رئيس التحرير
عصام كامل

ناصر عراق الفائز بجائزة كتارا للرواية العربية: حرية الصحافة فى مصر تمر بمأزق كبير

فيتو


  • لم أجد أي غضاضة في الترشح للجائزة لكونها أدبية وليست سياسية
  • لا دخل للسياسة في اختيار الفائزين بالجائزة 
  • لن أنزعج لعدم تكريمي وضيق أفق بعض المسئولين يحول دون ذلك
  • وعن عدم تكريم مصر لأدبائها "لا كرامة لنبي في وطنه"
  • العدالة الاجتماعية وحرية الفكر والرأي السبيل الأوحد لعودة الثقافة المصرية
  • قيادة الإمارات الرشيدة وراء بزوغها الثقافي
  • جريدة قومية مصرية لم تنشر خبر فوزي بكتارا
  • روايتى "الكومبارس" تنتقد نظامي السادات ومبارك
  • حدث إقصاء متعمد للكثير من المبدعين أثناء حكم السادات ومبارك 
  • روايتى (الكومبارس) إدانة للنظم السياسية التي تقتل أبناءها الموهوبين وتظلمهم

مصر التي لا تنضب مطلقا من مواهبها في شتوي المجالات وعلى رأسها مجال الثقافة والأدب تحصد رغم ما تعانيه ثمار نبتها الجيد من أبنائها الأوفياء حتى من قست عليهم وتلقتهم دروب الغربة القاسية، فقد حصل مؤخرا الكاتب المصري ناصر عراق المقيم بالإمارات العربية المتحدة، على جائزة كتارا للرواية العربية في نسختها الأخيرة عن روايته "الأزبكية"، تلك الجائزة التي تعد واحدة من أهم التكريمات على المستويين الإقليمى والعالمى.

وتتناول رواية "الأزبكية" فترة بالغة الأهمية في تاريخنا، لكنها فترة منسية ومهجورة إبداعيا، وهى فترة الحملة الفرنسية على مصر وما أعقبها من سنوات قليلة، وهذه الفترة مترعة بأحداث وصراعات وصدامات فكرية وثقافية وعسكرية أسهمت كثيرا في تشكيل وعى ووجدان المصريين.

في هذا الحوار تجول "فيتو" في أرجاء عقل ناصر عراق، للوقوف على إجابات مختلف الأسئلة التي أثيرت عقب فوزه بجائزة كتارا، ورؤيته لواقع الثقافة والصحافة المصرية في الوقت الحالي. 

*ماذا يمثل لك فوزك بجائزة كتارا للرواية العربية؟
بالنسبة لى يعد فوز الأزبكية بجائزة كتارا للرواية العربية بمثابة تعزيز الحكمة القائلة لكل مجتهد نصيب، فقد تعاملت طوال حياتى مع عملى بجدية وشغف، حتى صارت القراءة والكتابة جزءًا من نشاطى اليومى منذ عقود ، وما أنا سوى ابن للثقافة المصرية المتفردة والمبدعين المصريين الأفذاذ الذين أثروا ذائقتي وخيالي وثقافتي مثلما فعل معي والدي المرحوم عبد الفتاح عراق وعمي الراحل يوسف عراق، فكل منهما كان مثقفا عصاميًا بامتياز، فضلا عن أشقائي الكبار إبراهيم وفكري وماجدة وفوزي، الذين كانوا بمثابة أساتذة مباشرين لي بشكل يومي.
أما مبدعو مصر ومثقفوها الذي تعلمت منهم وتأثرت بهم فهم كثر، من أول طه حسين وشوقي حتى توفيق الحكيم ونجيب محفوظ وصلاح عبد الصبور وحجازي، مرورًا بكوكبة معتبرة من الفنانين المتفردين أمثال سيد درويش وأم كلثوم وعبد الوهاب ويوسف وهبي والريحاني وصلاح أبوسيف وزكي رستم ومحمود المليجي وفاتن حمامة ومحمود مرسي والنحات مختار والرسام بيكار والقائمة ممتدة. 

*البعض يلومك على ترشحك لجائزة كتارا كونها تقدم من دولة قطر، بسبب مشكلاتها السياسية مع مصر، بما ترد على هؤلاء؟
الخلافات السياسية بين الأنظمة العربية الحاكمة مستمرة دائمًا، رغم أنها لا تدوم، أما ما يوحّد الشعوب العربية وعلى رأسها الثقافة فمستقر وثابت منذ مئات السنين، لذا لم أجد أي غضاضة في الترشح لجائزة كتارا، لأنها جائزة أدبية إبداعية فقط، وليست عملا سياسيًا على الإطلاق، ولك أن تعلم أن الكلمات الرسمية التي قيلت في حفل توزيع الجوائز (12 أكتوبر الماضي) لم يذكر فيها اسم أي مسئول حكومي قطري على الإطلاق، وإنما كانت كلمة تشرح آليات الجائزة ودورها في تعزيز الإبداع وتشجيع المبدع العربي ليطور مهاراته وملكاته.

*للعام الثاني تذهب كتارا للمصريين، البعض يرى في ذلك محاولة لإحراج مصر سياسيًا، كونها ترفض التعامل مع قطر؟
هذا غير صحيح بالمرة، فالجائزة تمنح لخمسة فائزين في الرواية العربية المنشورة، وقد فاز بها العام الماضي كل من الجزائري واسيني الأعرج والسوداني أمير تاج السر وروائيتين من البحرين والعراق، والمصري الوحيد الذي نالها هو إبراهيم عبد المجيد. أما في هذه الدورة، فلم يكن هناك أي فائز من مصر سواي، وقد شرفني بالحضور مستشارنا الثقافي بسفارتنا في الدوحة وقدّم التهنئة لي مشكورًا، فعن أي إحراج يتحدثون؟ إن نصيبنا الخُمس فقط في الدورتين، وأظن أن تاريخ مصر الروائي يسمح لها بأن تنال جوائز أكثر من ذلك في أي مسابقة عربية.

* هل أصبح ناصر عراق يجد نفسه في الغربة أكثر من الحياة في مصر؟
لقد عملت في مصر 15 عامًا في الصحافة الثقافية عقب تخرجي في كلية الفنون الجميلة عام 1984، وكانت فترة ثرية جدًا جدًا بالنسبة لي، حيث عملت في جرائد (مصر الفتاة/ الأحرار/ الشعب/ العربي/ أخبار الأدب)، كذلك عملت مراسلا صحفيًا من القاهرة إلى عدة جرائد عربية مثل: (البيان الإماراتية/ القدس العربي/ الجزيرة السعودية)، فلما أتيحت لي فرصة أفضل للعمل في دبي، لم أتردد وغادرت القاهرة في 23 يناير 1999، لأنخرط في عمل صحفي ثقافي آخر أغنى تجربتي وأثراها بصورة مدهشة، ولا تنس الحكمة القائلة (في السفر سبع فوائد). 

*عشت في الإمارات فترات طويلة وعاصرت بزوغها الثقافي، ما هي العوامل التي اتبعتها واعتمدت عليها الإمارات لتصل إلى هذه المكانة الثقافية؟
في الحقيقة تنعم الإمارات بقيادة رشيدة تعرف ماذا تريد بالضبط، وتمتلك الإرادة لتحقيق ذلك، يعاونها شعب كريم يثق بهذه القيادة وينشد دومًا التفوق والتميز. من هنا جددت الإمارات شبابها وانطلقت نحو آفاق أرحب للاهتمام بالثقافة والإبداع والابتكار، باعتبار هذه الأمور بمثابة مفتاح للنهوض والتقدم واحتلال المواقع الأولى على مستوى العالم، وأظن أنها نجحت كثيرًا فيما تصبو إليه في مجالات عديدة وليس الثقافة فحسب. 

*برأيك ماذا تحتاج الثقافة المصرية كى تعود بمصر لمكانتها الطبيعية؟
تحتاج الكثير والكثير، من أول ضخ الأموال الضخمة، حتى إصلاح التعليم في المدارس والجامعات، لأن الثقافة لا يمكن أن تتطور بمعزل عن بقية المجالات الأخرى، وقبل كل شي يجب إشاعة مناخ من حرية الفكر والرأي بجانب تحقيق قدر معقول من العدالة الاجتماعية... هنا فقط يمكن أن تزدهر الثقافة وتسترد بهاءها القديم، ولن يحقق ذلك إلا قيادة سياسية واعية تدرك قيمة مصر وتعمل على استعادة مكانتها المرموقة. 


* كيف تري واقع الصحافة الثقافية المصرية في الوقت الحالي؟
واقع معقول، لكنه ليس جيدًا بما يليق بتاريخنا ودورنا، ومن أسفي هناك بعض المواقع الصحفية يترأسها أناس محدودو الموهبة من حيث مهاراتهم الصحفية، ولك أن تعلم، على سبيل المثال، أن هناك جريدة قومية مصرية لم تنشر خبر فوز روائي مصري بالجائزة الكبرى لجائزة كتارا للرواية العربية وهي أهم الجائزة الثقافية في العالم العربي كله من حيث قيمتها المعنوية والمالية، كما أن هناك جريدة أسبوعية ثقافية لم تشر أيضا إلى هذا الخبر لا من قريب أو من بعيد.

* كيف تقيم حرية الصحافة في مصر في الوقت الحالى؟
أظن أن حرية الصحافة عندنا تمر بمأزق كبير، تجسد من موقف السلطات من نقابة الصحفيين ونقيبها، ومن إيقاف بعض الكتاب عن ممارسة الكتابة في الصحف السيارة، فضلا عن الظلم الذي يتعرض له آلاف من الصحفيين غير المسجلين في النقابة وغيرها... بصراحة مشكلات الصحافة في مصر جزء من مشكلات مجتمع مأزوم. 

*ماذا يتطلب العمل الأدبي كي يصلح للتحول الدرامي؟ وهل هناك أسلوب خاص لمثل هذه الأعمال؟
أتخيل أن السيناريست الجيد والمخرج المتميز يستطيعان تحويل أي عمل أدبي متفرد إلى عمل درامي ممتع ومؤثر، فصلاح أبوسيف قدم رواية نجيب محفوظ (بداية ونهاية) عام 1960، وقدد حقق الفيلم، ومازال، نجاحًا لافتا، رغم أن من يقرأ الرواية يعتقد بصعوبة تحويلها إلى فيلم. إذن الفيصل في براعة من يتصدى لتحويل العمل الأدبي إلى الدراما.

*وبما تفسر عدم تكريم مصر لأدبائها؟
هناك أمثال عربية تقول "زمّار الحي لا يطرب"، و"لا كرامة لنبي في وطنه"، وفي أمثالنا الشعبية "مغنواتي البلد أخنف"، كما تذكر أيضا أن الدولة المصرية لم تكرم نجيب محفوظ بأرفع الأوسمة (قلادة النيل) إلا عندما حصل على جائزة نوبل في 1988. رغم أنها منحت هذا الوسام الفخم لأناس محدودي الموهبة وأقل كثيرا جدًا من محفوظ. ولعلي أتذكر ما قاله لي مرة الكاتب الكبير الراحل رجاء النقاش، حيث قال لي (الدولة المصرية... دولة قاسية على مبدعيها). 

* إذا تم دعوتك للتكريم من قبل وزارة الثقافة هل ستلبي الدعوة؟ 
بكل تأكيد، لأنه شرف كبير وعزيز، فالتكريم له طعم خاص جدًا إذا جاء من الوطن الغالي، وما أنا سوى ابن للثقافة المصرية المتفردة والمبدعين المصريين الأفذاذ الذين أثروا ذائقتي وخيالي وثقافتي، لكن أنا أدرك طبيعة الأجواء في مصر بعد ثورة يناير، من حيث ارتباك الرؤية وتداخل المصالح، وربما ضيق أفق بعض المسؤولين، لذا لن أنزعج إذا لم يتم تكريمي، لأنهم أيضا لم يكرموا الروائي الكبير إبراهيم عبد المجيد العام الماضي.

* البعض يري في روايتك الأخيرة كومبارس إسقاط سياسي ما، فكيف تري ذلك؟
بمعنى من المعاني يمكن اعتبار (الكومبارس) إدانة للنظم السياسية التي تقتل أبناءها الموهوبين وتظلمهم ظلما بينا، وقد ابتلينا في مصر بنظامي السادات ومبارك طوال أربعين عامًا شهدت خلالها إقصاء متعمد للكثير من المبدعين، الأمر الذي أدى في النهاية إلى تراجع مؤسف في المجالات كافة. 

*برأيك لماذا ابتعد الكاتب المصري عن جائزة البوكر العربية في الآونة الأخيرة؟
علينا الاعتراف بأن بعض الروائيين العرب يمتلكون مهارات متفوقة جدًا لا تقل أبدًا عن مهارات الروائي المصري، لقد تغير العالم في العقود الأخيرة، وفرض الإبداع العربي نفسه على المشهد، حتى صار المبدع المصري ليس وحيدًا في الساحة كما كان فيما سبق، لذا فالمنافسة شديدة وشريفة في جائزة البوكر، وكل ما أطالب به أن يبذل الكاتب المصري جهدًا أكبر ويتقن عمله حتى يستطيع أن ينافس بقوة فيما بعد. 

*برأيك من الكاتب المصري القادر على حصد نوبل للآداب بعد نجيب محفوظ؟ وهل نحن مؤهلون لذلك؟
أعتقد أن الروائي الكبير الأستاذ بهاء طاهر يستحق جائزة نوبل للآداب. 

* كيف تجد نفسك في الصحفي ام في الروائي؟ ومتى ستعود إلى مصر وتستقر بها؟
الصحافة عملي الذي أعشقه بجنون، والرواية حلمي الذي أتنفسه كل لحظة، وبدونه أتوقف عن ممارسة الحياة، أما العودة لمصر فذلك في علم الغيب.
الجريدة الرسمية