رئيس التحرير
عصام كامل

تأمين مستقبل الأولاد


معظمنا لا يتوقف عن التفكير في بكرة.. وتأمين مستقبل الأولاد.. ونظل نحمل الهم طوال عمرنا، رغم أن المطلوب من الإنسان أن يعمل قدر استطاعته وليس على قدر حاجته كما قال الشعراوي، وأن يأخذ بالأسباب في سعيه على رزقه بما يرضي الله.


وعندما مات دودي الفايد مع الأميرة ديانا في الحادث الشهير، فاجأني أستاذي الدكتور صلاح قبضايا «رحمه الله» بسؤال: هل هناك من قام بتأمين مستقبل ابنه كما فعل الملياردير محمد الفايد؟

وأجبت سريعًا: بالطبع لا فكل هذه الإمبراطورية التي أنشأها الفايد لابنه.

وجاء رد قبضايا: وأين دودي الآن.. وماذا فعلت له الملايين؟

وفي كتابه الأخير اعترافات صحفية يروي قبضايا قصة زواج ابنته.. وفيها درس آخر من دروس الحياة، نحن الآن في أمس الحاجة إليه بعد أن طغت الماديات على حياتنا، فأصبحنا لا نشعر بطعم السعادة.. رغم أن «بكرة» الذي يشقينا كل يوم وطيلة مشوار العمر ليس بأيدينا، ولسنا مسئولين عنه طالما أخلصنا في عملنا لوجه الله والوطن والمجتمع.

يقول قبضايا تحت عنوان «زواج البنات»: «ما حدث في اليوم الثاني من نوفمبر عام ١٩٦٧ ظل في ذاكرتي دائمًا، وبقيت أردد وقائعه على الآخرين في كل مناسبة، وكان هذا اليوم يوافق بلوغ ابنتي عامين من عمرها.

وكانت أحوالي المالية في حالة انتعاش نسبي بعد أن تسلمت المكافأة التي قررها لنا جلال الدين الحمامصي تقديرًا منه للحوار الذي أجريته في الإسكندرية مع أفراد طاقم الصواريخ البحرية الذين أغرقوا المدمرة إيلات أمام شواطئ بورسعيد، وانتقالي بعدها بساعات إلى السويس عندما ردت إسرائيل بقصف صهاريج البترول المصرية في الزيتية.

وبعد إضافة قيمة المرتب إلى قيمة المكافأة أصبح في حوزتنا ما يقترب من المائة جنيه، وهو ما دفعني إلى دعوة زوجتي إلى العشاء بنادي الزمالك المواجه لبيتنا بشارع جامعة الدول العربية، وكنت قد حصلت على عضوية عاملة في النادي ضمن الاشتراك الجماعي الذي تعاقدت عليه أخبار اليوم.

وجلسنا حول حمام السباحة الكبير مع البوفتيك والاسبجتي ومواجهات زوجتي بالمسئوليات التي أتجاهلها، وأهمها عدم الادخار لمواجهة تكاليف زواج ابنتنا التي بلغت في هذا اليوم عامين من عمرها، وقالت زوجتي إن تكاليف زواجها قد تزيد يوم بلوغها سن العشرين على خمسة آلاف جنيه، وبدأنا في إجراء حسابات أكتوارية ووجدنا أن كل ما يمكننا ادخاره شهريا يقل عن ثلاثة جنيهات، تصل إلى سبعمائه جنيه بعد عشرين عامًا، وهو لا يكفي لتجهيز العروس في عام ١٩٨٥، فضلا عن التضحيات والمعاناة الطويلة.

واعترفت بعجز وسائلنا وعدم كفاية الأسباب المتاحة لتدبير مدخرات تكفي لمصروفات زواج الابنة، وواجهت صاحبتي بذلك، وقررت إغلاق الملف وإرساله إلى صاحب الأمر والنهي الذي يقول للشيء كن فيكون.

ويوم تقدم الدكتور شريف فهمي لخطبة ابنتنا كنا جميعا في لندن، حيث كان يعد لدرجة الزمالة في الطب، وكنت أتقاضى مرتبًا كبيرًا بالجنيه الإسترليني، وفي الأسبوع الذي قررنا فيه قبول الخطوبة تلقيت خطابًا من نائب رئيس مجلس إدارة الشركة هشام على حافظ، جاء فيه أن مجلس الإدارة قرر صرف عشرة آلاف جنيه إسترليني مكافأة تميز على ما بذلته من جهود خلال العام المنصرم مما ترتب عليه تحقيق أرباح في المطبوعة التي أرأس تحريرها في عامها الأول، وأرفق بالخطاب شيكا بالمبلغ، وسارعت بإيداعه في حسابي ببنك ميدلاند واستخرجت بطاقة ائتمانية لزوجتي تتيح لها شراء كل ما يتطلبه تجهيز الابنة من لندن، أو من أي دولة أخرى، وقد بدأت بالفعل عملية الشراء من محال هارودز بلندن، وهو المكان الذي تشتري منه ملكة إنجلترا احتياجاتها.

بقي أن أقول إن تكاليف زواج الابنة الذي كنا نتوقع أن يتكلف خمسة آلاف جنيه تكلف أكثر من عشرين ضعف هذا التقدير، وكان ذلك في مقدورنا دون أية معاناة ودون أية تضحيات، وكان ذلك بفضل اعترافنا بالعجز وبعدم كفاية ما بين أيدينا من أسباب، والتوكل على من هو على كل شيء قدير».

وكان درسًا لا نزال نذكره ونضرب به الأمثال حتى اليوم.
الجريدة الرسمية