رئيس التحرير
عصام كامل

لماذا لا تقبض الداخلية على مراسلي «الواشنطن بوست» و«الجارديان» و«النيوزويك»؟


لازال بيان وزارة الداخلية الذي تضمن اتهامات بالسعي لخلق مناخ تشاؤمي من خلال اصطناع الأزمات بدعوى فشل الدولة في تنفيذ خطط التنمية" يورط الداخلية فيما لا تفهم فيه، وكان على الوزارة أن تترك التكييف القانوني للنيابة.


أعرف أن القانون يجرم نشر أخبار كاذبة، ولكني لم أسمع طيلة حياتي الأكاديمية في دراسة الإعلام وقضاياه اتهاما "بخلق مناخ تشاؤمي بدعوى فشل الدولة في تنفيذ خطط التنمية"، فالدولة- رغبت وزارة الداخلية أم أبت، حبست أم أفرجت عن أولئك وهؤلاء - مازالت تفشل في تنفيذ خطط التنمية حتى أن الرئيس أصبح يبحث عن الفكة لتمويل المشروعات الكبرى.

وحتى قبل أن يتحدث الرئيس السيسي عن إمكانية تمويل المشروعات عن طريقة الفكة وهي فكرة وإن كانت وجيهة مازالت تعتمد على جيوب الناس، فمن ينتظر صرف شيك بملغ 1200،75 قرشا يمكن أن يخرج من البنك ليشتري نصف رغيف فول بـالـ 75 قرشا، كان الرئيس كان قد تحدث من قبل عما حسنته الصحف المصرية وترجمته المواقع المصرية على أن مصر تعيش حالة "دوار"، والحقيقة أن محرر الواشطن بوست كتب إجابة الرئيس على السؤال عندما سأله"عما يقلقه؟ فأجاب الرئيس وترجتمه الواشنطن بوست بأنه: That my country will collapse. وترجتمتها بالعربية هي: "أخاف على بلدي من الانهيار"، فهل يمكن لوزارة الداخلية أن تتهم من نشر ذلك بأنه يخلق مناخا تشاؤميا.

صحيفة "الجارديان" دائما ما تركز على نشر الأخبار "التشاؤمية" عن مصر. فمن يزور موقع صحيفة "الجارديان" ويبحث عن أخبار مصر، سيجد خبرا عن تطورات مقتل الباحث الإيطالي جوليو ريجني، وثلاثة أخبار عن قارب "رشيد" الذي لا نعرف كيف يمكن للإعلام أن يحوله "لخبر" تفاؤلي، بالإضافة لخبر عزل مدير بقطاع الأخبار بالتليفزيون لإذاعة حوار قديم للرئيس عن طريق الخطأ. الخبر الإيجابي الوحيد كان عن الإفراج عن أحد النشطاء السياسيين.

والأهم من ذلك، نشرت مجلة "النيوزويك" قبل شهر أو أقل تقريرا "بعنوان "إفساد مصر" استفاضت فيه طولًا وعرضًا عن الأوضاع السيئة في مصر، وهو تقرير يجعل أي مصري يتشاءم، فلماذا لم تقبض الداخلية على مراسل "النيوزويك" في مصر؟ أو لماذا يتم تحريك دعوى ضد "النيوزويك" لأنها تخلق مناخا تشاؤميا في مصر؟ حسنًا، ماذا لو كتب أي من الإعلاميين المصريين ما كتبته صحيفة النيوزويك، ألا يمكن القبض عليه بتهمة نشر أخبار تشاؤمية؟ أو القبض عليه بتهمة نشر أخبار تهدف لتكدير السلم العام، وغير ذلك من طقم الاتهامات الرنانة التي قالها الفنان الراحل يوسف دواود في مسرحية الزعيم – من تحطيم آمال المواطنين الشرفاء في العزة والكرامة والحرية والديمقراطية.

الحقيقة أن وزارة الداخلية تخلق مناخًا تشاؤميا عندما تكون إحدى التهم الموجهة لهؤلاء الأشخاص "خلق مناخ تشاؤمي"، لأن التهمة تهدف بشكل غير مباشر إلى تخويف "أي متشاؤم" من أن ينقل تشاؤمه لآخرين. فالتفاؤل والتشاؤم أبت وزارة الداخلية أم رغبت تهمة لا يجرمها الدستور ولا القانون.

نرجو ممن يكتب بيانات وزارة الداخلية أن يعلم أن "صورة مصر مش ناقصة" وأن "خلق المناخ التشاؤمي" الذي لا يجرمه القانون وتجرمه وزارة الداخلية يتم تكبيره وتضخيمه ليس بسبب المؤامرات التي تحيط من كل حدب وصوب بمصر، ولكن لأن الإعلام في العالم يختلف كثيرا عن "الهيئة العامة للاستعلامات" التي ترغبها وزارة الداخلية.
الجريدة الرسمية