رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

نكات الإخوان الجنسية !

الكاتب جمال البنا
الكاتب جمال البنا

الأحد 2/1/49
تعددت الزيارات لزملائنا فى العنبر، وامتلأت الكومودينات بالأقفاص، وعيون الدولاب الحجرى بالطيبات من المآكل التى أعدتها الزوجات والأمهات، وبعد أن كنا نقول ضاحكين: «نحن فى سعة من العيش» إذا تكاثر الخبز عندنا، فإننا الآن فى سعة من العيش حقيقة.!., ولقد زار الأستاذ عبدالرحمن زوجته وابنه أسامة وصهره، وأرسلت إليّ الوالدة ملابس أخرى ووعدت بالزيارة الأسبوع التالي.

لا أكاد أتصور أنه قد مضى علينا الآن نحو شهر، فنحن لا نعمل شيئاً سوى الأكل والصلاة!.. والأيام تمر بسرعة، وساعات اليوم تنقضي، ونصبح ثم نسير دورتين فإذا بالسماء قد غربت، ومادامت السماء قد غربت، ففى النوم متسع، ونحن ننام من الثامنة حتى الثامنة.
زارنا أمس جمال السنهورى-(30) وقد اعتقل بمصادفة عجبية، فقد قفز إلى أتوبيس 4 فوجد فيه المخبر, الذى كان مكلفاً بالقبض عليه من خمسة عشر يوماً، فأخذه من هناك إلى بندر الجيزة, حيث أمضى مدة مع الإخوان فى سجنهم, الذى زينوا جدرانه بهتافات الإخوان، ثم نقلوه إلى قسم الخليفة, حيث قابله ضابط قبطى ضربه عدة ضربات بخيزرانة، ووجه إليه بعض الشتائم, وقد عرف أن هذا الضابط لا يعفى أحداً من الإخوان، ولا حتى من زوارهم، من ضربه مئة ضربة بهذه الخيزرانة على رجليه، فيمسك ويخلع عنه حذاءه وجوربه ثم يوضع فى «فلكة», فيضرب المئة عداً لا تنقص.. وقد اتضح أن هذا الضابط فضلاً عن قبطيته, فإنه كان قد ضرب من الإخوان فى إحدى المصادمات.
كان أمس أول شهر ربيع الأول.. وقد اعتاد المسلمون أن يحتفلوا من أوله حتى اليوم الثانى عشر بعيد ميلاد النبي، فتقوم حفلات متكررة حتى تكون “الليلة الكبيرة”, التى هى ليلة الميلاد فعلاً، وقد أردنا أن نحيى هذه العادة فى المعتقل فبعد صلاة العشاء، وتناول العشاء وكانت الساعة 8٫30 قمنا «أى رجال عنبر الإدارة» إلى النادى, حيث وجدنا ساكنيه نائمين فى سرر متقابلين كأنهم موميوات فى بهو من بهوات المتحف المصرى, حتى قال حلمى نور الدين وهو داخل: «السلام عليكم دار قوم مؤمنين»، واخترقناه إلى العنبر المجاور الذى يشغله معتقلو الإسماعيلية، وهذا كان جميعه فى يقظة وانتظار، فحشرنا أنفسنا فى الأسرة, كل ثلاثة أو أربعة فى سرير، وبدأ القرآن ثم تُلى نشيد، كان عبارة عن مقطع أولى يكرر من كل المجتمعين، يليه أبيات، تتلى بيتاً بيتاً من فرقة المنشدين المتمرنين, وقد كانوا الأستاذ عبدالرحمن وعبدالرحمن حسب الله (31)ويوسف طلعت (32) وقد أنشدت بملء فمى فى جو اجتماعى تسوده عاطفة واحدة، ووسط شباب لا يخلو من قسامة وحرارة وحيوية، وبروح مخلصة ممتلئة إعجاباً بشحص النبى العربى, الذى كان جنتلماناً مثالياً، وبطلاً يفوق الأبطال.. وقد فكرت فى إقامة مثل هذه الاحتفالات فى الجماعة (33).
الجمعة 7/1/49
لم أكتب مذكراتى منذ الأحد الماضى ملالة وسآماً, وقد كان أمس، وأمس الأول باردين, فلزمنا الأسرة أكثر اليوم، وطال الوقت، وثقل على النفس هنا، الكسل والخمول.. الذى لم يكن لنقطعه بغير مناقشات مملة سخيفة, ترتفع فيها الأصوات على غير جدوي! فإذا جاءت السابعة وصُلينا العشاء أوينا إلى أسرتنا، فنام البعض، وكسل الآخرون عن القيام للدرس!.
انقطعت صلتى بالعالم الخارجى الخاص منذ عدة أيام، وأنا أترقب الأحد القادم, عسى أن يحضر عبدالباسط لأعلم منه طبيعة موقفه، وهل قبلت استقالته أم لا..
وحتى الآن لم أهتد إلى حل يريحنى فى المعاش، والجماعة، ولقد ألقى أحد منا أمس على الباقين سؤالاً, فيما يعمله إذا خرج وبقى الاضطهاد، وقد أجمع الحضور تقريباً على ممارسة الأعمال الحرة، وبدا لى أن كسب عشرة جنيهات فى الشهر, ليست مما يشق على معظهم، كان بائع الطعمية يكسب أكثر منها، وتاجر السمك يعطى موظفاً عنده عشرة جنيهات لقاء تنظيف السمك وقليه، أما أنا فلم أذكر شيئاً, وقلت إننى لن أعمل شيئاً للدعوة، وأن أحوالى الخاصة لا تهم أحداً غيري.
خطرت لى أمس، وأول أمس، عدة خواطر لو كانت هنا مذكراتى القديمة (34) لشرحتها باستفاضة، منها ما لاحظته عن الأخطاء الصغيرة، والاستهانة بلحظة تجر ندم الدهر كله، خطئي حين فضلت الدراسة المقتضبة غير الملائمة لى (35)على دراستى المفروضة اللائقة، خطأ عبدالباسط حين قنع بقسمة الكونستبلات، ولم يحاول أن يتم دراسته سنة واحدة ليأخذ البكالوريا ويتخرج ملازماً, بدلاً من أن يحتاج إلى عشر سنوات ليبلغها ثم ينتكس.. خطأ فوزية الصغيرة، الساذجة، بل خطأنا نحن لأننا أاؤتمنا عليها “كلمة غير مقرؤة” لا لشيء سوى التسرع وعدم التدقيق.. ثلاث حالات فى عائلة واحدة فما أتعس هذا.
وخاطرة أخرى عن الأديان الوثنية، أنها فى الحقيقة لا تدخل فى باب «الأديان» الأديان المنزلة، أو أن الفرق بينها كبير، فالأديان الوثنية أديان إنسانية، وليست إلهية، أى أن الإنسان فيها -على عكس الأديان الإلهية- يخلق الإله، ومن أجل هذا كانت متعددة، لأن طبيعة الحياة الإنسانية التعدد، حتى ما كان ماساً بالشر أو اللذة, «باخوس إله الخمر، فينوس إله الجمال، إله الشر”, ومن أجل هذا أيضاً ازدهرت خلالها الحياة الإنسانية بنقائصها وفضائلها من فنون وآداب وقسوة وتكبر، فهى الإنسان بخيره وشره، أما الأديان الإلهية فإنها تقمع الشرور الإنسانية بقوة الإنسان, لكنها تترك حرية كبرى تُستغل للأسف فى النواحى السيئة بالذات على الأغلب.
ومن هذه الخواطر أن الأديان المنزلة تعتمد على الغيب والإيمان، فهى ترسل رجالاً وليس ملائكة، أما المعجزات فهى تافهة, ولا تصح أن تكون دليل نبوة.. ولا يأتى النصر إلا بالطرق العادية، فإذا حدثت محنة، فهى امتحان، وإذا حدث النصر بعد الصبر والبلاء, عُدّ معجزة إلهية، وأخيراً جداً فإن الثواب والعقاب، والجنة والنار إنما يكونان بعد الموت، ولا أحد يعلم بما بعد الموت.
صلى بنا اليوم الجمعة، وألقى خطبتها فريد عبدالخالق (36) وهذه الخطبة هى التى أريد التعليق عليها، فإنه بدأ متخبطاً فصور الحياة الإنسانية قبل النبى, ثم صور جهاده وانتهى منه إلى صور البلاء والصبر, وخلق الصحابة فى محنتهم المشتركة, ثم كيف كان النصر هو الثمرة، ومَثَّل الإخوان بالصحابة.. إلخ, وكانت الآيات تتدافع على لسانه، بينما يسود التأثر، ويعم الانفعال، وكنت أجيل النظر فى وجوه الإخوان، فأشاهد آيات ذلك وسحره عليهم، ممتلكة لنفوسهم، بينما كنت أشمئز من النظر، فهذه بساطة لا تعادلها بساطة، وقد أخذهم -كما يقولون -أخذ عزيز مقتدر، ولم يضطر لا إلى شرح أو تدليل، وكيف يدلل على أن الله موجود, أو أن الإخوان كالصحابة، أو النصر لابد منه؟
إن التدليل لا يهمه على الإطلاق، فهو قد آمن، وهو يصب إيمانه ويكرره، والناس تتأثر وتنقاد، ولو أنه فتح لها باب النقاش لاسترد كل واحد نفسه، ولتنبهت فيه ملكة النقد، وقد كنت ألجأ فى كل خطبى إلى التدليل والشرح، وهذا خطأ، ففكرة الغائية الإنسانية فكرة فلسفية، وفكرة الانفعال فكرة علمية ومن المستحيل أن نلجأ إليهما لنبث الحماسة، فإن علينا أن نبث الحماس ليمكن فهمهما تحت ضغط العاطفة، ومن بابها.
الأحد 9/1/49
فى المعتقل، كما فى المركز العام، يظهر شيئاً فشيئ عيب الإخوان الأساسى “ضعف الإدارة”, فالإدارة فى المعتقل فوضي، ورغم أن القائمين عليها من أكفأ رجال الإخوان, إلا أنهم لا يفقهون أولى بديهيات الإدارة!
وقد ظل المعتقل فى شبه ظلام ثلاث ليال لم يفعل فيها رجال الإدارة شيئاً, حتى اضطر أحد الطلبة أن يتزعم حركة ثورية، وأن يقول فى المصلى: إن الإدارة “غير ذات موضوع”!
ارتفعت أمس واليوم نوبات التفاؤل إثر كلمة ألقى بها عسكرى مجهول مفادها أن فتح الشُعَب سيتم الثلاثاء، والإفراج الأربعاء, وفى الصباح التالى اتضح أن نحو خمسة أو ستة من زبائن عنبرنا فحسب, رأوا رؤى مختلفة تقرر هذا الرأي!
وهنا رسالة أخرى ألقى بها مجهول آخر من الإخوان أكثر قرباً إلى العقل والمنطق من سابقتها, تروى أن الحكومة تريد الإفراج, لكنها محرجة، لذلك رحبت بتقديم قضية إلى مجلس الدولة، والرأى أنها ستكسب سريعاً، وبذلك يأتى الإفراج بحكم قضائى لا بمسعى سياسي!
الأحد مساء
خواطر.. وعواطف.. ومثارات للفكر.. ومحييات للحزن القديم..
يوم الزيارة وما يعقبه من تبادل عواطف وذكريات.. تحييها كل حركة تعلق بها الإنسان, شيئاً جهزته الأيدى الرحيمة وأعدته القلوب الخائفة فى المنازل، وتحول من العاطفة الخاصة إلى العاطفة العامة، وما أمّر ذلك على النفس، وأبعثه على الألم والخسة؟، أن يعتقل زعيم فكرة مستقلة(37) لحساب فكرة أخرى معارضة أو على الأقل مختلفة؟، ثم نحن هنا نجد أعضاء دعوة لا يتوانون لحظة عن الدعاء المخلص لمرشدهم، ويصل بهم الإخلاص إلى تقرير عدم تنفيذ الإفراج إذا ما لم يصرح لهم المرشد بذلك، وفى المعتقل نفسه رئيس فكرة أخرى, لا يسأل عنه أعضاؤه! وقد قضت جماعته، كمولد انتهت أيامه، فقوضت خيامه وانفض موكبه، وتهاوى كبيت من ورق.
يوم الإثنين 10/1/49
لم نتحرك اليوم إلا لماماً، وقضينا اليوم كله فى أسرتنا تحت البطاطين, ولما أتذكر ذلك وأتصور كم كنت نشيطاً فى الأيام الماضية, أتعجب وتتضح لى حقيقة, كنت آمنت بها نظرياً ولكنى لم أؤمن بها عملياً إلا من المعتقل، وهى أن التكرار يهّون كل شيء، وإلا لما أمكن للمسجونين أن يظلوا فى سجونهم عشرات السنين.
النشاط الوحيد الذى قمنا به كان فى المساء؛ للاستماع إلى الدرس وكان الأستاذ عابدين هو الذى يلقيه عن« رحلة اليمن» (38), وهى سلسلة قيمة جداً كان المفروض أن تكون هذه أخيرتها، وتناول المحاضر:
1- الحالة الاقتصادية وكيف أن 80٪ على الأقل من أهلها عراة, لا يسترهم إلا إزار من أسفل وفروة مقلوبة من أعلي، وكيف إنه لا يوجد بالعاصمة أى شكل عملى للفكرة الاجتماعية، لا نادى ولا حزب ولا جمعية، حتى ولا مقهي، والمدارس الثلاث هناك, التى انتدب لها مدرسون مصريون إنما هى كتاتيب ليس الغرض منها النفع، وإنما التظاهر، أما الحالة الأخلاقية، فإن فكرة الحجاب قد استغلتها المرأة للفساد، وقد سأل الشيخ محمود هدايت -وهو سنى مشاغب من أتباع الشيخ حامد الفقي (39) المحاضر عند كلامه على حالة الفسق« :هل شاهدت ذلك عملياً بنفسك؟» فضحكنا، واعتبرت نكتة المحاضرة، والواقع أن النكات كثيرة فى المحاضرات ولكن لم أعن بتسجيلها، كما أنى لم أشهد كل المحاضرات، وأذكر الآن فى إحداهما أن الأستاذ حلمى نور الدين كان يتحدث عن رأى الفقه فى الغسل فقال: «فإذا رأى أحدكم فى منامه أنه يعابث فتاة أو غلاماً»، فضجت الصالة بالضحك لاعتقاده احتمال رؤيا معابثة غلام، ومعظم النكت من هذا النوع لها طابع هزلى وجنسي، وقد يبدو لى هذا غريباً، ولكنه ظاهرياً، وإلا فهو معقول نفسياً.
فى زيارة الأمس للأستاذ عابدين جاءت بضعة كتب خبرت منها سلسلة الأستاذ أحمد أمين عن «فجر الإسلام، وضحاه، وظهره», وقد آليت على نفسى مراجعتها وبدأت اليوم، وأظن أنى قد أتممت جزءها الأول, واستفدت منه كثيراً, لاسيما من الجزء الأخير.
Advertisements
الجريدة الرسمية