رئيس التحرير
عصام كامل

الإعلام المصري-السعودي.. تراشق يعكس غياب الإعلام الدبلوماسي


سألت الزميل جلال نصار رئيس تحرير جريدة الأهرام ويكلي، عما إذا كان تصويت مصر بالموافقة على القرارين الروسي والفرنسي في مجلس الأمن الخاصين بحلب جاء مفاجئًا، فقال لي مواقف مصر الخارجية معلنة، فهي لا تعترف بمعارضة مسلحة، ولا توافق على تقسيم سوريا أو العراق أو ليبيا أو أي بلد عربي، لكن البعض اعتقد أن الأزمة الاقتصادية التي تواجهها مصر قد تجعلها تخضع وتغير مواقفها.


إذا كانت السعودية تعرف موقف مصر من سوريا واليمن، فلماذا يهاجم كتّاب سعوديون مصر، فالكاتب تركي الشهلوب قال في تغريدة له "إن نظام السيسي لا يصلح أن يكون "حليفًا" لأنه نظام قائم على الابتزاز، ويقف مع مَن يدفع له أكثر"، أما الكاتب سعود الريس فكتب مقال الموقف المصري ويهاجم السياسة الخارجية المصرية ووصف المواقف المصرية بالرمادية، وقال في مقال اتسم بالهجوم الشديد على مصر أن "الإشكال أن مصر لم تقل لنا أبدًا ماذا تريد؟ ومن خلال مواقفها لم نتمكن من معرفة الإجابة، وهذا ما يجعلنا نتساءل: هل فعلًا مصر تعلم ما الذي تريده في سورية؟"

الهجوم الإعلامي السعودي استلزم ردا إعلاميا مصريا، بهشتاج "مصر لن تركع" والذي دشنه الإعلامي أحمد موسى، الذي طالب وزير الإعلام السعودي "بقرص ودن بعض الكتاب، واصفا إياهم بالمنبوذين، وحذر من اللعب في العلاقات بين مصر والسعودية".

موقع "اليوم السابع" قال إن هاشتاج "مصر لن تركع" حقق 10 آلاف تدوينة في أقل من ساعة، لتدخل وسائل التواصل الاجتماعي على الخط، على اعتبار أنه مع ازدياد التدوينات سيقل الضغط الإعلامي السعودي". مصطفى بكري بدا وكأنه يحاول أن يستحضر دور الدبلوماسية المفقودة، فقال في تصريح لجريدة الوطن "أن هناك إصرارا من الطرفين على تجاوز أي خلافات طارئة، لأن التحديات التي تواجه البلدين أكبر من أي مواقف عارضة".

والحقيقة أن التراشق الإعلامي السعودي-المصري كشف عن فجوة كبيرة في الإعلام الدبلوماسي المصري، ولأن الإعلام الدبلوماسي غير مستعد لملء هذه الفجوة، فإنه كان من الأسهل على كلا الطرفين أن يتراشقا إعلاميًا. ليكون السؤال هل كان يمكن للدبلوماسية المصرية أن تتجنب الهجوم من بعض الإعلاميين السعوديين أو الأزمة التي حدثت؟ نعم كان يمكن ذلك لو أن الخارجية المصرية غيرت النموذج الإعلامي الذي تستخدمه دائما وأبدا فيما يتعلق بالقضايا الخلافية مع الدول العربية.

فالخارجية المصرية تستخدم دائما– بشكل موجه أو غير موجه– نموذج الدبلوماسية الجماهيرية، وتقوم من خلاله بتوظيف وسائل الإعلام في مصر، ووسائل التواصل الاجتماعي للتأثير على الرأي العام في الدول الأخرى. هذا النموذج مفيد عندما يتم استخدامه قبل حدوث خلاف بين مصر وأية دولة أخرى، لكن المؤسف أن الخارجية المصرية تستحضر هذا الدور عندما يقع الخلاف.

النموذج الثاني في الإعلام الدبلوماسي يرتبط باستخدام الخارجية المصرية لوسائل الإعلام للترويج لقرار ما والتحضير له، وهو نموذج قلما استخدمته مصر أو الخارجية المصرية، فوجهة النظر المصرية تجاه الموقف في سوريا– بغض النظر عن صحة وجهة النظر أو كونها خاطئة– كانت واضحة لدول الخليج العربي، ومن بينها السعودية، لكن لم يسع الإعلام المصري في مصر أو الإعلاميون ممن لهم قدرة على التواصل والظهور في الإعلام السعودي إلى توضيح وجهة النظر المصرية.

أما النموذج الجديد والذي يقدمه الباحث إسرائيلي "إيتان جيلبا" أستاذ الإعلام الدولي، والأستاذ الزائر "بمركز الدبلوماسية العامة" بجامعة "يو اس سي بجنوب كاليفورنيا" هو دبلوماسية الإعلامي-المفاوض Media-Broker Diplomacy والذي يقوم من خلال الإعلامي بلعب دور الدبلوماسيين والتدخل كوسطاء في الخلافات أو القضايا التي تنشأ بين الدول.

هذا النموذج يمكن استخدامه في حالات الخلافات والقضايا التي تشبه الخلاف في وجهتي النظر السعودية-المصرية، بل إن بعض الدراسات ترشح استخدامه في حالات الحروب. ويفترض النموذج صعوبة دور الدبلوماسية التلقيدية، وهو ذلك يبدأ بتوظيف الإعلاميين لشرح الخلاف في وجهات النظر، أو للتقريب بين وجهات النظر المختلفة، من خلال زيارات هذه الدول وعقد ندوات موسعة، وزيارة الجامعات، وعقد ندوات في الصحف، بل والالتقاء بسياسيين.

ما ينكره بعض الإعلاميين السعوديين على مصر من اتخاذ وجهة نظر قد تختلف مع وجهة نظر السعودية، قد يضطرون لتأييده لاحقًا. فعلى المحور اللبناني، من المعروف أن رئيس كتلة المستقبل سعد الحريري، والذي لا يتحرك إلا بتوجيهات من المملكة العربية السعودية قد زار غريمه اللدود الجنرال ميشيل عون زعيم التيار الوطني الحر، وهو المرشح الذي يرغب حزب الله في وضعه على كرسي الرئاسة في لبنان، والذي ترفضه المملكة العربية السعودية لكونه حليفًا لحزب الله، وداعمًا لنظام بشار الأسد، فهل يقبل الإعلاميون السعوديون ما كانوا يرفضونه دائما ويوافقون في النهاية على ميشيل عون رئيسا؟

وهل سيوافقون على مبادرة سعد الحريري الذي قال إنه سيقبل بميشيل عون رئيسًا على أن يضمن له حزب الله كرسي رئاسة الوزارة، كي ترى لبنان رئيسًا بعد عامين من الفراغ الرئاسي؟ وهل يعني ذلك أن السعودية وافقت على ميشيل عون الذي سبق ورفضته؟ وحتى إن كانت السعودية رضت بميشيل عون رئيسًا، هل سيضخم الإعلام المصري القرار السعودي باعتبار أنه يقوى شوكة حزب الله في مواجهة الدولة اللبنانية، أم سيحترم قرار المملكة العربية السعودية؟ الأكيد أنه سيحترم قرار المملكة العربية السعودية.
الجريدة الرسمية