رئيس التحرير
عصام كامل

الإبراشي ومعاش الـ «23 جنيه» !


طل علينا الإعلامي وائل الإبراشي كعادته ليلة الأحد في العاشرة مساءً، وبعد جولته المعتادة بين الأخبار التي تشيع معظمها روح اليأس والإحباط بين الناس طلب من مشاهديه متابعة فيديو لمواطن مصري وقال شوفوا البلد فيها إيه وشوفوا أحوال الناس وصلت لإيه !


الفيديو كان لمواطن جالس في الشارع - تقريبا في نهر الطريق - عاريا من ملابس الجزء العلوي تماما يصرخ ويبكي بصوت عال مخاطبا كل الأجهزة المعنية في البلد.. يا ناس ارحموني أنا معاشي 23 جنيها.. أعمل بيهم إيه ؟ يا سيادة الريس يرضيك كده.. فين وزيرة التأمينات.. أنا كنت إصابة عمل وبعد ما خرجت صرفوا معاش 23 جنيها.. يا عالم يا هووووه.. فيه معاش في الدنيا كده.. أعمل بيه إيه !

الغريب أن صوت الفيديو نقي وواضح رغم جلبة السيارات وأصوات كلاكساتها العالية.. بما يعني أن ميكروفونا تم تركيبه في ملابس المواطن لتصل الرسالة واضحة، وأن من كان يصوره واعيًا بما يصور بتركيز كبير !

بعد انتهاء عرض الفيديو.. طل علينا الإبراشي ليقول: معنا على الهاتف صاحب الفيديو.. أهلا بك أستاذ سمير.. قول لنا ما هي الحكاية؟ فيكرر سمير ما قاله في الفيديو مع استغاثة للرئيس السيسي، ووائل الإبراشي لا يفكر في طرح أي سؤال على سمير يستبين به الأمر لكنه ظل يردد كيف يكون معاش مواطن 23 جنيها.. هذه الجنيهات لا تكفي وجبتي إفطار فول وطعمية.. ويستطرد الإبراشي في حديث التسخين بلا منطق.. شايفين يا جماعة البلد ماشية إزاي، والمواطن مطحون فيها إزاي بمعاش 23 جنيها في الشهر، إلى أن قال سمير صاحب الفيديو أنا بعتذر للمشاهدين على انفعالي في الفيديو وعن الألفاظ التي خرجت مني، فيرد وائل لا تعتذر.. نحن الذين نعتذر لك والحكومة تعتذر لك! و.. و..، ولا عزاء للمهنية، ولا عزاء للحيادية!

المهنية توجب عليه وعلى أمثاله من الإعلاميين الذين يجلسون بالساعات يخاطبون الرأي العام ويؤثرون فيه بمناقشة قضايا مهمة أن يتأكدوا أولا من حقيقة القضية محل النقاش، ومن صحة المعلومات الواردة فيها ثم يبدأ التفسير والتوضيح وبيان الأمر.. كان يجب على الإبراشي أن يسأل صاحب الفيديو.. أين كان يعمل وفي أي وظيفة.. وكم كان يتقاضى راتبًا أثناء عمله.. وما هي إصابة العمل التي ذكرها.. هل بسبب العمل أو بسبب شيء آخر؟ متى خرج من الخدمة وأصبح صاحب معاش؟ وأسئلة أخرى كثيرة كانت على لسان المشاهد الذي يتابع هذا المشهد التمثيلي الفج.. لكنه لم يفعل ولم يسأل !

ولو فرضنا أن سمير صادق فيما يقوله، أو أن ما يقوله كذب وافتراء.. أليس من المهنية أن يطلب مداخلة من وزيرة التأمينات والمعاشات أو من المسئول عن المعاشات في دائرة عمل سمير ليسأله عدة أسئلة ضرورية في هذا الشأن منها مثلا.. هل هناك في مصر معاش قيمته 23 جنيها؟ كيف يرد على ما يقوله سمير صاحب الفيديو؟ هل الــ23 جنيها قيمة تعويض مقابل إصابة العمل بالإضافة للمعاش؟ هل كل ما يحصل عليه سمير هو المعاش الحقيقي، وأي نوع من المعاشات هو؟

كان من الطبيعي أن يبحث الإبراشي عن حل لمشكلة سمير صاحب المعاش المتدني بأن يوصله بمسئول عن المعاشات لنعرف حقيقة هذا الكلام وهذا الفيديو.. لكن الإبراشي لم يفعل وطرح القضية وانتهى الأمر عنده وأتم رسالته..

الحقيقة أن الرسالة لم تنته.. فعندما يخالف إعلامي قواعد المهنية فالرسالة التي تصدر عنه تتجه حيث يريد لها أن تذهب.. والله أعلم بالنوايا، والله من وراء القصد.
الجريدة الرسمية