبهة الداخلية فحسب، بل سافر إلى عدد من الدول الأوروبية للتصدى لظاهرة الإسلاموفوبيا التي انتشرت بكثرة خلال الفترة الماضية، ما أدى إلى اعتماد البرلمان الأوروبي دار الإفتاء المصرية كمرجعية للفتوى للمرة الأولى في التاريخ.

مفتي الديار المصرية، يرى أن المؤسسات الدينية، ليست وحدها المسئولة عن تجديد الخطاب الديني، ويؤكد أن القنوات الفضائية تستضيف أشخاصا غير متخصصين يبثون سمومهم للناس.

"علام" أكد أن دار الإفتاء المصرية نجحت في القضاء على ظاهرة "فوضى الفتاوي" من خلال خطة محكمة اعتمدت على وسائل الاتصال الحديثة للوصول إلى قطاعات عريضة من الشباب، وعدم ترك الساحة للجماعات المتطرفة لبث أفكارها المنحرفة.. وإلى نص الحوار 

*بداية هل إنشاء الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم التي ترأسها يسهم في القضاء على فوضى الفتاوى ؟
بالتأكيد.. وهذا ضمن أهداف الأمانة، ونعمل على تنفيذ ذلك عبر عدة آليات مختلفة منها دراسة مشكلات الحياة المعاصرة، والاجتهاد فيها يعد اجتهادًا أصيلًا فاعلًا بهدف تقديم الحلول النابعة من التراث الإسلامي، والمنفتحة على تطور الفقه الإسلامي، وكذلك التدريب على مهارات الإفتاء لتنشئة متخصصين قادرين على استنباط الأحكام الشريعة مع مراعاة الواقع والمتغيرات وإدراكها جيدًا، وهو ما سيسهم بشكل كبير في القضاء على فوضى الفتاوى، بالإضافة إلى عقد مؤتمر دولي سنوي لمناقشة ما يستجد على الساحة من أمور تتعلق بالفتوى والتحديات التي تواجهنا، وهذا ما سيتم من خلال المؤتمر العالمي الذي ستعقده الأمانة في 17 من أكتوبر الجارى.

*ما أهمية عقد مؤتمر لتأهيل أئمة مساجد الأقليات المسلمة في هذا التوقيت؟
الهجمات الإرهابية الأخيرة التي وقعت في عدد من بلدان أوروبا، تسببت في انتشار الإسلاموفوبيا وتشويه صورة الإسلام، فكان ذلك لزامًا للاجتماع سويًا لبحث الإشكاليات التي نواجهها بهذا الصدد ووضع التوصيات والمقترحات والمبادرات من أجل مواجهتها ودعم المسلمين والأئمة في الخارج، لأنهم يمثلون حائط صد أمام الفكر المتطرف إذا تم تأهيلهم بشكل جيد وسليم.

*للمرة الأولى تبرز إحدى الهيئات الدينية قضايا الأقليات المسلمة في الخارج فما هو السر ؟
أوضاع الجاليات المسلمة في الخارج تمثل "محور اهتمام متزايد" من قبل الهيئات والمنظمات الدولية والفاعلين الحكومين، لما تحدثه تلك الأوضاع على البيئات الداخلية في الدول التي تحوي تلك الجاليات، إضافة إلى تأثير أوضاع تلك الجاليات في قضايا محاربة الإرهاب والتطرف والحفاظ على التعددية.

والسبب في الاهتمام بهم كذلك أن الآونة الأخيرة قد شهدت أوضاعًا غير مستقرة للعديد من الجاليات المسلمة في الخارج، خاصة لدى الدول التي شهدت حدوث أعمال إرهابية كبيرة كفرنسا وألمانيا وبلجيكا والولايات المتحدة، وهو ما انعكس بالسلب على أوضاع تلك الجاليات وحقوقها المشروعة، إضافة إلى تزايد الاضطهاد والتمييز ضد المسلمين في بعض الدول كما هو الحال بمسلمي الروهينجا بدولة بورما.
ودفعتنا كل تلك الأحداث والأوضاع السلبية وغير المستقرة للجاليات المسلمة إلى الاطلاع بدور إيجابي في مناقشة ودراسة تلك الأوضاع وتقديم ومتابعة أوضاعهم والأحداث ذات التأثير فيهم داخليًا وخارجيًا، ووضع حلول ومبادرات لحلها.

*ولماذا تستهدفون أئمة مساجد الأقليات بالذات ؟
لأنه لا يخلو مجتمع من المجتمعات من وجود المسلمين الذين يحتاجون إلى المرجعية الشرعية التي تعمل على ترسيخ الاستقرار في المجتمع من خلال نشر الأحكام الشرعية على نحو منضبط يتسم بالوسطية والاعتدال في مواجهة التطرف والإرهاب.

*هل أعدت الإفتاء رؤية لطرح عدد من المبادرات الدولية وفقا للتبعات الملقاة على عاتقها كرائدة في الفتوى بإقرار جميع مفتيي العالم؟
بالطبع، سيتم العمل خلال الفترة المقبلة على إنشاء مرصد للجاليات المسلمة في الخارج؛ بحيث يمثل أداة بحثية لخدمة الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم لتحقيق الرصد الدقيق والمتابعة الرصينة لأوضاع الجاليات الإسلامية في الخارج، ومساعدة صناع القرار في المؤسسات الدينية والإفتائية على اتخاذ المواقف وبناء السياسات والبرامج التي تحقق صالح تلك الجاليات وتدفع في اتجاه حل مشكلاتهم والتغلب على المعوقات التي تواجههم، وسيتم بناء خريطة للجاليات المسلمة في الخارج وأماكن توزعها، وشبكة علاقاتها وطبيعة أوضاعها، ومجموعة القضايا والموضوعات التي تدخل في دائرة اهتمام كل جالية، ومن ثم التعاطي الإيجابي والفعال مع أوضاعهم، والدفع نحو أوضاع تحقق للجالية الحفاظ على حقوقها الأساسية وتضمن حرياتها الدينية وفعاليتها المجتمعية، فضلا عن إنشاء دار إفتاء لأن الأوضاع التي تمر بها الأمة الإسلامية تمثل تحديا على كل المجتمعات المسلمة في مواجهة تلك الأوضاع التي تفرض على تلك المجتمعات ضرورة التماسك والوقوف أمام دعاة الفوضى الذين يكرسون لفوضى الفتاوي وفوضى المجتمعات، ولأجل الاطلاع بتلك المهمة الشرعية مهمة المرجعية وبيان الأحكام الشرعية فكان من أهم الواجبات على كل مجتمع تأسيس دار للإفتاء تقوم ببيان الأحكام الشرعية بشكل منضبط خال من التساهل والتشدد.

*ما هي رؤيتكم لتفعيل مبادئ ومبادرات وتوصيات مؤتمرات الأمانة العامة لدور الإفتاء ؟
سيكون ذلك عبر عدة إجراءات سيتم دراستها، منها أن نطالب الجميع، من دول وأفراد ومؤسسات وهيئات، بالسعي بتجفيف منابع الكراهية والعنف ضد المسلمين في أوطانهم ومجتمعاتهم، من خلال حزمة إجراءات منها، تصحيح الصورة الذهنية المغلوطة عن الإسلام في المناهج والكتب المدرسية، وإتاحة مساحة في الإعلام بوسائلة المسموعة والمقروئة لصوت الوسطية والاعتدال لتقديم الدين الإسلامي بصورته الصحيحة، السعي للتوسع في تنظيم رحلات الدعاة والمفتين والعلماء والمثقفين للحديث عن الوجه الصحيح للدين الإسلامي في بلدان العالم، المسارعة بإنشاء كيانات وطنية موثوق بها بها يوكل إليها الإشراف على تعليم الدين والإفتاء والدعوة في هذه البلاد، وتتولى هي مهمة التواصل مع المؤسسات التاريخية في العالم الإسلامي.

*كيف ترى المشهد الدينى في مصر حاليا؟
انخفضت وتيرة فوضى الفتاوى في الفترة الأخيرة نظرًا لمجهودات دار الإفتاء وعلمائها، وقد حاولنا مواجهة ذلك على عدة أصعدة عبر الفضاء الإلكتروني وعلى أرض الواقع، فاستخدام الدار لوسائل التكنولوجيا الحديثة ومواقع التواصل الاجتماعي أسهم بشكل كبير في وصول صحيح الدين إلى أكبر قدر ممكن من الناس خاصة الشباب، كما عقدت الدار المجالس الإفتائية التي شارك فيها علماء دار الإفتاء في مراكز الشباب على مستوى محافظات الجمهورية بالتعاون مع وزارة الشباب من أجل التواصل على أرض والواقع لترسيخ المفاهيم الإفتائية وثقافة الاستفتاء الصحيحة بين الشباب، ونحن بحاجة إلى تعاون أجهزة الإعلام في هذا الأمر بعدم استضافة غير المختصين في برامجها حتى لا يبثون سمومهم بين الناس، وأن يتيحوا المجال لأهل التخصص لتصحيح المفاهيم وإرشاد الناس إلى صحيح الدين.

*وماذا عن تجديد الخطاب الدينى؟
تجديد الخطاب الديني أصبح أمرًا ضروريًا، وذلك عبر استخدام الآليات والوسائل الحديثة للوصول إلى أكبر قدر ممكن من شرائح وأفراد المجتمعات المختلفة، عن طريق شبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي وغيرها؛ لمواجهة الفكر المتطرف على الإنترنت، الذي يستهدف شريحة كبيرة من الشباب، ونحن في دار الإفتاء المصرية استجبنا لدعوة الرئيس عبدالفتاح السيسي، ومنذ عام 2014 تم استحدات تكنولوجيا تعمل على مدى 24 ساعة للرد على الفتاوى الضالة والمضللة، وأنشأنا موقع بصيرة، الذي يبث بـ3 لغات ليعالج كل القضايا الخاصة بالمفاهيم الخاطئة، وأنشأنا صفحة بعنوان "إرهابيون" ترصد حركة المسلمين بالخارج لتحسين سمعة الإسلام ومواجهة الدعوات الباطلة التي تسيء للإسلام والمسلمين، وهنا يجب أن أؤكد أن تجديد الخطاب الديني ليس مسئولية المؤسسة الدينية وحدها ولكنه مسئولية مشتركة لجميع مؤسسات الدولة المعنية ببناء الإنسان فكريا ومعنويا وثقافيا.

*خلال جولاتكم الخارجية كيف رأيتم صورة الإسلام؟
خلال جولاتنا الخارجية لاحظنا تزايدًا كبيرًا في أعمال العنف والكراهية الموجهة ضد المسلمين في الخارج خاصة بعد الهجمات الإرهابية الأخيرة على بعض الدول الأوروبية، وتعالي الأصوات اليمينية المتطرفة والمطالبة بمناهضة وجود المسلمين في المجتمعات الأوروبية والأمريكية، وتعرض الكثير من المساجد والمراكز الإسلامية في الخارج للاعتداءات العنصرية، حتى وصل الأمر إلى إنشاء عدد من الكيانات والتجمعات التي تنتهج العنف بهدف طرد المسلمين من أوروبا وأمريكا، والتي استغلت أعمال العنف والإرهاب التي ترتكب باسم الإسلام من قبل جماعات اختطفت الإسلام وشوهت صورته لدى الكثيرين حول العالم لتبرير هذه الكراهية والعنصرية ضد الإسلام والمسلمين.

* كيف ستواجه الدار ذلك؟
نحن في دار الإفتاء المصرية أنشأنا مرصدًا للإسلاموفوبيا بهدف مواجهة الظاهرة العنصرية ضد المسلمين وذلك عبر خلق "ذاكرة رصدية" تسهم بشكل كبير وفعال في اختيار أفضل السبل للتواصل مع الأطراف المختلفة وخاصة في الأوساط الإعلامية والبحثية، والتواصل مع صناع القرار في مختلف الكيانات، تواصلًا مبنيًّا على المعرفة المسبقة والرصد والتحليل لتلك الكيانات ولتوجهاتها، بهدف إنتاج خطاب إعلامي خادم لمصالح المسلمين في العالم، ودافع نحو مساندتهم على المستويين الرسمي والشعبي لدى الغرب.

* هل من الممكن أن يتم توحيد الفتوى في العالم العربى؟
نحن نسعى إلى توحيد الرؤى والجهود في هذا المجال بهدف ضبط إيقاع الفتوى والتصدي لفتاوي التكفير والتفجير؛ لذا أنشأنا الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، وهي منظمة دولية متخصصة تقوم بالتنسيق بين الجهات العاملة في مجال الإفتاء في جميع أنحاء العالم؛ بهدف رفع كفاءة الأداء الإفتائى لهذه الجهات وزيادة فاعليتها في مجتمعاتها، بحيث يصبح الإفتاء من أهم عوامل التنمية في هذه المجتمعات، ويتم من خلال هذه الأمانة بناء إستراتيجيات مشتركة بين دور الإفتاء الأعضاء لمواجهة التطرف في الفتوى وصياغة المعالجات المهنية لمظاهر التشدد في الإفتاء، والتبادل المستمر للخبـرات بين دور الإفتاء الأعضاء والتفاعل الدائم بينها، وإنشاء النظم التكنولوجية المتطورة الذكية لإيداع الخبرات والانتفاع بها واستثمارها، وتقديم الاستشارات الإفتائية لمؤسسات الإفتاء لتطوير أدائها الإفتائى وتنمية أدوارها المجتمعية.


الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لــ "فيتو"
الجريدة الرسمية