رئيس التحرير
عصام كامل

أوقفوا هذا الاحتفال «الاستفزازي»


من سيدفع فاتورة الاحتفال الاستفزازى للبرلمان اليوم في شرم الشيخ بمرور 150 عامًا على بدء الحياة البرلمانية بمصر ؟ ومن سيتحمل نفقات سفر وإقامة ممثلي ٤٠ دولة و300 صحفي وإعلامي مصرى وأجنبى سيشاركون فيه، وماذا أنجز البرلمان طوال تسعة شهور من انعقاده سوى أن نوابه رفضوا فرض ضريبة على مكافآتهم بينما فرضوا ضريبة على الشعب؟


كيف يقتنع الشعب بدعوات التقشف في وقت يرى فيه المسئولون وأجهزة الدولة وعلى رأسهم البرلمان يمارسون أبشع أنواع السفه وإهدار المال العام، هذا ليس وقت الاحتفالات والاستفزازات، ما يجرى في شرم الشيخ اليوم أشبه بسرادق احتفالى استفزازى تقيمه الدولة بينما يعيش الشعب حالة حزن، ولا مجال إذن لعبارات من نوعية شدوا الأحزمة ورشدوا الاستهلاك.

أفهم أن نحتفل بإنجاز مثل انتصار أكتوبر العظيم مثلا من خلال تكريم الأبطال، ولكن هل وجود برلمان في مصر إنجاز أو معجزة أو مستحيل؟ وهل مصر الدولة الوحيدة في العالم التي لديها برلمان لكى ننظم هذه "الفشخرة الكدابة" التي لا لزوم ولا داعي لها؟

ليس مستغربا أن يحدث هذا "السفه" من برلمان يملك بين يديه "شيكا على بياض"، وميزانيته السنوية مليار جنيه، ورغم ذلك يتأجل إقرار معظم القوانين بسبب "عدم اكتمال النصاب"، برلمان يدرج موازنته "رقم واحد" ليكون "سيد قراره" في أمواله بالمخالفة للدستور ولملاحظات مجلس الدولة، ويرفض إخضاعها لمراقبة الجهاز المركزى للمحاسبات ويؤكد أنه سلطة مستقلة ميزانيته فوق المراقبة، بل ويعفى مكافآت نوابه من الضرائب وكأنهم على رأسهم ريشة.

بعدما قرأت تصريح على عبد العال رئيس مجلس النواب، عن أن هناك رعاة للاحتفالية وأن البرلمان لم يدفع مليما واحدا، اعتقدت أن هناك رجال أعمال أو شركات خاصة هي التي ستدفع الفاتورة بعيدا عن "جيب الدولة" وميزانيتها المنهكة، ولكن تبين أن الذين قال عنهم السيد عبد العال أنهم "رعاة" ليسوا سوى مؤسسات من الدولة وهم وزارة الثقافة، مصر للطيران، وزارة الشباب، اتحاد الغرف التجارية.. على من يضحك رئيس البرلمان إذن؟

لقد تم إعلان تفاصيل كل شيء عن الترتيبات والاحتفالات والمواعيد وعدد الحضور وجدول الأعمال، لكن أحدا لم يقل لنا كم تبلغ التكلفة؟ ومن سيدفع الفاتورة ؟ وبناءً عليه أطالب بإلزام الـ 600 نائب بتحمل التكلفة الإجمالية للاحتفال من جيوبهم مناصفة بالتساوى وهى بالملايين، كما أطالب الرئيس بإصدار قرار بوقف كافة أشكال هذه النوعية من الاحتفالات في كل مؤسسات الدولة باعتبارها تكبد الميزانية ملايين دون أي فائدة.

إن مبادرة أعضاء في البرلمان لايتجاوز عددهم أصابع اليد بتحمل نفقات حضورهم هذه الاحتفالية شخصيا فهى وإن كانت "تُحْترم"، إلا أنها ليست أكثر من "شو إعلامي" يعلم أصحابها أنها لن تكون قابلة للتنفيذ على أرض الواقع.

صحيح أن البرلمان المصرى كان عبر التاريخ منبرا حرًا منحازًا لإرادة الشعب وصوتا له، ومرآة لتجربة حزبية ليبرالية حقيقية قبل منتصف القرن الماضى، ولكن السؤال: ماذا أنجز طوال الخمسين عاما الأخيرة سوى أنه تحول من منبر ليبرالى حقيقى ومرآة للتعددية الحزبية إلى أداة في يد الحاكم أو إلى ديكور للمعارضة أو لتكريس هيمنة السلطة بعد ثورة يناير 2011.

كان مجلس الشعب في زمن مبارك "سيد قراره"، وكان يتجاهل مئات الاحكام القضائية النهائية التي تصدر ببطلان عضوية أعضاء الحزب الوطني المنحل، وفي زمن السيسي أصبح البرلمان "سيد فلوسه"، ويتجاهل ظروف البلد الاقتصادية الصعبة ويبحث عن أقصى الامتيازات المادية لأعضائه وكأنه "سبوبة" يسترزق النواب منها وكأن نائب البرلمان أصبحت مهنة أو وظيفة لا تكليف بالعمل العام.

بمناسبة الاحتفال الاستفزازى اليوم، أوجه سؤالا لـ "عبد العال" لماذا أوقف العمل بالتصويت الإلكتروني الذي رأيناه في أول أيام الانعقاد ثم اختفى أو تم إخفاؤه؟ وكان مطلبا لملايين المصريين، وهل هناك نية لاستنساخ تجربة برلمان مبارك وفتحي سرور الذي كان يلجأ لتمرير القوانين زورًا وبهتانا بمقولة "الموافق موافقون موافقة" دون أن يرفع النواب أيديهم من الأصل.
الجريدة الرسمية