رئيس التحرير
عصام كامل

رؤساء مصر وجنازات إسرائيل


سؤال صادم ومفاجئ، وموت مستحق وثقيل لقاتل حاصل على نوبل للسلام، وهو سؤال يستدعي إلى الذاكرة الرحلة الوحيدة والزيارة الخاطفة التي قام بها الرئيس الأسبق حسنى مبارك إلى إسرائيل؛ للمشاركة في مراسم جنازة رئيس الوزراء الإسرائيلي وقتها إسحاق رابين.


كان رابين قد تعرض في ٤ نوفمبر ١٩٩٥ لحادث اغتيال ضربًا بالرصاص من يهودي متطرف هو إيجال أمير، وكان رابين يلقي خطابًا في ميدان ملوك إسرائيل أمام حشود مؤيدة للسلام مع العرب وإعادة الجولان، حينما تلقى الرصاصات، ومات على الفور في المستشفى.. وسافر مبارك إلى إسرائيل بتشجيع من بيل كلينتون رئيس أمريكا وقتها وشارك في الجنازة، وعاد في نفس اليوم، وعدت تلك زيارة غير محسوبة، ولا تذكر، لأنها جرت مراعاة لنزوع رابين إلى السلام.

وفجر أمس، مات شيمون بيريز، الرئيس التاسع لإسرائيل، ورئيس الحكومة الإسرائيلية لدورتين، وبطل مجزرة قانا في لبنان، ومهندس العدوان الثلاثي على مصر، في العام ١٩٥٦، بعد إعلان الرئيس الراحل جمال عبد الناصر قرار مصر التاريخي بتأميم قناة السويس.

وللعلم أيضًا فإن الرئيس الإسرائيلي الميت، هو من قاد التفاوض مع فرنسا لشن العدوان، واتفق الطرفان سرًا بعيدًا عن واشنطن، بأن تقدم فرنسا الخبرة والمعرفة لبناء المفاعل النووي الإسرائيلي في صحراء النقب، والمشهور باسم مفاعل ديمونة، مقابل المشاركة في الاعتداء على مصر ونصب الفخ لناصر، الذي تمكن بفضل صمود الشعب المصري والتفافه حول زعيمه، وبفضل الموقف السوفيتي، من كسب المعركة دبلوماسيًا وتحول العدوان إلى نصر سياسي لمصر، ودحر الدور البريطاني في منطقة الشرق الأوسط، وهو فراغ ملأته أمريكا بسرعة، والمدهش أن أيزنهاور وقتها أدان العدوان البريطاني الفرنسي الإسرائيلي على مصر!

كان شيمون بيريز، في حقيقة الأمر مات قبل أسبوعين، بجلطة في المخ، عقبال نتنياهو، ليلحق بشارون، واليوم تعلن إسرائيل أن قادة من دول العالم سيشيعون بيريز إلى مثواه قبـــل الأخير، منهم طبعًا أوباما، وتيريزا رئيس الحكومة البريطانية وهولاند رئيس فرنسا ورئيس حكومة أستراليا وكندا، والأمير البريطاني تشارلز وهيلاري كلينتون.. ونقلت مواقع مصرية عن الإذاعة الإسرائيلية أنه ربما يحضر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والعاهل الأردني.. وطبعًا لم تذكر المواقع لفظة ربما، بل قطعت في العناوين بأن الرئيس سيحضر جنازة شيمون بيريز !

لا بأس.. فالسؤال ضاغط وملح: هل يحضر فعلا الرئيس السيسي جنازة رئيس إسرائيل ؟

الواقع أن الرئيس ليس بحاجة إلى مزيد من المشكلات، لم يكن ينقصه إلا هذا الإحراج الطارئ.. أنا أراه إحراجًا، لا أعرف كيف سيراه الرئيس.. ربما قر قراره ألا يسافر شخصيًا، وأن مبعوثًا رفيعًا، ربما يسافر، وتنتهى الساعات المقرفة الحرجة لدفن رجل لم يدخر وقتًا ولا جهدًا ولا خبثًا في قتل الآلاف، لتدعيــم أسس الدولة العبرية.

لكن من العقل أيضًا أن نضع في الحسبان التصريح الأخير للرئيس السيسي، في الصحف الأمريكية حول العلاقات المصرية الإسرائيلية وأنها عبرت مرحلة عدم الأمان إلى الأمان.. قرار السفر المصري يضع أيضًا في الاعتبار أن المرشحين في سباق الرئاسة الأمريكية، وقد التقى معهما، واحدًا بعد الآخر، ربما يختلفان في نقاط عديدة إلا أنهما متفقان على دعم إسرائيل إلى الأبد !

لكن ماذا عن مشاعر الشعب المصري؟
كان مرسي أول جاسوس مدني منتخب رأس مصر قد بعث بخطاب غزل واستعطاف إلى شيمون بيريز وصفه فيه بالصديق العظيم ووقعه بكلمة الصديق الوفي محمد مرسي، في ٢٠١٢.. ولقد أثارت لغة الخطاب المتداعية وطنيًا ومصريًا غضب وحفيظة المصريين.

فهل يسافر الرئيس.. ولتعد زيارة واجب والسلام ؟!
في الظروف العادية سافر مبارك وخطفها، لكن ظروف السيسي اليوم غير عادية، ومن ثم أظن، والله أعلم بالنفوس والحسابات، أن مبعوثًا للرئيس يحضر جنازة المأسوف على آخرته، يعفينا من صداع مضاعف.. لا ينقصنا !
الجريدة الرسمية