رئيس التحرير
عصام كامل

جنون الأسعار وشعبية الرئيس


انتخب المصريون الرئيس السيسي بإجماع ساحق لم يحصل عليه أي رئيس مصرى سابق امتنانًا لدوره العظيم كمنقذ ومُخَلِصْ، وكان هذا الإجماع مصحوبًا بثقتهم في قدرته على أن يعيد لهم دولة القانون والعدل والحرية المنضبطة وينهى دولة الفوضى المجتمعية واللاقانون والفساد والظلم والمحسوبية.


غير أن امتنان الشعب للرئيس لإنقاذهم من حكم الإخوان، قد لا يمنحه صكوك الغفران لموجة غلاء الأسعار المسعورة والمجنونة غير المسبوقة في تاريخ مصر خلال العام الأخير من حكمه مصر ومجموعة قرارات وإجراءات ترتب عليها واقع معيشى مؤلم ومعاناة باتت واضحة للجميع، ولأزمات مستعصية توسموا فيه القدرة على حلها ولم يفعل.

لا أحد ينكر سلسلة الإنجازات التي تحققت في مصر منذ مجيء الرئيس ومنها شبكة الطرق العملاقة، وتدشين مشروع المليون ونصف المليون فدان ومشروع المليون وحدة سكنية وتطوير شبكة الكهرباء والمشروع القومى للقضاء على فيروس سى ومشروع تطوير العشوائيات، وإنشاء أكبر منطقة اقتصادية عالمية بمحور قناة السويس ومشروع العاصمة الإدارية، وتطوير منظومة الخبز وغيرها من المشروعات العملاقة التي سيشعر بحصادها المصريون على الأمد البعيد.

لكن ما حدث خلال الشهور الثلاثة الأخيرة من ارتفاع جنونى في أسعار كل شيء، وما يتردد عن مزيد من تعويم الجنيه وما سيتبعه من ارتفاعات جديدة في الأسعار، أفرغ كل الإنجازات التي حققها الرئيس من مضمونها وجدواها وقيمتها.

لا أحد ينكر أن مشروع حفر قناة السويس الثانية هو أحد أكبر المشروعات العملاقة في تاريخ مصر الحديث، غير أنه بالحسابات البراجماتية تكبدت ميزانية مصر مئات الملايين من الجنيهات، ولم تحصد أي عائد من ورائها، وما يمر الآن من سفن أقل مما كان قبل التوسعة، والمثير للدهشة هو تراجع إيرادات قناة السويس إجمالا بنسبة 5% لأن الناقلات الكبيرة فضلت المرور من رأس الرجاء الصالح وحرق كمية بترول أكبر نظرًا لانخفاض أسعاره على المرور من القناة ودفع رسوم.

صحيح أن الرئيس السيسي لا ذنب له وليس مسئولا عن تباطؤ الاقتصاد العالمى ولا عن تراجع سعر برميل البترول عالميًا والذي كان له تأثير سلبي فى الحركة بالقناة، ولكن أين كانت أجهزة الدولة من تنبؤات انخفاض أسعار البترول التي ستستمر طويلا، ولماذا لم تضع هذه المعلومات أمام الرئيس قبل بدء عملية الحفر بحيث كان يمكن التأجيل وتوجيه الأموال لمشروعات أخرى وفقًا للأولويات.

لا أحد ينكر أيضًا أن أكثر من ثلث إيرادات الموازنة يذهب لموظفي الدولة، وأن قيمة رواتب موظفي الحكومة ارتفعت من 86 مليار جنيه في 2010 إلى 228 مليار جنيه بزيادة 150 مليار جنيه، بجانب القيمة الإجمالية التي أضيفت للمعاشات والتي زادت إلى 53 مليار جنيه، وصحيح أنه ليس مسئولا عن تعيين مليون موظف في الحكومة سنة حكم الإخوان، لكن العبرة ليست بالمقدمات ولكن بالنتائج وبالواقع الذي تعيشه قطاعات كبيرة من المصريين الآن، وصحيح أنه كان مجبرًا على سداد فواتير ملزمة واستحقاقات مؤجلة من فترات حكم سابقة، ومنها تحرير سعر الجنيه أمام الدولار استجابة لشروط صندوق النقد الدولى المجحفة بحق الشعوب، ورفع أسعار الكهرباء والغاز، وفرض ضريبة القيمة المضافة، ولكن الرئيس وعد كل من يلجأ لتخزين الدولار بالندم، ووعد بانخفاض أسعار السلع، ولم يحدث.

ما زال هناك الملايين من المصريين يحبون الرئيس ومستعدون لـ "بلع الظلط" له وسيظلون على حبهم له مهما حدث، لكن هناك قطاعات كبيرة أيضًا تراجع حبها وولاؤها له بعد أن وصل الضرر لهم في أرزاقهم، ولمسوا على أرض الواقع الارتفاع الجنونى في الأسعار ولا يهمهم الآن المشروعات القومية، بقدر شعورهم بالمعاناة من ارتفاع الأسعار مقابل ثبات الدخل.

إقالة وزير ومحاكمة آخر، وتشكيل لجنة لاسترداد أراضى الدولة المستولى عليها، لا يعنى أن الفساد انتهى، والفوضى المجتمعية مازالت تضرب الشارع ووصلت إلى حدود غير مسبوقة، والرشوة صارت مستشرية بحيث لا يستطيع أي مواطن إنجاز أي أوراق في مصلحة حكومية أو غير حكومية إلا بها، وللأسف كل إنجاز لوجه الوطن يتوقف ويتعرقل، وكل ما هو مشوه ومشبوه يتحقق ويتقدم بسبب دولة "الفساد العميقة" التي مازلنا ننتظر أن يقضى عليها الرئيس بنفس طريقة قضائه على دولة "الإخوان البغيضة".
الجريدة الرسمية