رئيس التحرير
عصام كامل

حديث الإفك


تابعت ومعى آلاف من أعضاء هيئة التدريس بكلية الطب ما نشر تحت عنوان: " 80% من أساتذة كليات الطب يحصلون على مليار جنيه ولا يذهبون إلى كلياتهم" حيث انقسم العنوان إلى جزئين: الجزء الأول حق وإن تمت كتابته بأسلوب يحمل في طياته التضخيم والاستعداء فعدد أعضاء هيئة التدريس بكليات الطب نحو 28 ألفا، متوسط رواتبهم نحو 6 آلاف جنيه شهريا أي نحو 2 مليار جنيه سنويا وإذا استبعدنا المنتدبين والمعارين وكل من في إجازة لتصل مجمل الرواتب السنوية لأعضاء هيئة التدريس بكليات الطب أكثر من مليار جنيه سنويا..


وإن كان القارئ لا يمكن أن يتخيل أن هذا الرقم هو مجموع المرتبات الهزلية لأساتذة كليات الطب وبدلا من مناقشة كيف وصل الحال بهم في مصر إلى هذا التدنى أتى المقال بمعلومات غير صحيحة أو موثقة تمثل سبا وقذفا وتحريضا واضحا ضد أساتذة كليات الطب فباقى العنوان أتى صادما حاملا افتراءً واضحا يمس كرامة كل أساتذة كليات الطب، وهو ادعاء أن 80% منهم لا يذهبون إلى عملهم وهو اتهام إن صح لوجب فصل الغالبية العظمى من أساتذة كليات الطب فورا ومطالبتهم برد كل الرواتب التي حصلوا عليها على مدى عمرهم..

وإن اتضح كذبه لوجبت محاكمة من افترى هذه المعلومات الكاذبة المضللة التي تنال من هيبة وكرامة أساتذة كليات الطب لغرض خبيث لا يعلمه إلى من افترى هذا الكلام.

وبداية علينا أن نذكر بعض الحقائق: يبلغ عدد المستشفيات الجامعية نحو 88 مستشفى تقدم ما يقرب نصف الخدمة الطبية السريرية في مصر وتحمل عبء ما يقرب من ثلاثة أرباع حالات الطوارئ والحالات المتقدمة والمعقدة، بينما تقوم بالباقى أكثر من 540 مستشفى تابعة لوزارة الصحة كما تمثل تلك المستشفيات المركز الأساسى لتعليم وتدريب طلبة كليات الطب وطلبة الدراسات العليا في كافة التخصصات.

وأبدأ بسرد ما تضمنه المقال من لوي للحقائق وإشعال لنار الفتنة، فقد ذكر أن أعداد أعضاء هيئة التدريس في كليات الطب الأعلى عالميا لكنه لم يذكر أن سبب ذلك أن الجامعة تجبر عضو هيئة التدريس على العمل بالسخرة في المستشفيات الجامعية دون أي أجر أو حماية أو حقوق عكس دول العالم الأخرى التي يتم التعاقد فيها مع عضو هيئة التدريس للعمل كطبيب بالمستشفى الجامعى بأضعاف راتبه كأستاذ دون أن ينقص ذلك من أجره عن التدريس شيء..

ففى كندا مثلا يبلغ الراتب السنوى للأستاذ نحو 120 ألف دولار (في مصر يعادل نحو 8 آلاف دولار بنسبة نحو 6% من الأجر العالمى) كما يحصل على نحو 300-500 ألف دولار على عمله كاستشارى في التخصصات المختلفة في المستشفيات التعليمية والجامعية.

ولا تتوقف الحقوق على الشق المالى فقط بل تأتى المسئولية القانونية التضامنية للمستشفى عن باقى الفريق الطبى والأجهزة وبيئة العمل وكل ما ينتج عنها من مخاطر مزاولة مهنة الطب حماية للأستاذ الجامعى من المساءلة القانونية. ثم تضمن المقال معلومات كاذبة على أن المستشفيات الجامعية يتواجد بها 25% فقط من أعضاء هيئة التدريس ولا أدرى من أين أتى كاتب المقال بهذه النسب التي تتعارض حتى ما افتراه في عنوان المقال من غياب 80% منهم..فكيف يغيب 80% ويحضر 25% وهو ما يتنافى حتى مع قواعد الجمع والطرح ولا يتفق إلا مع قواعد الافتراء والهزل.

ثم يبدأ خلط المعلومات بالحديث عن الطلبة ونسب أعضاء هيئة التدريس إلى الطلبة ومقارنة ذلك بالنسب العالمية وهو حق يراد به باطل فالتعيينات في كليات الطب تتم لتغطية المستشفيات بالأساس وبدون أجر حقيقى كما ذكرنا ويتم التناوب بين أعضاء هيئة التدريس على تغطية العمل في المستشفيات الجامعية 24 ساعة يوميا و7 أيام أسبوعيا بما في ذلك العطلات والأعياد والإجازات الرسمية وكل ذلك دون أجر على هذا العمل.

ومن الحق أن أقول إن مستشفيات كقصر العينى والدمرداش تستقبل سنويا في عياداتها الخارجية أكثر من ثلاثة ملايين مريض سنويا وتجرى مئات الآلاف من العمليات الجراحية وتستقبل مئات الآلاف من مرضى الطوارئ وهذا غير موجود بأى مستشفى جامعى في العالم.

أما الدراسة "التحليلية" المذكورة فهى فعلا تستخدم كمحلل لمحاولة إصدار قانون يجبر أساتذة كليات الطب على العمل طوال الوقت بالمستشفيات الجامعية دون أجر بنفس الراتب الذي يقل عن راتب ساعى في أحد البنوك أو شركات البترول أو قطاع الأعمال العام أو الهيئات الاقتصادية.

إذا فإن جوهر ما ذكر بالموضوع المشار إليه يخلط بين موضوعين منفصلين تماما وهما التدريس والممارسة الطبية وأن هذا الخلط فيه كثير من التدليس تمهيدا لتمرير قوانين تنال من حقوق أساتذة الطب المادية والقانونية وتهدف بالأساس لرفع المسئوليات المالية عن كاهل الحكومة.

إن هذا الخلط المقصود لا يمكن أن يؤدى إلى إصلاح والدول المرجعية من حولنا بها نماذج ناجحة للعمل في قطاع التعليم الطبى ونحن نقبل بتطبيق أي نموذج منها لإصلاح الحال المتردي الذي نتج عن الفساد الفكرى والتدليس الذي أصبح منهاجا والحلول كثيرة ومجربة وسهلة التطبيق لكن يبقى السؤال هل هناك فعلا نية وإرادة للإصلاح أم أن الغرض خفض الإنفاق والتخلص من أهم مقدمي الخدمة الطبية في مصر.

ولا يسعنى إلا أن أذكر أن صدمتى بهذا المقال كانت أقل كثيرا من مقال مشابه كتبه نفس الكاتب بعنوان "المال الحرام في الجامعات" في أوائل عام 2013 يسوق فيه لفكرة حكومية جاءت من وزير التعليم العالى وقتها الدكتور مصطفى مسعد بإجبار أساتذة الجامعة بكتابة تقارير سنوية إليه بالمخالفة للقانون حينها انبرى الكاتب ربما بمفرده ضد كل أصحاب الرأى الجامعى للتسويق لرغبة الوزير وأهمية كتابة التقارير لوزير التعليم العالى وحرمانية الرواتب في حالة عدم التنفيذ.. لكن القضاء أنصف أساتذة الجامعات أمام هذا التدليس.. كما نأمل أن يفعل هذه المرة أيضا ضد من يلبسون الحق بالباطل ويكيدون للعلماء ورثة الأنبياء.
الجريدة الرسمية