رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

الإخوان وإلحاد شباب مصر!!


لا يمكننا مهما حاولنا، ونحن نسبر غور الواقع في بلدنا، ونتتبع أحوال مجتمعاتنا، وشبابنا، وما وصل إليه حالهم، أن نغفل عوامل هامة جدًا في طرق تربيتهم، وتنشأتهم، على مر العقود، ومنذ نهاية حرب أكتوبر المجيدة، وحتى يوم الناس هذا، فقد تُرك الشباب هملًا، تتقاذفه أمواج داخلية تارة، وخارجية تارة أخرى، ما بين مواقع إباحية، إلى مواقع تواصل مجتمعي لها أهداف أقل ما يقال عنها أنها خبيثة، إلى قنوات فضائية تزعم انها دينية!


إلى غير ذلك من الأمور التي تُرك الشباب نهبًا لها، تنهش عقله، وقلبه، وفكره نهشًا، وتتقاذفه فيما بينها، وهو بينها كالريشة في مهب الرياح، لا يعرف طريقًا، ولا يهتدي إلى سبيل.

نعم.. لقد تركت الدولة الشباب من نهاية السبعينيات، وبداية الثمانينيات من القرن الماضي نهبًا لكل أصحاب المطامع، ولم تبذل جهدًا، ولو يسيرًا في إحداث مشروع فكري، وقومي، ومجتمعي يحمي شبابنا من كل ما يعصف فيه، في عصر تحول العالم كله، وتحول كوكب الأرض كله، إلى قرية صغيرة، بل حجرة صغيرة، بسبب ثورة المعلومات، والاتصالات الحديثة، والتي كان لها آثارها الإيجابية، ولا شك، ولكن بعض شبابنا اقتصر فقط على الآثار السلبية، وما ذلك إلا لغياب الدولة عنه، أو غيابها عنه، صحيح أن الدولة المصرية الحديثة قد بدأت في مراعاة ذلك، والاهتمام به أخيرًا، وصحيح أن هذا الأمر جاء متأخرًا، ولكن أن تأتي متأخرًا، خيرٌ لك من ألا تأتي !

وقد كنت تكلمتُ أكثرَ مِنْ مرةٍ في أحاديثَ أحدثتْ دويًا في وقتِها-في زمنِ الإخوان- عنْ وجودِ ما بزيدُ عنْ مليوني ملحدٍ في مصر، وأنَّ السببَ الرئيسَ في ذلك هم الإخوان أنفسُهم، وأتباعُهم من شيوخِ السلفيين، ومريديهم، وأنَّ هؤلاء الناسِ عملوا منذ مدةٍ طويلةٍ على ترسيخِ معلومةٍ في أذهانِ الناسِ مفادُها أنهم همُ الإسلامُ، والإسلامُ همُ، وأنَّهم رموزُ الإسلامِ المعبرون عنه، وأنهم وحدهم هم الناطقون باسمِه تعالى، ومنْ كثرةِ ما رددوا ذلك، وكرروه- على طريقة البرمجة العصبية- صدقهم الناسُ إحسانًا للظنِّ بهم، وتصديقًا لظاهرهم الذي يبدو، وكأنَّ الخشوعَ، والصدقَ سمتُه الحقيقية، وإن كانت حقيقتهم على الككس من ذلك، فهم كما القبور تمامًا، لهم ظاهر يبدو جميلًا يسر، وباطن من الداخل مليء بالقيح، والدود، والنتن يضر !!

ثم لما جاء الحكمُ إليهم، أو جاؤوا هم إليه، ليخلعوا عنْ وجوهِهم أقنعةً كانوا يلبسونها للتدليسِ على الناسِ، أو الخوفِ منهم، وإذا تحت هذه الأقنعة مسوخًا مشوهةً، ومناظرَ بشعةً، وقلوبًا هي أقسى من حجر الصَّوانِ، وأفئدةً أصلبَ من الفولاذِ غلظةً لا ثباتًا.

وهنا صُدمَ الناسُ عامةً، والشبابُ منهم خاصةً، ولكنَّ الصدمةَ لم تكنْ في هؤلاء بأشخاصهم، ولكنها كانت شخصيتهم الاعتبارية، والتي رسخوها في أذهانِ الناسِ على مرَّ السنين منذ أنْ أُنشأت القنواتُ الفضائيةُ الدينيةُ، والتي أنشأت بالأساس بتخطيط وتمويل من العدو لهدف أوحد، وهو "تلميع المتأسلمين"، وترويج مشروعهم السياسي لدى الناس في داخل مصر، وخارجها، وذلك للتمهيد لما عرف بعد ذلك بــ "ثورات الربيع العبري"!، وكان هم هؤلاء، والذي لا همَّ لهم سواه طوال تلك الفترة، ومنذ بداية الألفية، وحتى ساعة الصفر مع بداية العشرية الثانية منها، هو تكريس أمر واحد لا ثاني له في أذهان الناس، كل الناس، أن هؤلاء المتأسلمين هم الإسلام، وأن الإسلام هم دون غيرهم، وأن من أراد أن يدخل الإسلام فلن يجد له بابًا سوى بابهم!!

فلما انتهت تلك المرحلة، والتي حققوا فيها هدفهم، وبدأت المرحلة التالية، وجاءت التعليمات من حيث تأتي بالانتقال مباشرة إلى تحقيق أهداف المرحلة الجديدة، وهو الصراع على السلطة، كان لا بد حينها من خلع قناع الإسلام، والتدين الذي كانوا يضعونه على وجوههم، ومسح مساحيق التجميل التي كانوا يخفون بها قبح وجوههم، وقلوبهم، وإلقاء كل ذلك في أقرب ثلة للمهملات، والكشف عن وحجوههم الحقيقية القبيحة غاية القبح، والدميمة منتهى الدمامة، وهنا كانت الصدمة لكل من آمن بهم، أو صدقهم، أو اقتنع بها يومًا من الدهر.

ولكن الصدمةُ –ومع غاية الأسف- كانت في الدينِ لا فيهم، ذلك أن الشبابُ الذي اعتقد فيهم، لما رأى الكذبَ، والغشَّ، والغدر، والخيانة، والخديعة، والمخاتلةَ، والظلمَ، والفحشَ، والبذاءةَ، والتسفلَ، وعدمَ احترامِ الأعراضِ، بل، وانتهاكها كأسوأ ما يفعل السفلة، إلى غير ذلك من رذائلِ الصفاتِ، ومساوي الأخلاقِ، لما رأى الشباب كل ذلك في من صدقوا –أو قل بُرمجوا على-أنهم الدين، وأنهم الإسلام، لما رأوا تلك الأخلاق الردية في هؤلاء، لم يستطيعوا الفصل بينهم، وبين الدين، لأنهم نشأوا على عدم التفريق، فعند ذلك نسبوها للدينِ لا لهم فأبغضوا الدينَ، وكفروا به، لتظهرَ في مصرَ خاصةً، وفي العالمِ العربي، والإسلامي منه خاصة: "ظاهرةُ الإلحادِ الاجتماعيةِ بين الشبابِ" لتكون طامةً كبرى من طاماتِ الربيعِ العبري، والتي كلُها كبرى !

ولكنَّه وإذا كان الإنصافُ عزيزًا، فإنَّ ذلك لا يدفعنا إلى أنْ نفرطَ فيه، أو أنْ نحيدَ عنه، وذلك أنَّه إذا كان الإخوانُ، وأتباعهم، وشيوخُ المتسلفين، ومريديهم يتحملون جزءًا كبيرًا من الوزرِ– إنْ لم يتحملوا الجزءَ الأكبرَ منه -لأنهم مثَّلوا السببَ الأكبرَ في ذلك، والمتسببَ في الشيءِ كفاعلِه كما تقرره القاعدةُ الأصوليةُ، إلا أنَّهم ليسوا السببَ الوحيدَ لظهورِ الإلحادِ.

فالإلحادُ ظاهرةٌ قديمةٌ جدًا، وقدْ ذكرَ القرآنُ الملحدين، ونسبهم إلى اعتقادهم في الدهرِ كما في قوله تعالى: {و قالوا ما هي إلا حياتُنا الدنيا نموتُ ونحيا وما يهلكُنا إلا الدهر}، ولهذا سماهم علماءُ المسلمين بـــ "الدهريين" أو "الدهرية" !

وأصلُ الملحدِ في اللغة: إنَّه هو الجائرُ عن الحقِ إلى الباطلِ، ومنه قوله تعالى: {إنَّ الذين يُلْحِدون في آياتنا} أي يجورون ويجانبون الصوابَ.

ومنه سُمي اللحدُ لحدًا، لأنَّه مائلٌ في ناحيةِ القبرِ، ولو كان مستقيمًا لكان شقًا لا لحدًا.. فالإلحاد إذن مرضٌ مجتمعيٌ قديمٌ جدًا إذًا، وقد أخبرنا اللهُ عن سبيلِ معالجته في إشارةٍ قرآنية حين قال:{ وقالوا ما هي إلا حياتُنا الدنيا نموتُ ونحيا وما يهلكُنا إلا الدهر. ومالهم به من علمٍ إنْ هم إلا يظنون}.

فأخبر جلَّ شأنُه أنَّ أصلَ هذا الداء في: الجهلِ {وما لهم به من علم}، وفي: انعدامِ اليقين، وذهابِه {إنْ هم إلا يظنون}، وهو تشخيصٌ دقيقٌ للمرضِ يستتبعُ معالجته بنفي أسبابِه، وذلك ببثِّ العلمِ، ونشرِه، والعملِ على زيادةِ الوعي، والإيمان، ولهذا تجدُ في القرآنِ الكريمِ كلِه: العلمَ، والإيمانَ مرتبطان، ومتلازمان، إذْ فيهما معالجةُ هذا المرضِ الفتاكِ بالمجتمعِ عامةً، وبالشبابِ منه خاصةً؛فعلاجُ الإلحادِ لا شك بالعلمِ، والإيمانِ.

اللهم بلغتُ..اللهم اشهد.
Advertisements
الجريدة الرسمية