رئيس التحرير
عصام كامل

رجل التوك توك وجائزة نوبل !


ربما نصحو ذات صباح قريب على خبر يجوب الآفاق يبشرنا بأن مؤسسة نوبل تدرس منح إحدى جوائزها هذا العام لرجل التوك توك الشهير مستندة في حيثيات منح الجائزة إلى أنه استطاع في 3 دقائق تشخيص الأزمة المصرية المستعصية على الحل ووصف لها العلاج في 3 خطوات هي "إصلاح التعليم والصحة والزراعة"، وأن الفيديو الذي صوره حقق أعلى نسب المشاهدات التي فاقت نسب مناظرة ترامب وكلينتون في صراع الانتخابات الأمريكية وفي زمن قياسي، وأن ما قاله رجل التوك توك أثر وبشكل غير مسبوق في اتجاهات الرأي العام في دولة يعيش على أرضها 90 مليون نسمة، وأن بعض كبار الكتاب والمثقفين والإعلاميين والصحفيين والدراويش تحدثوا ودبجوا المقالات والكلمات العصماء أكثر مما كتبوا وتحدثوا عن العلماء أحمد زويل ومصطفى السيد وفاروق الباز، ورجل الفضاء جاجارين ونيل أرمسترونج أول بشري يضع قدمه على سطح القمر، وأن –رجل التوك توك– تحدث من القلب بمشاعر صادقة ومس شغاف قلوب من سمعوه وشاهدوه فبات من يملكون عقولا واعية في رءوسهم كأنما يملكون عقولا من عجوة إذا جاعوا أكلوها ! وأنه نجح في شغل الرأي العام المصري وجعله يقول: هل ما جاء على لسانه صحيح أم لا ؟


لن أندهش إذا قرأت هذا الخبر عن مؤسسة نوبل فقد منحت من قبل جائزتها للسلام إلى أوباما قبل أن يمضي على رئاسته لأمريكا أكثر من شهر وبعد ذلك زرع أوباما الإرهاب في الشرق الأوسط وما زال يدعمه ويقويه ويمده بالسلاح والمال بشكل مباشر وغير مباشر، ومنحتها أيضًا لمناحم بيجين، رئيس وزراء الكيان الصهيوني الغاصب، ومنحتها لشيمون بيريز، مهندس مجزرة قانا وقاتل الأطفال، ومنحتها للبرادعي، المحرض على تدمير العراق، ومنحتها لتوكل كرمان، باعتبارها أيقونة تحويل اليمن السعيد إلى يمن تعيس يعاني ويلات حرب أهلية وشبح التقسيم الذي لا فكاك منه.. هؤلاء جميعًا حصلوا للأسف على جائزة نوبل للسلام !

المشكلة التي تواجهها مؤسسة نوبل هي اختيار الاسم الجديد للجائزة التي تمنحها لرجل التوك توك حتى يتم اعتمادها سنويًا، وإن كنت أقترح أن يتم منح الجائزة مناصفة بين رجل التوك توك والبرنامج الذي ظهر فيه تشجيعًا لكل الناس على البوح بمكنون صدورهم وقلوبهم وعقولهم، وتشجيعًا لصناع هذه البرامج وغيرها ممن يمارسون تضليل الرأي العام بمهارة عالية وقدرة فائقة على سحق المهنية وفقدان المصداقية !

المدهش في حكاية رجل التوك توك أنه تحول بصناعة نخبوية -تعرف ماذا تريد- إلى رجل المستحيل على مسرح العالم الافتراضي وفضاء السوشيال ميديا، وفجأة نسي أو تناسى المتابعون المنبهرون والسائرون نيامًا أن ما قاله تقوله وسائل الإعلام الرسمية والخاصة، فلا أحد ينكر أن لدينا مشكلات في "التعليم والصحة والغذاء" الذي تنتجه الزراعة.. إذًا ما هو الجديد في الأمر؟

الجديد هو بدء حرب نفسية كحلقة من حلقات الجيل الخامس للحروب تشيع اليأس والإحباط تؤدي إلى فقدان الأمل في كل شيء فينكفئ الجميع على أنفسهم ويفقدون القدرة على الحركة وتنكسر إرادتهم فتكون الهزيمة الحقيقية التي تأخذ عقودًا طويلة للتعافي منها ويتحقق قول الشاغر الإغريقي (هزمناهم.. ليس حين غزوناهم.. ولكن حين أنسيناهم تاريخهم وحضارتهم).. هذه هي الحرب الجديدة.. هزيمة إرادة الشعب.

لم ينتبه الكثيرون إلى الجملة التي لاكتها كل الألسن ( المهم اللي بيقوله صح ولا لأ ) لتأكيدها بعد أن أفتى رجل المستحيل بأن الحياة كانت بمبي وكل شيء كان متاحًا وموجودًا قبل السيسي.. يعني مشكلات التعليم والصحة والغذاء حدثت في عامين فقط؛ ولأن الأمر كان ولابد أن يسير في هذا السياق لم يحاوره المذيع ولم يسأله سؤالا واحدًا !

أين ذهب رجل التوك توك.. لماذا لا تستضيفه هذه القنوات أو يحاوره كاتب من جهابذة الكتاب الذين تعلموا منه الدرس، لماذا لا نتوسع في دراسة شهادة (خريج توك توك) ؟ هل اختفاؤه عن الأنظار يمهد لحكاية أخرى يتم توظيفها في دائرة حقوق الإنسان والاختفاء القسري؟  لن أبيع عقلي.. ومن يبيع عقله لا يستحقه.
الجريدة الرسمية